ان كل قناة إعلامية بمختلف وسائل النشر انما تعبر عن اجندة حزبية خاصة بجهة التمويل، نعم هذا صحيح، لكن الدستور والقانون حدد سقف التعامل مع هذه الاجندات الحزبية في النشر العام، هي مثلبة على محاصصة السلطة لتصل الى غض الطرف عن نماذج والتعامل بطريقة فضائحية مع قنوات توصف بالمعارضة...
سبق وان نشرت عددا من المقالات عن مهمات الاعلام في إدارة الازمات، مقابل نماذج مشوهة مما يعرف اليوم اصلاحا بـ "الطشة" التي تعبر عن انحدار القيم المهنية في البرامج الحوارية، يؤكد حقيقة راسخة، عن تساقط مهنية الاعلام العراقي في محرقة المال السياسي واجندات الأحزاب وصراعاتها الداخلية وارتباطاتها الخارجية، وهذا يحتاج الى شفافية نشر من مؤسسات الدولة وانفاذ القانون على هذه الوسائل بمختلف ميولها واتجاهاتها، مع الاخذ بعين الاعتبار وجود منصة رسمية تتصدر المشهد الإعلامي، لا ان تترك مهمات التصدي الإعلامي في ساحات التحرير لنماذج الفبركة العميقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي!.
معضلة عراق اليوم هي الجهل او تجاهل معايير مهنة الديمقراطية في ممارسة السلطة، مما أدى الى ظهور هذا النموذج الإعلامي البائس، ولا اريد تكرار الحديث عن آثام مفاسد المحاصصة وما انتهت اليه في الفشل المتتابع حتى جعلت العراق ساحة لصراعات إقليمية ودولية ، لكن حوادث ساحات التحرير، واليات التعامل معها تتطلب تحديد معايير مهنية لإدارة الاعلام حيث فشل المتصديين للسلطة في إدارة مهنة الديمقراطية، ولان إدارة ماكنة الاعلام تعكس هذا الفشل، باعتبار ان الأغلبية العظمى من وسائل الاعلام لاسيما القنوات الفضائية ممولة من المال السياسي، اما بتمويل خارجي للأحزاب او من تغانم موازنة الدولة في مفاسد المحاصصة، وانعكست هذه المحاصصة على أدوار مفترضة قانونيا وعرفا مهنيا لبعض الهيئات التي تشمل الاعلام في العراق الجديد، فظهرت تكتلات خارج الهوية الوطنية الجامعة، سرعان ما تفضح ذاتها باسترجاع مواقف وتوصيف هذا الحزب او ذاك وهذه القناة او تلك التي تمثل هذا المكون او ذاك، بعد ان وصل الامر الى اعتبار قرار مجلس النواب في اخراج القوات الأجنبية من العراق مجرد "قرار شيعي"!.
السؤال المطروح: كيف يمكن ان تنجح مبادرات المصالحة الوطنية، وسرعان ما تتقافز الشتائم بين الجيوش الالكترونية في اي تأزم للمشهد السياسي ويبدأ من يفترض انهم كبار المحللين الإعلاميين، بطروحات تصب الزيت على نار الازمة؟؟
ربما يقول قائل، مطلوب مواقف واضحة في الازمة، وعند الشدائد تظهر اخلاق الرجال، نعم ولكن هل نتعامل مع قضايا الوطن وهو يمر بأعمق ازماته، بعين واحدة، ونحاول ان نفصل قياسات المواقف حسب اجندات الأحزاب والاوضح حسب المال السياسي لتمويل هذه القناة او تلك.
وربما يقول اخر، ان كل قناة إعلامية بمختلف وسائل النشر انما تعبر عن اجندة حزبية خاصة بجهة التمويل، نعم هذا صحيح، لكن الدستور والقانون حدد سقف التعامل مع هذه الاجندات الحزبية في النشر العام، هي مثلبة على محاصصة السلطة لتصل الى غض الطرف عن نماذج والتعامل بطريقة فضائحية مع قنوات توصف بالمعارضة، لعل افضل تصور لهذا التضاد ان التحالفات الانتخابية التي دخلت قبة البرلمان، ضمت تنوعات مختلفة في مسعى سياسي لتجاوز مفهوم المكونات الطائفية، فاذا بها تواجه لعنة جمهورها المستفيد من المال السياسي في الترويج لأي ازمة حتى بالضد من طبيعة التحالفات البرلمانية، فقط لان اهواء هؤلاء المحللين لا تجد ذاتها الحزبية في تجاوز الطائفية السياسية.
وربما يقول ثالث، ان ترسيخ القاعدة الوطنية في الاعلام المعاصر، تتطلب الثبات على مواقف محددة ذكرها الدستور والقانون العراقي، وهذا صحيح، لذلك يفترض ان تكون هناك منصة إعلامية رسمية تعتمد معايير الشفافية في اصدار البيانات الإعلامية، فبدلا من تداول معلومات تجدها الأجهزة الأمنية مضللة للرأي العام، يفترض ان تصدر بيانات يومية عن واقع ساحات التظاهر، وتأخذ بها جميع الأجهزة الإعلامية كموقف رسمي، لكن ذات مفاسد المحاصصة في السياسات العامة للدولة تمنع هذه الأجهزة من الإشارة الى وقائع ساحات التظاهر رسميا يمكن ان تحسب على هذا الطرف او ذاك من أجهزة كل حسب الكتلة البرلمانية المحسوب عليها.
كل ذلك يتطلب ان تتصدى له الاتحادات والنقابات ذات العلاقة بمهنة الاعلام وحذف الكثير ممن يطلقون على أنفسهم محللين يتكلمون بمختلف الاختصاصات والعناوين، حسب اهواء وميول القنوات التي يخرجون فيها من اجل حفنة من دولارات المال السياسي!.
اضف تعليق