ما هو دور السلطة الإعلامية الرابعة؟ وفق الافتراض السائد تقوم السلطة الإعلامية بدور الرقابة على السلطات الثلاث المذكورة آنفاً لتؤدي وظيفتها وفق هذا التوصيف، فضلاً عن وظائفها الأخرى في الرقابة على مجمل الأنشطة والسلوكيات والأحداث الجارية في المجتمع، تعطي هذه الوظائف "المفترضة"، زخماً هائلاً للصحافة ووسائل الإعلام، ما يجعلها قوة جبارة في المجتمع...
كنت على وشك إنهاء مقالٍ لي، جوهره سؤال مركزي: هل نملك سلطة رابعة؟ جادلت فيه على أننا لا نملك هذه السلطة نتيجة لأمور عدة أبرزها عدم وجود قاعدة صلبة تضع عليها الصحافة عرشها.
لم أكمل المقال حتى جاء صديقي يخبرني بسقوط أحد ضيوف قناة العراقية من كرسيه على الأرض نتيجة انهيار الكرسي المخصص له من قبل القناة، كل ذلك جرى خلال البث المباشر، ومقدم البرنامج وهو مدير القناة أيضاً زاد المشهد سواءً لأنه لم يحرك ساكناً وبقي يشاهد لحظة السقوط والانهيار.
وكان لسان حال المقدم يقول بأن لحظات السقوط لا يمكن لأي شخص في العالم تجميلها، أو هي اللحظة الأخيرة لفضح كل هذا السوء الذي اختفى عن أنظار الناس.
ليست لحظة سقوط كرسي قناة العراقية هي المعبرة عن أسوأ أنواع المشكلات، كل لحظات السقوط متشابهة من حيث قدرتها على الفضح والإعلان المدوي عن وجود مشكلة كبيرة في النظام العام أو في أحد مفاصله.
الكرسي عندما ينهار في استوديو قناة الدولة الأولى التي تعادل وزارة سيادية فهذا يعني أن هناك سوء متابعة من قبل الإدارة في مسائل عدة من بينها الكرسي الذي ظهر أمام العامة، لماذا؟
لأن العراقية ليست قناة البث العام ولا اللسان الناطق باسم جميع أطياف الشعب، إنما هي لسان الحكومات المتلاحقة، فضلاً عن كونها اللسان الناطق باسم الأقوى والأكثر تأثيراً.
والقاعدة التي يتكئ عليها مسؤولي قناة العراقية تختلف عن قاعدة كرسي الضيف، هذا الأخير يعتمد على الجودة، إذا لم يكن مصنوعاً من مواد جيدة ينكسر ويسقط على الأرض مع الضيف طبعاً، لكن المسؤول في قناة العراقية لا يحتاج إلى الجودة في العمل بقدر حاجته إلى الإسناد والدعم من قبل المسؤولين في الحكومة والكيانات السياسية النافذة في البلاد.
ومن يستند للسياسة ويتخذ منها درعاً واقياً لن يتحول إلى سلطة رابعة، إنما يبقى ظلاً للسلطة تحميه من لهيب الغضب الشعبي.
أي أن السلطة الرابعة التي تلهب مشاعر الناس ضد أخطاء السلطة التنفيذية باتت هي من تحتمي بالحكومة لتجنب غضب الناس، ويكفي إلقاء نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي في أي وقت حتى قبل سقوط الكرسي في الاستوديو ومشاهدة ردود أفعال المواطنين تجاه أداء شبكة الإعلام العراقي، يرى الناس أنها الناطق باسم الحكومة والمساند لها بما فيها من أخطاء وتقصير تجاه الشعب.
ومن ينطق باسم السلطة التنفيذية صار جزءاً منها وتخلى عن قوته كسلطة رابعة، كما توصف وسائل الإعلام دائماً بأنها "السلطة الرابعة" ويراد بهذا التوصيف وضعها بمكانة من القوة بما يوازي السلطات الثلاث الأخرى، التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
نظرياً، تؤدي السلطة التشريعية إصدار القوانين المنظمة للعلاقات داخل المجتمع، وتقوم السلطة التنفيذية بالأعمال المباشرة وفقاً لطبيعة العقد الاجتماعي في الدولة، بينما تأتي السلطة القضائية لتحكم في المسائل الخلافية بين أطراف المجتمع.
ما هو دور السلطة الإعلامية (الرابعة)؟
وفق الافتراض السائد تقوم السلطة الإعلامية بدور الرقابة على السلطات الثلاث المذكورة آنفاً لتؤدي وظيفتها وفق هذا التوصيف، فضلاً عن وظائفها الأخرى في الرقابة على مجمل الأنشطة والسلوكيات والأحداث الجارية في المجتمع.
تعطي هذه الوظائف "المفترضة"، زخماً هائلاً للصحافة ووسائل الإعلام، ما يجعلها قوة جبارة في المجتمع، لا سيما إذا كانت محمية بحزمة من التشريعات والمواثيق الدولية والمحلية التي تضعها في ممثلاً رسمياً وناطقاً باسم الشعب وباسم حرية الرأي والتعبير.
لكن قناة العراقية التي تحتمي بالسلطة التنفيذية وتحميها، فقد قوتها وزخمها، والحال ليس مع هذه القناة فقط، إنما مع وسائل الإعلام العراقية الأخرى التي تحتمي كل واحدة منها بحزب سياسي لتكون فرعاً منها ومدافعاً عن أفكاره فقط متناسية دورها الرقابي الذي لو قامت به لتحولت إلى سلطة حقيقية تسهم في تغيير حال العراقيين ومنع سقوط المزيد من الكراسي بالبث المباشر.
اضف تعليق