q
الأكاديميون يُعيبون على المؤسسات الحكومية اهمالها للكثير من الدراسات التي تجرى بمختلف المجالات وتؤشر مكامن القوة والضعف في العمل الحكومي، ولكن ما يؤسف ان ما تتوصل اليه تلك الدراسات من نتائج وتوصيات تخدم الهدف الأسمى وهو النهوض والتقدم العمراني والتبادل التجاري وغيرها من المجالات...

نسمع نحن في الأوساط الإعلامية بأن القناة (س)، أصبحت تابعة للجهة، (ص)، وإحدى الجرائد الحزبية غيرت من سياستها تجاه ملف من الملفات، ونعرف فيما بعد ان أسهم كثيرة منها تم شراءها من قبل كتلة سياسية معروفة بمواقفها الواضحة إزاء اغلب الموضوعات التي تهم المصلحة المالكة لها.

الوسيلة الإعلامية التي تدار من جهات معلومة قد تكون أحزاب او منظمات مجتمع مدني او غيره امن الحركات الثقافية، عادة ما تكون مُطبلة ومروجة لأهداف وبرامج الجهة الممولة، وهذا لا يحدث في الوقت الحالي فقط، ولم يكن وافدا جديدا بعد تغيير نظام الحكم، بل كان سائدا منذ الأنظمة السابقة وساري المفعول ليومنا هذا.

في العقدين الماضيين كانت المحطات التلفزيونية، (العراقية)، وعلى الرغم من انها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، عبارة عن وسيلة دعائية لا إعلامية، ترهق مسامعنا بخاطبات جوفاء لرئيس النظام ورجاله، اما الفترات المتبقية من اليوم فيتم استثمارها أيضا لتضليل الرأي العام المحلي، وابقاءه تحت وطأة الجهل وعزله عن المحيط الخارجي وما يدور فيه.

لا تستغرب عزيزي القارئ ان كنت ممن لم يواكب هذه الحقبة الزمنية، فالسلطات وبجميع الازمان تعلم مدى تأثير ماكينة الإعلام على الجمهور، وتتمسك بأساليب الدعاية والترويج الموجه والمركز حول قضية معينة ولفترات معلومة من اجل خلق النتيجة التي تريد الوصول اليها.

فترى الاهتمام بالوسائل الإعلامية بصورة عامة يفوق ما تحتله بقية الجوانب المهمة في الدولة، والملامسة بشكل مباشر لحياة المواطنين، ولا شك ان هذا الاهتمام يعكس توجه الجهات الحاكمة بما يتعلق في حرف الأضواء عن أكثر الأمور أهمية وأكثرها تعلقا بالرعية.

نعيش اليوم مع تجربة حديثة تجسد الهيمنة الحكومية على الإعلام التابع للدولة، وكذلك والخاص بجهات مشتركة بالعمل السياسي، فعندما تسنم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة شرع بفرض نفوذه على وسائل الإعلام بمختلف اشكالها، واعتمد على ما يحمله من خبرة في هذا المجال.

وفي الاتجاه ذاته عمل على كسب ود الإعلاميين المؤثرين على الرأي العام، عبر إعطائهم مناصب حساسة في الهرم الحكومي، وبالنتيجة ألجم افواههم ومنعهم من التحدث بالسلبيات التي تحصل او تواكب عمل حكومته.

وثاني اهم الخطوات التي اتخذها الرئيس الجديد هي عدم المواجهة مع الجهات التي تمتلك منظومة إعلامية مؤثرة وقادرة على تأليب الرأي العام، فلوا أجرينا مراجعة بسيطة لشريط الاحداث العابرة في الشهور الماضية، نلاحظ بعض القنوات التابعة لأحزاب مناوئة للعملية السياسية المرتبطة بدول الجوار دقت طبول الحرب وهاجمت الحكومات السابقة بما فيها حكومة عادل عبد المهدي لحين سقوطها.

كذلك استخدم البعد التشريعي لبسط نفوذه على فضاء العمل الإعلامي، اذ قامت الحكومة بالتلاعب بالقوانين الموضوعة وعدلت على الكثير من التشريعات التي تحجم عمل وسائل الإعلام، وتجعل القائمين عليها يخشون اللعب بمنطقة قريبة من أصحاب القرار.

كما ان البعد الاقتصادي له تأثير لا يمكن تجاهله، فجميع المؤسسات الإعلامية التي تريد التخلص من احتكار قوتها وتقيد نفوذها، تضع نصب عينيها المحرك المالي، (الداينموا)، الذي يضمن للمؤسسة البقاء على قيد الحياة، وبالتالي تلتزم بنوع السياسية التي تريدها الجهة المانحة ولا يمكن لها ان تفك ارتباطها بها.

منطقي جدا ان نجد في ابجديات عمل الأنظمة الدكتاتورية فرض السيطرة على الإعلام الذي يتناول الثغرات في العمل المؤسساتي، ومحاولة تشخصيها، لذا نراعها عمدت الى تفريغه من مضمونه تجنبا للتداعيات السلبية المحتملة من الرسالة الإعلامية التي يقدمها للشارع.

الأكاديميون يُعيبون على المؤسسات الحكومية اهمالها للكثير من الدراسات التي تجرى بمختلف المجالات وتؤشر مكامن القوة والضعف في العمل الحكومي، ولكن ما يؤسف ان ما تتوصل اليه تلك الدراسات من نتائج وتوصيات تخدم الهدف الأسمى وهو النهوض والتقدم العمراني والتبادل التجاري وغيرها من المجالات.

كما هذه الشريحة فان وسائل الاعلام تحمل نفس الهم الأكاديمي فهي لا تجد من يشتري بضاعتها التي تقدمها في أحيان كثيرة بصورة مجانية على الجهات الحكومية، ومقابل ذلك تشن حملة معاكسة، بدلا من الاستفادة من هذه المنابر الإعلامية، فبالإمكان ان تكون تلك الوسائل هي العين المراقبة لما يحدث بالميدان والناقد الفعلي الذي يأخذ جميع ما يقوله بعين الاعتبار للوصول الى حالة قريبة من الاستقرار في إدارة الدوائر الخدمية وغيرها.

يوما بعد آخر تزداد الرغبة في السيطرة المطلقة على الخطاب الموجه الى عامة الناس، والمستقبل القريب سيخبرنا بأن الإعلام فقد الكثير من مزاياه واغراضه، ما قد يسلب منه الحق لان يكون السلطة الرابعة التي تخشاها الحكومات وتعول عليها الشعوب لمناصرتها وتحقيق غاياتها في الإنصاف ووضع الأمور في نصابها.

اضف تعليق