ليست هذه هي المرة الأولى التي ينسحب فيها دور المثقف الى الخلف، في الأحداث التاريخية الكبرى، والذي لم يقْنص في المناخ الديمقراطي في العراق، لا يتوفر في البلدان المجاورة، فرصة لتوثيق دوره وفرض رؤيته على الاحداث، عدا التدوينات التنظيرية، والإسقاطات التسطيحية في التحليل...
تُوجّه الانتقادات مرة أخرى الى المثقف العراقي، لغياب دوره في أزمة التظاهرات، والملزِم الوطني الذي يحتّم عليه، في التبصير والإرشاد، وحساب أرقام الحل، سواء للمواطن أو لأصحاب القرار.
ليست هذه هي المرة الأولى التي ينسحب فيها دور المثقف الى الخلف، في الأحداث التاريخية الكبرى، والذي لم يقْنص في المناخ الديمقراطي في العراق، - لا يتوفر في البلدان المجاورة- ، فرصة لتوثيق دوره وفرض رؤيته على الاحداث، عدا التدوينات التنظيرية، والإسقاطات التسطيحية في التحليل.
الراصد للفعاليات الكتابية والمعالجات من قبل الكتّاب والمثقفين العراقيين، يرى ذلك الأفول، جليّا سواء في آصراتهم مع النخب، من أجل تداول الحلول، او مع المتظاهر في ساحات التحرير، للنزول الى طرائق التفكير وتوجيهها، واستيعاب سلوكيات الاحتجاج وإنماؤها الى الأسلوب المتمدّن والمتجدّد.
وعدا الفضائيات التي عاقرت التحليل السياسي الخاطف من قبل محللّين يخلعون مفاهيمهم وطروحاتهم على الحدث في عجالة، انحسرت بصمة المثقف العراقي على الاحداث، وكان يمكن ان يكون له دور بين المتظاهرين في فرض قيادته لها، بدلاً من تسليمها بيد الارتجالية، والفوضوية التي سعت اليها اطراف طارئة، على ساحات التظاهر، وتروم توجيهها الى غير مقاصد المتظاهرين الحقّة في الإصلاح، وتحسين الأوضاع.
يقود هذا القصور الى السؤال عن دور أولئك المثقفين والكتاب الذين يضعون أنفسهم في خانة "الكبار"، فيما الواقع يشير الى انهم أصبحوا "صغارا" أمام جدّية الحدث، وتعلّق مصير الامة العراقية بنتائجه.
ما يزيد التعييب لأولئك، انّ الكاتب العراقي حرّ، ولديه من النوافذ أضعاف مضاعفة، عما تتوفّر عليه الدول الأخرى، لكنه يافع التأثير على الحدث بشكل واضح.
لا شكّ في ان الكاتب الكبير هو الذي يتماهى مع الواقع، ويرتقي اليه، ويفصح عنه، وصاحب مجسّات تعتمد عليها النخب في القرار، والمواطن في السلوك.
الذي يحدث هو النقيض تماما، ذلك ان النوافذ الإعلامية والثقافية، والفضائيات، التي تضم طواقم إعلامية وثقافية، وتحليلية، فشلت في هديّ المواطن، وهو يتظاهر، وقبل ذلك اثبتت إخفاقها في قطف ثمار أطروحاتها السياسية والثقافية التي وجّهتها الى الشعب لسنين طوال.
كشفت الازمة عن ان الشعارات التي يرفعها المواطن هي على العكس تماما من التحليلات، والاستشرافات في المقالات والخطاب الإعلامي والتحليلات، كما أفشت عن ان الكتاب والإعلاميين الذي يعهدون أنفسهم أسماءً لامعة، يحرصون على البقاء في المنطقة الرمادية في اتخاذ الموقف من الأزمات الكبرى، منتظرين تداني النتائج لكي يوجهوا بوصلتهم نحو الجهة المنتصرة، في سلوك وصولي ومُتاجِر يكشف عن إجادتهم لعبة الهروب من الموقف الصادق، وتوفّرهم على مهارات المناورة في اللحظة المناسبة.
الإعلام الكبير، والقلم الجبّار، هو الذي يستجيب مع الواقع، ويستشعر الناس نبضهم فيه، فيتفاعلون معه، ويستجيبون لطروحاته، ويصدّقون منشوره، وهو أمر في غاية الاعتبار، لأنه يقصي المجتمع عن الانفعال في الاعلام الخارجي المسيّس الذي يسعى الى تحقيق الاجندة الممولة له.
للأسف، فانّ ما يحدث اليوم هو الضد، اذ بات للكتابات والطروحات والرسائل الموجّهة عبر الحدود، التي تمارس النقد المسيّس، زخم أكبر من مثيلاتها في الداخل.
انّ تحريف الأوضاع في العراق، ونشر التدليس سواء حول التظاهرات، أو الجهات الحكومية والأمنية، ينتشر بشكل واسع، عبر أقلام مسيّسة، تُظهر أقساط الحقائق، وترّوج لتمويه الواقع، في رسائل، الغرض الأول منها زعزعة الوضع، وايصاله الى درجة اللا عودة، للإجهاز على الدولة بالكامل، يبقى الخطاب العظيم، والكاتب الحر، هو في النزول الى الميدان، بأدوات مختبرية تهندس الرأي العام، لا العيش في بوهيمية التحليق في الخيالات والتنظيرات.
اضف تعليق