لا يعرف الكثير من الصحفيين العراقيين وظيفتهم الأساسية، فهم ينظرون للعمل الصحفي كوظيفة تقليدية لا تختلف عما يقوم به المعلم في المدرسة، او المهندس في مشروع البناء، او أي موظف اداري اخر يقوم بتجميع الأوراق وارسالها للمدير بهدف التوقيع عليها واعادتها للناس الذين يراجعون دائرته الحكومية...
بدون وسائل اعلام حرة لا وجود للديمقراطية، وبدون تفكير نقدي حر لا يمكن للصحافة ان تُولَد، هكذا تقول القاعدة العامة لتطور المجتمعات وتقدمها نحو واقع افضل، لكن يبدو اننا امام مشكلة مزدوجة، الأولى متمثلة بامتناع الصحافة عن أداء دورها، والثانية منع المؤسسة السياسية لوسائل الاعلام التي تحاول خرق تقاليد الفشل.
لا يعرف الكثير من الصحفيين العراقيين وظيفتهم الأساسية، فهم ينظرون للعمل الصحفي كوظيفة تقليدية لا تختلف عن ما يقوم به المعلم في المدرسة، او المهندس في مشروع البناء، او أي موظف اداري اخر يقوم بتجميع الأوراق وارسالها للمدير بهدف التوقيع عليها واعادتها للناس الذين يراجعون دائرته الحكومية.
الوظيفة الأساسية للصحافة هي "كشف الحقائق امام الناس، وعرض الواقع بين يديهم بسلبياته وايجابياته"، الصحافة يجب ان تكون مرآة للمجتمع فالحالة السلبية تنقل كما نظيرتها الإيجابية، ليس من واجب الصحفي تلميع صورة جماعة اجتماعية معينة، او سلوك خاطيء، فهذه ليست مهمته. الصحفي يفترض ان يقوم بدور الكشافات الضوئية التي تنير طريق الناس كما يقوم القاضي بالحكم بين الناس والمحامي بالدفاع عن موكله والشرطي بتوفير الامن، فكل له اختصاصه ولا يجوز ان يزحف الى اختصاص غيره.
وظيفة وسائل الاعلام ليست مسح الزجاج المتسخ، انما ابلاغ الناس عن الاوساخ التي تتجمع فوق النوافذ والتي تحجب رؤية جمالية الحياة، وتوضيح اسباب وصول ذرات التراب وغيرها الى هذا المكان، وكشف مخاطر القضية ومستوى تاثيرها على مستقبل المجتمع، ومن المسؤول عن هذا الفشل الذي اودى بحياة النافذة وحولها الى مكب للاوساخ، لكن ليست من مهمة الصحفي مسح الزجاج اطلاقا.
قد تعترض أيها القارئ لانني اتحدث عن حالة مثالية، وهذا من طبيعي، فالواقع مختلف عن الذي اتحدث فيه، لكن انا لا اهدف للوصول الى الحالة المثالية رغم تمني الوصول، الا ان استعراضها يجعل من السهل قياس المسافة بين الواقع والمجتمع المثالي الذي نتمنى الوصول اليه، نستطيع محاكمة تجاربنا وإصدار تقييمات يمكن ان تعدل من المسار اذا ما عرفنا موقع وقوفنا الحالي والمعوقات التي تعترض طريقنا.
عندما يقوم الصحفي بعرض الحقائق للمجتمع فهو يقوم بفتح الاوضواء في بيئة مظلمة، هذه الأضواء هي المعلومات الصحيحة والتي تستطيع معالجة اخطر الامراض التي يعاني منها المجتمع العراقي منذ سنوات، انه مرض انتشار الشائعات التي تحول المجتمع الى غابة ظلماء يتصور الجميع انهم امام حيوان مفترس ما يدفعهم لاستخدام كل الأدوات المتاحة حتى عملية القتل ما دام الاخر غير معروف والجميع لا منشغل بالدفاع عن نفسه وسط حالة من الرعب.
وفي عصر تداول المعلومات عبر مواقع التواصل الإجتماعي وعشوائية تناقل هذه المعلومات تكون الحاجة الى مؤسسات إعلامية رصينة تأخذ على عاتقها تصوير الواقع وعرضه للجمهور، اذ ان نشر الحقيقة هو الطريق الأقرب لخدمة البلد، فالثابت أنّ الشائعات والمفاهيم المغلوطة تنتشر حينما تشح الحقيقة".
لكن هل نستطيع نقل الحقيقة كما في حالتها المثالية؟ بالطبع لا يمكن نقلها بمثاليتها، الا ان بذل الجهود من اجل تقويم العمل الإعلامي عملية ممكنة، لا سيما اذا ما توافرت الإرادة والعزيمة لدى الصحفي نفسه والذي ينكب جهده من اجل تقويم عمله عبر متابعة وسائل الاعلام المحترفة وسبل الاستفادة منها في تطوير المؤسسات المحلية.
اما في اذا تجاوزنا مهمة الصحفي تواجهنا معوقات من نوع اخر وهي ليست عصية على الحل أيضا، أهمّها غياب البيئة القانونية التي توفّر الحماية للصحفيين وسيطرة المال السياسي على مختلف مفاصل الدولة ومنها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، إضافةً الى ضعف برامج التدريب وغياب التعاون مع المؤسسات الإعلامية الكبرى ما دفع الى سيطرة الإدارات غير المهنية على مؤسساتنا الاعلامية، فمدير المؤسسة أو على الأقل الإدارة العليا يتم إنتقاؤها حسب القرب والبعد من التوجّهات السياسية للحزب الذي يموّلها.
عندما تحجب الحقيقة ويبتعد الناس عن الواقع المعقد، لا يستطيع احد ان يكشفه سوى وسائل اعلام قادرة على العمل ليلا ونهارا من اجل تقصي ما يجري داخل الازقة والشوارع والمناطق المنسية في العاصمة او اقصى مناطق العراق، لان شعور الحكومة بالمراقبة الدائمة يدفعها لتصحيح مسارات عملها، اما اذا وجدت الحكومات ان وسائل الاعلام تذوب في المنظومة الحزبية تماما، فهنا يمكن إرضاء الحزب الذي يملك المؤسسة للتخلص من أي عملية رقابة.
اضف تعليق