تختلف القراءة النقدية للنصوص الإبداعية بحسب النص وانتمائه للسرد أو الشعر، وهنالك منهج خاص بالنقد التفكيكي أو القراءة التفكيكية التي يقول عنها الكاتب نفسه: تعتمد القراءة التفكيكية للنصوص الأدبية وغيرها على عدَّة نقاط أساسيّة، والتي تعدُّ هرمًا واحدًا لا يمكن الاستغناء عن أحد أركانه وهي...
من ضمن المفاهيم الأدبية التي نسمع بها أو نقرأ عنها كثيرا مفهوم النقد، وهو عبارة عن كتابات تواكب ما يظهر من انتاجات أدبية إبداعية في الأجناس المختلفة كالقصة والرواية والشعر وحتى المسرح، وهنالك نظريات أدبية مختلفة، منشأها الغرب، وظهرت بعض النظريات الأدبية عند العرب على الرغم من عدم رسوخها أو بروزها بقوة، لكنها حاولت مواكبة ما صدر من أعمال أدبية في الأجناس المختلفة.
عن النقد الأدبي يقول تمام طعمة (يعدُّ النقد الأدبي فنًّا من فنونِ الأدبِ التي تهتمُّ بمناقشة الأعمال الأدبيّة ودراستها دراسة وافية، حيثُ يعطي النقدُ الأدبيُّ تفسيرًا لمختلف النصوص الأدبيَّة، وبما أنَّ النقد الأدبي يدرس الأدب فقد ظهرَ بعدَ الأدب فلولا وجود الأدب بمختلف ألوانِه لما كانَ هناك نقدٌ أدبيٌّ في ساحة الفنون الأدبية).
أما النقد التفكيكي فهو يعد من النظريات الغربية التي برع فيها جاك دريدا وغيره من النقاد الغربيين، واهتم به العديد من النقاد العرب لاسيما في المغرب العربي، ربما بسبب القرب الجغرافي وتجاور هذه البلدان وقربها من بلدان الغرب أدبا ولغة وجغرافية أيضا، فظهر تأثير النقد التفكيكي في الأعمال النقدية للعديد من النقاد العرب.
ما هي مهمة الناقد والنقد؟
مهمة النقد كما هو معروف تحليل النص الأدبي من نواح مختلفة، بحسب المدرسة التي ينتمي لها هذا الناقد أو ذلك، أو بحسب النظرية النقدية نفسها، والنقد التفكيكي يقوم على تفكيك النص، وقراءته قراءة تفصيلية تستند إلى الإشارات الواردة فيه، ومهمة النقد والناقد يوجزها تمام طعمة بالقول: عندما ينظرُ إلى النصِّ الأدبي سواءً كان شعرًا أو نثرًا فإنَّه يحاول أن يكتَشفَ مواضع الجمالِ أو القُبحِ في النص مقدِّمًا الأسباب التي تدعمُ رأيه والذي قد يختلفُ فيه مع ناقدٍ آخر يستطيعُ أن يقدِّمَ أسبابَه أيضًا، لذلك فالنقد عبارة عن فنٍّ وذائقةٍ أدبية وحسٍّ مرهف بالإضافة إلى المعرفة والخبرة التي تعينُ الناقدَ على تأويلِ النصِّ الأدبي وتفسيره بأكمل صورة.
ويضيف تمام طعمة قائلا عن التفكيكية هي إحدى أهم النظريات النقدية الحديثة في الأدب. ويعدّ رائد التفكيكية جاك دريدا الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا من أهمِّ فلاسفة القرن العشرين، هو فيلسوف فرنسيٌّ ولدَ في حيِّ البيار في مدينة الجزائر في 15/7/1930 ونشأ فيها في الفترة التي كانت فيها الجزائر تحت الانتداب الفرنسي، عملَ مدرِّسًا لأطفال الجنود الفرنسيين في الجزائر وبعدَ انسحابِ فرنسا من الجزائر عيِّنَ أستاذًا للفلسفة في جامعة السوربون، وتابعَ مسيرته من هناك إلى أن توفِّيَ في 9/10/2004، هو رائد المنهج التفكيكيِّ وصاحب نظرية التفكيك في العصر الحديث، وقد طالت نظريَّاته العديد من العلوم كالعلوم الاجتماعية وعلم الجمال وعلم الأخلاق والفنون والهندسة المعمارية والموسيقى، وقد تأثَر بجاك دريدا رائد هذا المذهبِ العديدُ ممَّن عاصره، ومن أقواله الشهيرة: "ما لا يُمكنُ قولُه، لا يَنبغي السُّكوتُ عنهُ، ويكفِي أنْ يكتبَ".
إن اختلاف الأجناس الأدبية عن بعضها، قد يكون له تأثيره في تنوّع واختلاف النظريات النقدية التي تصدّت للكتابات الإبداعية المتعدّدة، فهنالك نقد يهتم أو يتخصص بنقد السرد، وآخر بالفنون الشعرية، أو المسرحية، فيتخصص النقد تبعا لنوع الكتابة الإبداعية، ولكن هنالك مهمة أخرى وقد تكون مختلفة من حيث الأداء النقدي ونعني بها عملية النقد التفكيكي التي تم طرحها وفق منهج نقدي تفكيكي يفسره تمام طعمة بالقول: مفهوم المنهج التفكيكي تأخذُ هذه الكلمةُ في أصلها المعجميِّ معنى الهدم والتخريب، وقد أخِذت الكلمة من استخدامها الأصلي حتَّى تُستخدم في ميدان الفكر لتصبح منهاجَ نقدٍ أدبيٍّ ومذهبٌ فلسفليٌّ في العصر الحديث.
جاك دريدا والمنهج التفكيكي
أوَّل من استخدمها بهذا المعنى وأدرجَها تحت هذا المصطلح الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا رائد المنهج التفكيكي في كتابه "علم الكتابة"، حيثُ يعتَبرُ هذا المذهبُ أنَّه لا يمكن الوصولُ بشكلٍ من الأشكال إلى فهمٍ واستيعابٍ كاملٍ أو متماسكٍ للنص الأدبي مهما كان هذا النصُّ، فالقراءةُ وتفسير النصوص الأدبية بشكلٍ عامّ هي عملية ذاتية يقومُ بها القارئُ وكلُّ قارئٍ يمكن أن يفسِّرَ النصَّ حسب رؤيته وحسبَ مشاعره وظروفه المحيطة وتجربته التي تؤثر جميعُها في قراءته لهذا النصِّ. وبناءً على هذا الرأي فإنَّه من المستحيل أن يوجدَ نصٌّ ثابتٌ متكاملٌ متماسكٌ بذاته.
بالطبع تختلف القراءة النقدية للنصوص الإبداعية بحسب النص وانتمائه للسرد أو الشعر، وهنالك منهج خاص بالنقد التفكيكي أو القراءة التفكيكية التي يقول عنها الكاتب نفسه: تعتمد القراءة التفكيكية للنصوص الأدبية وغيرها على عدَّة نقاط أساسيّة، والتي تعدُّ هرمًا واحدًا لا يمكن الاستغناء عن أحد أركانه وهي:
الاختلاف: والذي يعدُّ أحد المرتكزات الأساسية التي تعتمد عليه القراءة التفكيكية، فتقصِّي الدلالات اللغوية والجذور الخاصة بها في عدد المفردات يظهِرُ جزءًا من عدمِ استقرار التفكيكية على كلِّ ما هو يقيني.
مركزيَّة الكلمة أو العقل: يرى جاك دريدا أن التقاليد الغربية دفعت العقل إلى واجهة اهتمامها وأعطته السلطة الأولى في تحديد المعاني، وبذلك كان الاهتمامُ بالكتابة على حساب الكلام من أكثر الطرق تأثيرًا وهي التي قام عليها التمركز حول العقل، ولأنَّ الكتابة تكشفُ عن التغريب في المعنى ذاته، فرسمُ المعنى بوساطةِ العلامَات يعطيه الاستقلالَ والحريَّة عن مؤلفِه الأصليِّ ويعطيه المزيدَ من التفسيراتِ والتأويلاتِ.
علمُ الكتابة: أو الغراماتولوجيَّة وأصلها الكلمة اليونانية "gramma" والتي تعني المكتوبَ أو المَنقوش، وهو دراسة العلاماتِ أو الإشاراتِ المَكتوبة، فقَد أسَّس جاك دريدا لتحديثِ الفِكر بقلبِ أفضليَّة الكلام على الكتابَةِ، حيثُ جعلَ الكتابة موازيةً للكلام، بعكسِ روسو الذي رآى أنَّ الكتابة تابعة ومتمِّمة للكلام، أما دريدا فقد تمسَّك بالكتابة لأنَّه لا وجودَ لمجتمع دون كتابة أو توثيق أو إشارات وعلامات.
الخلاصة يُعدّ النقد ملاصقا للمنتَج الأدبي، ومع اختلاف الأشكال الفنية التي تظهر بها الكتابات الإبداعية، هنالك اختلاف نقدي مجاور لها، إذ يوجد النقد الانطباعي، والنقد البنيوي، والنقد التفكيكي، بحسب نظريات النقد المختلفة، لكن تبقى مهمة النقد الأدبي محصورة بتفسير وتحليل النصوص الإبداعية وإظهار مواطن القوة والضعف فيها.
اضف تعليق