لا تنحصر مهمة الإعلام بنقل الأخبار وتشكيل الرأي العام بل يتعداه إلى التوعية والتثقيف فضلاً عن قدرته في إدارة الأزمات. ويفترض أن يكون الإعلام أكثر المجالات تفاعلاً واستجابةً للأزمات والأحداث المهمة في تاريخ الشعوب، فإن لم يكن من منظور الدور الإرشادي، وفقاً لمدرسة غوبلز، فمن منطلق الدور التعريفي الإخباري...
لا تنحصر مهمة الإعلام بنقل الأخبار وتشكيل الرأي العام بل يتعداه إلى التوعية والتثقيف فضلاً عن قدرته في إدارة الأزمات. ويفترض أن يكون الإعلام أكثر المجالات تفاعلاً واستجابةً للأزمات والأحداث المهمة في تاريخ الشعوب، فإن لم يكن من منظور الدور الإرشادي، وفقاً لمدرسة غوبلز، فمن منطلق الدور التعريفي (الإخباري).
وبلا شكّ مثلت جائحة كورونا أزمة عالمية هددت البشرية جمعاء على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ؛ لأسباب باتت معروفة كسرعة انتشاره وحداثة العهد به وانعدام اللقاحات والعقاقير الشافية من آثاره.
ومن وسائل الإعلام التي كانت حاضرة وبقوة منذ أزمة فايروس كورونا: الفضائيات، إذ أدى أغلبها دوراً ايجابياً في هذه الأزمة بتوفير المعلومات عن الفايروس والأخبار بشأنه والدعوة إلى الحذر والمطالبة بالاستعداد بوضع الخطط المناسبة، واتبعت أغلب الفضائيات تغطية إعلامية (تحليلية)، وتفسيرية، ونقدية لتناول الأبعاد المختلفة للأزمة.
وزاد من أهمية الفضائيات الاهتمام العالمي بأخبار أزمة كورونا لاسيما في فتــرة العزل الصحي، إذ كشف استطلاع أجراه معهد إدلمان في 6-10 من آذار/مــــارس عام 2020 أنَّ أكثر من 90 بالمئة من الإيطاليين واليابانيين والكوريين يطّلعون مرة واحدة في اليوم على الأقل على التطورات المرتبطة بالفايروس، وأكثر من نصفهم يقومون بذلك أكثر من مرة يومياً. وأشار استطلاع آخر أجراه معهد إيبسوس لموقع "أكسيوس" الإخباري إلى أنَّ نصف الأميركيين لا يزالون يثقون بوسائل الإعلام التقليدية في متابعة أخبار الفايروس.
وحظي الإعلاميون في بعض البلدان ومنها العراق بتسهيلات كبيرة في التنقل والحركة بشكل استثنائي؛ لتطلب عملهم التواجد في موقع الحدث للتغطية الاخبارية وللقيام برسالتهم التوعوية، فيما عانى إعلاميو بلدان أخرى؛ لسريان لحظر ومنع التنقل إليهم، فاكتفى الكثيرون منهم بالعمل في بيته ونقل المعلومات الكترونياً تجنباً للتنقل والاختلاط.
وابتعدت التقارير لاسيما في بداية الأزمة عن الجوانب الإنسانية والتزمت بتقديم الحقائق والأرقام فقط بسبب هذا الظرف الطارئ. وتحولت القصص الخاصة بكورونا هي الشغل الشاغل لوسائل الإعلام بل طالبت الكثير من الفضائيات من صحفييها وإعلامييها بالاكتفاء بتغطية أخبار كورونا وتداعياتها، وأي قصة ذات علاقة به ولا شيء آخر؛ لذا كانوا دائماً بانتظار من يزودهم بصورة لكتابة تقرير عنها، وهكذا أصبحت القصة الصحافية الوحيدة أو الأهم في عيون العالم هي قصة الوباء!
وغيرت الكثير من الفضائيات خريطة البث وأولويات القضايا بما يخدم هدفي التعريف والتوعية، وقامت بجهود عظيمة جعلها طرفاً مباشراً في إدارة الأزمة، وليس مجرّد وسيط أو ناقل أخبار بين الحكومات والشعوب، وكان لافتاً أنَّ فضائيات أوروبا والولايات المتحدة واليابان، وفي معظم الدول، لم تقصر جهودها وأداءها على المجتمعات المحلية، إدراكاً منها لشمولية الأزمة، وأنَّ الوباء عابرٌ للحدود.
واستشعرت هذه "المسؤولية" في كلّ الدول تقريباً، بما فيها دول عربية وأفريقية وفي أقصى بقاع الأرض، عدا ثلة من الدول التي كان فيها عمل الإعلام على الوتيرة التقليدية نفسها، بممارسة الدور الإخباري ولم يرق إلى مستوى الأزمة، فلم يناقش حلولاً مبتكرة استباقية للوقاية أو المواجهة.
واستثماراً لمكوث الناس ساعات طوال أمام الشاشة في فترة الحجر المنزلي، لقد اخذت الفضائيات على عاتقها مهمتين اساسيتين، أوَّلهما نقل أخبار الفايروس وحدود انتشاره وأعداد الاصابات محلياً وعالمياً، والمهمة الثانية نقل التعليمات والتوجيهات والوصايا التي تطرحها الجهات ذات العلاقة والاختصاص لمواطنيها كوزارة الصحة (أو المؤسسات الصحية) والأطباء. واستطاعت الكثير من الفضائيات أن تقوم بالتثقيف ونشر رسائل التوعية الصحية بمختلف الوسائل حتى الرسوم المتحركة والأغاني، وعملت على بث الروح الايجابية وبث الثقة بالجهات الصحية وكفاءتها وامكانيتها في مواجهة الفايروس، وعقدت الكثير من البرامج لتشجيع تعاون المواطن من خلال التزامه بالإرشادات والتوجيهات الصحية. وطالبت بعدم التهويل؛ لأنه يثير الفزع والرعب ويضعف الحالة النفسية للإنسان. كما طالبت بعدم الاستهانة بالفايروس؛ لأنه يؤدي إلى نشره وتفاقمه.
كما راعت الفضائيات كثيراً الجانب السوسيولوجي لدى الجماهير والأفراد، فليس في وسع الخطاب الإعلامي أن يتغاضى عن خصوصية متابعيه وجمهوره، والعوامل المؤثرة فيهم فكرياً ونفسياً، بالتوازي مع الناحية الاقتصادية. وافردت فقرات وبرامج خاصة عن الأوضاع الاقتصادية وشكوى المواطنين من ذوي الدخل المحدود والفقراء في ظل أزمة كورونا.
وسلطت الضوء على مبادرات فردية أو شبابية بمساعدتهم المرضى أو تقديم الدعم للعوائل الفقيرة، والاتصال بأصحاب المبادرات وتكريمهم، كما حدث في العراق مع الشاب البصري (أحد الكوادر الطبية) الذي كان يغني للمصابين بفايروس كورونا في المستشفى، محققا ًشهرة عابرة للحدود.
واستعانة الفضائيات في رسائلها التوعوية عن الفايروس والحث على البقاء في المنازل وغسل الأيدي بالشخصيات والرموز الوطنية والمشاهير والرياضيين.
وختاماً يجب أن نقول سجلت على بعض الفضائيات أنها كانت سلبية في تناولها للأزمة لم تقم بدورها وتباطأت بالعمل وتغطية أخبار كورونا، أي تعاملت مع الأزمة بشكل سلبي، بتجاهل التعامل معها أصلاً أو على الضغط عليها، ومحاصرة كافة المنافذ التي تؤدي إليها، بشكل يؤدي إلى تضييع وقت طويل في التعامل معها، بما قد يؤدي إلى تفاقمها. لكن غالبيتها اتّسم بالمصداقية والتزم بالضوابط التي تحكم دورها في إدارة الأزمات فضلاً عن قيامه بالفورية في نقل أخبار الأزمة، والتعريف بها وإمداد الجمهور بالحقائق التفصيلية أوَّلًا بأوَّل، والعمق والشمول في تغطية جوانبها المختلفة، وضبط النفس والتعامل بموضوعية مع أجهزة الرأي العام، والاعتراف بالأخطاء التي قد تحدث أثناء التغطية، والرجوع والاعتماد على المصادر الأصيلة، وكان هدف الكثير منها في تناولها الإعلامي مساعدة المجتمع في مواجهته لأزمة كورونا والتغلب عليه.
اضف تعليق