السينما الروائية أو الأفلام الطويلة تكاد تنعدم في العراق، وهذا يشير إلى قلّة المؤلفين الجيدين في هذا المجال، كذلك ليست هناك إمكانية على تحويل القصص الجيدة إلى مشاهد وأعمال تصويرية ترفع من مستوى ثقافة و وعي الناس، لكن على مستوى الأفلام القصيرة التسجيلية وسواها...
بدءًا لابد من القول بأن الفن السينمائي هو أكثر الفنون تأثيرا في الناس، وأكثر مقدرة على تلطيف شخصياتهم وتشذيبها وتهذيبها، وجعلها أكثر قربا وحيازة للتحضّر في السلوك وفي التفكير وفي طريقة إدارة حياة الإنسان الفرد والجماعة، وهذا يتطلب أن يكون المضمون الفكري متوازنا حتى يكون التأثير على المشاهد متوازنا أيضا.
عناصر العمل السينمائي تبدأ بالمضمون، ثم السيناريو، ثم كادر العمل، الممثلون والمصورون، وبقية الاحتياجات الفنية الأخرى كالإنارة، والديكور والمونتاج وغيره، والأهم هنا الرجل الذي يقود العمل ونقصد به المخرج، وهذا المدير الأول والأعلى في إدارة عملية إظهار الفيلم السينمائي إلى الجمهور، ولا نبالغ إذا قلنا أن نجاح العمل يعتمد على ركيزتين أساسيتين، أولهما المخرج وطبيعة الإخراج، والركيزة الأخرى المؤلّف.
يستقبل الجمهور الفيلم السينمائي بشغف ومقبولية أكثر من وسائل التثقيف الأخرى، أكثر من الإقبال على الكتاب مثلا، أو أكثر من الحضور إلى الندوات التثقيفية، ولهذا يجب الاهتمام بفكرة الفيلم، وبطريقة إخراجه، ومن الأهمية بمكان أن يطرح الفيلم رؤية إيجابية تساعد المشاهد على فتح آفاق جديدة في حياته.
إذن دور السينما في التوعية والتثقيف كبير ومهم، ولكن هذه الأهمية مرهونة بشروط جودة العمل الفني، مضمونا، وإخراجا، بيد أننا في العراق نلاحظ أن ما يُقدَّم في مجال السينما، يكاد لا يسجل حضورا وإن كان بسيطا على مستوى الداخل.
أفلام تسجيلية متميزة
السينما الروائية أو الأفلام الطويلة تكاد تنعدم في العراق، وهذا يشير إلى قلّة المؤلفين الجيدين في هذا المجال، كذلك ليست هناك إمكانية على تحويل القصص الجيدة إلى مشاهد وأعمال تصويرية ترفع من مستوى ثقافة و وعي الناس.
لكن على مستوى الأفلام القصيرة التسجيلية وسواها، هناك حضور عراقي أفضل على المستوى الخارجي، وهنا لابد أن نشير إلى وجود فرق بين النوعين من الأفلام (الطويلة و القصيرة)، الأولى تكاد تكون أوسع جماهيريا، وبالتالي أكثر تأثيرا في عقول وثقافة وسلوكيات الناس، وهذا النوع من الأفلام قليل أو منعدم تقريبا ولا يعبأ به أحد.
أما الأفلام القصيرة فهي ليست جماهيرية، بل يمكن أن نطلق عليها تسمية أفلام نخبوية تستهدف جمهورا نوعيا يتّسم بالقلة، وهو وإن حُسِب على الفن السينمائي فبسبب جمهوره القليل يكون تأثيره الجمالي والأخلاقي والفكري أقل مما تقدمه الأفلام الطويلة، أما لماذا غياب أو قلة هذه الوسيلة الفنية، فهذا يعود إلى قلة اهتمام القطاع الخاص والعام أيضا بها.
ولكن ما هو سبب عدم اهتمام السياسيين بالسينما، بعضهم يقول إن السبب واضح ومعروف، وهو انشغال الساسة بما يفيدهم أكثر، ويعود عليهم بالأرباح السريعة، فالاهتمام بالسينما لا يضيف للسياسي المتحكم بالقرار شيئا، لكنه يضيف للشعب الكثير إذا ما تم اختيار الأفكار الناجحة المتوازنة والإيجابية.
وطالما أن فائدة الشعب لم تدخل في حسابات السياسي وأهدافه، فإن السينما تبقى مهملة، وما يثير الاستغراب حقا ضعف دور المؤسسات المدنية في قضية الاهتمام بالسينما مثل نقابة الفنانين التي تكاد تكون بلا حول ولا قوة ولا تأثير في دعم صناعة السينما بالعراق. لذا لا يفكر السياسيون بإعادة فتح دور السينما المغلقة لأنها لا تلبي مصالح هؤلاء الساسة، على الرغم من أن استثمارها بالشكل الصحيح يفتح نوافذ جديدة للتثقيف والتوعية شرط الالتزام.
الاستفادة من التجربة الفنية السورية
من الأمور التي علينا الإشارة لها والاعتراف بها هي وجود نخب سينمائية جيدة في العراق، لاسيما في مجالات التمثيل والاخراج، وقد أثبت الممثل العراقي قدرته ونجاحه حين اندمج في المشهد الدرامي السوري أو المصري أحيانا، وحتى في بعض الأعمال الدرامية بالعراق، فالممثل المتميز موجود والمؤلف المبدع حاضر والمخرج الموهوب متوفر.
لكن المشكلة موجودة أيضا، ويمكن تلخيصها بقلة الدعم (المدني الأهلي القطاع الخاص، والرسمي الحكومي) للممثل وللمخرج ولصناعة السينما، لأن المستثمرين يبحثون عن الربح السريع والمضمون، ولا يعنيهم أن يتطور الفن ويصبح في خدمة الوعي والعقل والثقافة الرصينة، هذه الخلاصة تقودنا إلى نقطة غاية في الأهمية وهي:
هناك حاجة كبيرة لتدخل القطاع الخاص ومؤسسات الدولة لكي يتحقق الإنتاج الفني السينمائي الرصين كمّا ونوعا، ومتى ما آمن الأثرياء وصنّاع القرار في الدولة، بأن دعم السينما يحقق لهم أرباحا مادية ومعنوية جيدة، سوف يتحقق الدعم المطلوب وسوف نلمس مستوى فنيا سينمائيا متفوقا في العراق يمكن أن يصبح وسيلة إضافية لنشر الثقافة الملتزمة والمسؤولة.
في الأفلام السينمائية القصيرة التي تم انتاجها في العراق ومنها فازت بجوائز دولية مرموقة، هناك مضامين مهمة ومتطورة تعرض لقضايا الإنسان العراقي ومعاناته ومشكلاته وأزماته الوجودية والواقعية، في إطار فني متميز يستحق الثناء، أما على مستوى الأفلام الطويلة فإننا نعاني من شحة وضعف في الأفكار والمضامين، ولهذا نحتاج إلى إعادة نظر بهذا الإهمال الذي تتعرض له السينما، كوننا نحتاج إلى الإنسان الواعي والمثقف الملتزم.
اضف تعليق