لقد ذقنا، نحن ادباء العراق، مشاعر المرارة بسبب المقاطعة الثقافية العربية بعد العام 2003، عندما حسبنا بطريقة تعسفية على الاحتلال ومن أتوا معه، واتضح لهم لاحقا خلاف ذلك ..المواقف والمقاطعات يجب ان لاتخضع لاسلوب القطيعية السياسية، كما حصل في دورتي موسكو ولوس انجلوس، وانما يجب ان تبنى على رؤية فلسفية...
في العام 1980 اقيمت دورة الألعاب الاولمبية في موسكو، لكن نصف دول العالم تقريبا قاطعتها، تضامنا مع موقف اميركا منها بسبب التدخل السوفيتي في افغانستان! وفي العام 1984 اقيمت الدورة في لوس انجلوس الاميركية، وايضا قاطعها الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي، ردا على الأميركان!
الحادثتان مازالتا في ذاكرة الملايين من البشر، رياضيين وغير رياضيين، كونهما عكستا ليس الانقسام السياسي العقائدي فقط، وانما الثقافة القطيعية التي مازالت تحكم البشر وتتحكم بهم، وهذه الثقافة مترحلة من ازمنة القبائلية التي تجاوزتها الشعوب الى مرحلة الدولة، لكنها لم تتخلص تماما من رواسبها المتمثلة بالتحالفات ضد بعضها البعض!
لايختلف الامر مع النشاطات الثقافية، فالدول حين تختلف مع بعضها، تحصل مقاطعة متبادلة للنشاط الثقافي بالإضافة الى النشاطات الاخرى، وهذه قرارات سياسية ليست بالضرورة تخدم الشعوب او تعبر عن جوانياتها ومواقفها، ما يعني ان مفهوم الانسانية مازال ملتبسا في اذهان العالم، وفي مقدمته البلدان المتحضرة نفسها!
مؤخرا، تابعت لقاء مع المفكر العربي عبدالله الغذامي، وقد سئل اثناء اللقاء، ان كان سيحضر مؤتمرا في دولة ما، يدعى اليه مثقفون اسرائيليون، فكان رده بأنه سيحضر، واوضح قائلا؛ لأني لم اذهب لأجل اللقاء بهؤلاء، وانما لأقدم ماعندي .. وانقل هنا بالمعنى القريب من النص .. وهذا موقف صحيح وعملي، ولايمكن مقارنته بمن يذهب الى اسرائيل مباشرة، ويتعامل مع مؤسساتها تحت اية ذريعة، قبل ان يحل الخلاف معها، وهنا لا اقصد المثقفين العرب وحدهم بل جميع من يحترم قيم الحياة في العالم.
في الاسابيع الاخيرة، قرأنا عن مواقف لأدباء ومثقفين عراقيين وعرب، انسحبوا من مهرجانات او اعتذروا عن دعوات وجهت اليهم من الامارات او البحرين بسبب تطبيعهما مع اسرائيل، وهذا يعني ان قضية فلسطين مازالت في الضمائر، لكن هؤلاء الأدباء والمثقفين لايترددون في الذهاب الى مصر والاردن، مع ان هذين البلدين طبّعا مع اسرائيل من قبل وكذلك السلطة الفلسطينية التي مازالت في مفاوضات مباشرة معها، فلماذا يختلف الأمر هذه المرة؟!.
المثقفون في مصر والاردن لم يطبعوا حتى اليوم، وهذا يحسب لهم، مثلما يحسب لمثقفي الامارات والبحرين موقفهم الرافض للتطبيع، وعليه فمقاطعة النشاط الثقافي هناك، يعد بمثابة عزل لهؤلاء عن زملائهم العرب لذنب لم يقترفوه، فمن يلبي دعوة لنشاط ثقافي في مصر او الامارات، لايعني انه بات مع التطبيع، وماحصل هناك هو تطبيع سياسي استدعته ظروف هذه البلدان الخاصة.
لقد ذقنا، نحن ادباء العراق، مشاعر المرارة بسبب المقاطعة الثقافية العربية بعد العام 2003، عندما حسبنا بطريقة تعسفية على الاحتلال ومن أتوا معه، واتضح لهم لاحقا خلاف ذلك ..المواقف والمقاطعات يجب ان لاتخضع لاسلوب القطيعية السياسية، كما حصل في دورتي موسكو ولوس انجلوس، وانما يجب ان تبنى على رؤية فلسفية، تستهدف نقاء اللقاء الانساني وتشذيبه من اخطاء السياسية وخطاياها، لتستقيم الحياة، وهذا هدف المثقف الاساس.
اضف تعليق