ما تزال عدسات الكاميرا تطارد الفقراء في الشوارع، وداخل بيوتهم في الاحياء العشوائية النائية، لتسجل مقاطع لواقع مرير ومؤلم يعكس جملة الازمات؛ من قيم انسانية واخلاقية، وايضاً؛ من ادارة فاشلة للحكم، ودائماً تسبق هذه الكاميرا يد العون للطفل اليتيم، او المرأة الأرملة، او الأسرة الفقيرة...
ما تزال عدسات الكاميرا تطارد الفقراء في الشوارع، وداخل بيوتهم في الاحياء العشوائية النائية، لتسجل مقاطع لواقع مرير ومؤلم يعكس جملة الازمات؛ من قيم انسانية واخلاقية، وايضاً؛ من ادارة فاشلة للحكم، ودائماً تسبق هذه الكاميرا يد العون للطفل اليتيم، او المرأة الأرملة، او الأسرة الفقيرة، ربما الغاية –لدى معظمهم- إيصال رسالة الاستغاثة، وايضاً التثقيف على التكافل، ثم اجتذاب أهل الخير والايادي البيضاء للمساعدة المادية او العينية ونحو ذلك.
هذا من حيث المبدأ، وجوهر الفكرة، وهي سليمة بالمطلق، بل ومطلوبة من وسائل الاعلام، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي التي نراها تتسابق على نشر مقاطع مثيرة للشفقة لأيتام صغار وأرامل وفقراء، إنما السؤال في الآثار الجانبية لهذه النشاطات الاعلامية، فالقضية ليست تنظير، او خبر، أو مناقشة افكار ورؤى، إنما المادة الاعلامية هنا؛ الانسان نفسه، ولذا نجد ثمة قوانين في عديد دول العالم تصون كرامة الانسان عند تناول اخبار تتعلق بجريمة سرقة او اغتصاب او حتى قتل، في عدم نشر صور المتهمين او الضحايا، او تضليل وجوههم في الصور، اذا ما طلبوا ذلك.
أما في الجانب الايجابي من الاحداث المتعلقة بافراد المجتمع مثل؛ توزيع المساعدات ومواد الاغاثة ونحوها، فان المستفيد لن يكون بوسعه الامتناع عن ان يكون مادة للخبر الصحفي بالصوت والصورة، ويذهب بعض الموفدين من بعض القنوات الفضائية الى أبعد من ذلك، في إثارة مشاعر المشاهد، بإثارة شجون ولواعج اليتيم او الفقير او الارملة، فتتحول الدموع السخيّة الى رسالة يُراد منها استدرار عطف المشاهد، وتحديداً ذوي المقدرة المالية لحثّهم على التبرع والتكفّل.
ربما يكون لهذا المسعى نتائجه المفيدة للشريحة المستحقة في الجانب المادي، بيد أن الآثار الجانبية في الجانب المعنوي تلقي بظلالها الكثيفة، وربما تقلل من شأن العمل الخيري على المدى البعيد، ومن ابرز هذه الآثار ما نلمسه على الصعيد الاجتماعي، وايضاً على الصعيد الفردي.
على الصعيد الاجتماعي؛ من شأن الإشهار بالارامل والايتام، ترك انطباع سلبي عن حالة التكافل في الموجودة في اوساط المجتمع، لاسيما عند دائرة الاقارب والمعارف، من أسرة وعشيرة، توحي للمشاهد عدم وجود أية صلات بين هؤلاء وبين المتضررين، وإن كانت ثمة ايادي بيضاء من هؤلاء على اقربائهم وابناء عشيرتهم، فانها ستفقد بريقها بوجود ظلال من عدم الثقة والتشكيك بصلات القربى والرَحِم.
وعلى الصعيد الفردي، فان الانطباع السلبي لا يقلّ سوءاً عن سابقه، كونه يتعلق بشخص المستفيد، وتحديداً اليتيم او المرأة الأرملة، فالأيدي الممدودة نحو المال او المساعدات العينية، ومن على شاشة التلفزيون، ستكون وصمة على الجبين أينما حلّ وارتحل، لاسيما بالنسبة للطفل اليتيم الذي يفترض ان ينمو وينشأ في ظروف نفسية خاصة اكثر رعاية من غيره، تبعده عن مشاعر اليتم وفقدان الأب، ولا يكون في المدرسة، وفي منطقته السكنية معززاً مكرماً، ولاسيما اذا كان اليتيم ابناً لشهيد ضحى بنفسه من اجل القيم الانسانية والدينية لينعمّ بها المجتمع بأسره.
ان وسائل الاعلام، وتحديداً وسائل التواصل الاجتماعي بوسعها فعل الكثير لنشر ثقافة التكافل والتآزر وسائر القيم الانسانية من خلال تسليط الضوء على الطرف المقابل، وهو الانسان المُنفق، بالحثّ على مزيد من الانفاق وخلق مبادرات وفعاليات تُشرك سائر افراد المجتمع بهذه العملية الانسانية، مثل المهرجانات والمسابقات و رفد ريعها الى هذه الشريحة، والأهم من كل ذلك التثقيف على مبدأ صدقة السر التي طالما أكد عليها المعصومون، عليهم السلام، في تعاملهم مع هذه الشريحة، وفي احاديثهم المروية عنهم، وفي قمتها؛ الحديث المشهور عن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: "صدقة السر تطفئ غضب الرب".
بل بامكان وسائل التواصل الاجتماعي، وقبلها القنوات الفضائية ان ترشد المبادرين الى اماكن سكن الفقراء والايتام والارامل، عبر وسيط ، او طرف ثالث مثل المسجد او مختار المنطقة السكنية لإيصال ما يمكن إيصاله، ليكون الطرف المستفيد كاسباً أمرين في وقت واحد: المساعدة المالية والعينية، وايضاً الكرامة الانسانية، فيكون حاله من حال سائر ابناء المنطقة والمجتمع لا يعتريه أي شعور بالعَوَز والنقص، وهو بدوره يساعد على إحياء الأمل والتفكير بخطوات نحو التغيير والتقدم.
اضف تعليق