أقام مركز المستقبل للدراسات والبحوث في كربلاء حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان التحولات والمتغيرات السياسية في العراق لعام 2014 مع قراءة تحليلية واستشرافية لأحداث عام 2015على قاعة جمعية المودة والازدهار، وقال السيد عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث في بداية الحلقة: جاءت سنة 2003 لتضع بصمة مغايرة على تاريخ العراق السياسي الحديث والمعاصر وبدأت مرحلة تكاد توصف أنها الأكثر إثارة والأوضح في المنعطفات من التحول الدكتاتوري والمركزي والدولة العميقة إلى ملامح السياسة الجديدة في دولة فدرالية ديموقراطية، ولتمر هذه الحياة بعدة تقلبات كان أهمها ما حدث في عام 2014 من تغيرات سياسية وهو الانتخابات التشريعية لعام 2014 لينبري اليوم مركز المستقبل للدراسات والبحوث لإلقاء نظرة عما جرى من تحولات وتقلبات ومتغيرات سياسية لعام 2014.
الحلقة النقاشية شملت ورقتين بحثيتين كانت الأولى (تحليلية) للدكتور علي هادي من جامعة بابل تحدث فيها عن أهم الأحداث السياسية التي مر بها العراق لعام 2014، والتي كان بينها بروز تحدي تنظيم داعش الإرهابي وتهديده لكيان المجتمع العراقي والدولة العراقية وردود فعل الحكومة التحشيدية لمواجهة هذا التحدي، والحدث الثاني كان تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وهي أفضل من سابقتها، التوجه نحو الأقلمة. هذا فضلا عن المؤشرات الاقتصادية ذات الاثار الاقتصادية التي برزت فيها انخفاض أسعار النفط. وأخيرا تصحيح مسار السياسة الخارجية العراقية ايجابيا ومحاولة إعادة العراق الى محيطه الدولي والعربي.
اما الورقة الثانية كانت للدكتور ماجد محي عبد العباس من جامعة بابل وكانت نظرة استشرافية وتحليلية عن الواقع السياسي العراقي في عام 2015. قال فيها: انه لا يمكن تكهن مسار الأحداث المستقبلية في العراق بسهولة كون الحدث السياسي في العراق متشابك ومعقد ومركب، وهذا التعقيد يأتي من المواقف السياسية المتباينة التي تظهر أشياء وتخفي أشياء أخرى وعليه إن عملية تأملها ليس باليسيرة.
وتوقع الدكتور ماجد هبوط آخر لأسعار النفط مستقبليا ومواجهة العراق لتحد مصيري وهذا التحدي قائم على تفاعلات إقليمية أساسها الربح والخسارة، مما يؤدي إلى وقوف جميع الأطراف العراقية في نقطة مشتركة لمواجهة مشتركة مع داعش وهي مجبرة على ذلك سواء رغبت أم لم ترغب. وإمام هذه المنطلقات أمامنا ثلاث مشاهد يمكن استقرائها في العراق أولها ان العراق يمكن إن يبقى على نفس الوتيرة وباستمرار القتال طيلة عام 2015 مع إحراز تقدم بدون حسم المعركة، أما المشهد الثاني يقوم على افتراض شيوع حالة الانقسام والتشظي والمشاريع القائمة على الانفصال والأقلمة. في حين لاتتضح الرؤية في المشهد الثالث فهو مشهد قائم على التفاؤل على أساس إن عام 2015 سيشهد حالة من الاستقرار وتحقيق النجاحات الأمنية ومحاربة الفساد الإداري وإعادة البناء.
ثم استمع المحاضرون الى مداخلات الحضور وتساؤلاتهم التي أغنت مضمون الحلقة النقاشية، وابتدأها، الشاعر العراقي المغترب باسم فرات متفقا مع الدكتور ماجد في ضرورة تشكيل مراكز دراسات وضرورة وجودها في غرف صناعة القرار وليس بين المستضعفين وبيّن ضرورة وجود مفكرين اقتصاديين لهم تأثير في رسم السياسة الاقتصادية والمالية العراقية وهذا غير موجود في العراق مطلقا.
في ذات السياق اشار الاستاذ عباس قنبر مدير مكتب مجلس النواب العراقي في كربلاء المقدسة الى مذكرات كوندليزا رايز التي اشارت فيها ان الرئيس الامريكي لديه معهد راند للدراسات وهو مركز رائد في الدراسات ولدى الرئيس الامريكي مقتبس يومي يتكون من عشرين ورقة يقراه يوميا وعندما اقدم على قرار استراتيجي مهم وهو رفع الغطاء عن حسني مبارك اجتمع بمراكز الدراسات في امريكا للتوصل الى هذا القرار واستدرك قنبر ان مراكز الدراسات في العراق لاتزال في الظل وهذا ليس بسبب أصحاب المراكز بل لان الساسة في العراق يتعاملون مع الأحداث السياسية بمبدأ الفعل ورد الفعل.
ثم عرج على الخطاب الديني في العراق الذي مارس دورا وطنيا للدفاع عن كل المكونات ولكن الاعلام المضلل يحاول ان يسحب البساط عن الحشد الوطني من اجل ان يمارس تطييفا للمسألة وإثارة مشاعر الكراهية.
الباحث احمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات قال: ان فكرة مركز المستقبل للمرور على ما حدث في 2014 والانطلاقة نحو 2015 هي فكرة تبعث على الأمل لرسم السياسات العامة ووضعها بيد أصحاب القرار وكانت أهم مشكلات 2014 هي أخطاء في السياسة الداخلية والخارجية كانت مستغلة لمدة عقد كامل وتعمل لصالح المكون الذي ينتمي إليه الوزير وانسحبت هذه السلبية على تعطيل دور العراق في نيل دوره العربي والإقليمي. ويأمل جويد من الحكومة الجديدة تصحيح المسار السياسي للعراق. أما عن الاقلمة والانفصال فأشار جويد انما هي ردة فعل فإذا وجد الإنسان العراقي الخدمات والأمن والأمان وحفظ حقوقه وحرياته وكرامته يبقى مشدودا إلى وطنه أكثر من انشداده لمكونه.
الدكتور قحطان الحسيني من جامعة بابل قال: إن اغلب أحداث 2014 هي مأساوية باستثناء تشكيل الحكومة وتغيير مسرى الحدث. ولعل ظهور داعش وسيطرته على جزء من العراق قد افرز نتائج سلبية على كل الأصعدة. وتساءل قحطان عن طبيعة العلاقة التي استجدت بين العراق وإيران والعراق والولايات المتحدة وكيف تحولت؟. واتفق مع الدكتور ماجد ان الوضع العراقي وسيناريوهاته عصية على التنبؤ.
من جهته قال الدكتور علي ياسين ان محاضرة الدكتور ماجد جاءت مشفوعة بمجموعة رؤى سياسية واعية ولكن اغلب هذه الرؤى كانت مأساوية وبقيت الحالة التي تفاءل بها للعام القادم مجرد أمنيات. وبخصوص المراكز البحثية استدرك ياسين إن التجربة السياسية بعد التغيير أثبتت ان البناء العقلي الاستبدادي هو الذي يطغي على الحالة السياسية العربية والعراقية والسؤال هو الى متى تستطيع هذه المؤسسات البحثية الاستمرار إن تصدع هذا البناء الاستبدادي؟
ويرى الصحفي والكاتب علي الطالقاني ان تنظيم داعش خلق فرصة لبعض الشركاء في العملية السياسية لإقناع الحكومة بتقديم تنازلات كبيرة على المستوى السياسي والجغرافي، وأضاف ان التحالف الدولي بدوره لم يقدم المستوى المطلوب في التصدي لداعش وفي المقابل قدم الحشد الشعبي تضحيات كبيرة من اجل تحرير مناطق كثيرة مثل جرف الصخر وأمرلي وصلاح الدين وديالى على يد قوات الحشد الشعبي والقوات العراقية وبعض العشائر.
من جهته قال الدكتور خالد مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات والبحوث: ان موضوع مستقبل العراق بعد 2015 هو موضوع متعب ومؤرق. فان هناك موحدات للدول والمجتمعات تجمعها وهي الخوف والاسطورة والمصلحة، فما يكون خطر او مصلحة مشتركة تجمع الاخرين او اسطورة او رؤية يوظفها صاحب القرار. واليوم نجد هذه الموحدات موجودة لدى كل مكون عراقي.
وأضاف العرداوي إن أكثر التفاؤلات في عام 2015 ان داعش لم تنقرض ولكنها ستتحول الى شكل آخر جديد من الخصم المعادي للحكومة العراقية. وماحصل من انتصارات هو في القرى وليس في مراكز المدن لان هناك حاضنات تستوعبها وتعطيها الأمان. اما من جانب الشيعة اليوم لا توجد لديهم رؤية وحتى الأقلمة يخشون منها.
واليوم الحكومة إذا لم تستطع ان تكسب السنة لاتستطيع كسب المعركة ولايرى العرداوي فسحة نور في تغير الواقع العراقي لان نفس النخبة السياسية التي كانت تحكم في 2014 تحكم اليوم وفي مواقع مختلفة.. وهو يتساءل لماذا لايعاقب المسئول المخطئ حين نبدأ بداية جديدة؟
وقال الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام ان عام 2014 كان عام مفاجآت بامتياز ليس على صعيد العراق فقط بل على الصعيد العالمي. فهل يستطيع الخبراء في مراكز الأبحاث توقع المفاجئات التي ستحصل 2015، والتي تعتمد على نقطتين أولهما تطور الحرب على داعش ووجود الممانعة الدولية للقضاء على داعش وخصوصا أوربا، والثاني يعتمد على التوافق الإيراني الأمريكي خصوصا في الملف النووي وتأثيره على العراق.
ويتحدث معاش عن أهم التوقعات لعام 2015 وهي تدعيم مكاسب 2014 والانفلات من التحكم الإقليمي الإيراني والعربي، وربما تلجا الحكومة للاعتماد على خيارات اقتصادية أخرى غير النفط وستزداد ضراوة الحرب ضد الفساد ويمكن استثمار الحرب ضد داعش لتقوية الواقع الأمني.
وفي ختام الحلقة النقاشية اعرب مدير مركز المستقبل عدنان الصالحي عن إيمانه بإن منظمات المجتمع المدني ومراكز الدراسات بالذات هي التي ستقود العراق في المستقبل.
اضف تعليق