فوق سطح قارب متهالك تتقاذفه أمواج البحر المتوسط تدور أحداث رواية (جو العظيم) أحدث أعمال الكاتب المصري أشرف الخمايسي والتي تتجاوز في معانيها وأفكارها أكثر من مجرد رحلة هجرة غير شرعية تعسة نحو شواطئ أوروبا، تبدأ الأحداث من مرفأ صغير بعيد عن عيون الأمن...
(رويترز) - فوق سطح قارب متهالك تتقاذفه أمواج البحر المتوسط تدور أحداث رواية (جو العظيم) أحدث أعمال الكاتب المصري أشرف الخمايسي والتي تتجاوز في معانيها وأفكارها أكثر من مجرد رحلة هجرة غير شرعية تعسة نحو شواطئ أوروبا.
تبدأ الأحداث من مرفأ صغير بعيد عن عيون الأمن ينطلق منه (جو العظيم) وهو اسم القارب الذي يقل 200 مهاجر غير شرعي تتباين انتماءاتهم وتوجهاتهم وعقلياتهم باتساع الحياة واختلافها.
ربان القارب أو ”الكابيتانو“ كما يحلو له أن يطلق على نفسه هو الريس زبيبة لكنه ليس البطل الرئيسي للرواية فالبطولة هنا جماعية تتقاسمها مجموعة من الشخصيات التي تظهر تدريجيا مع سير الرحلة.
ومن بين المهاجرين غير الشرعيين هناك الفنان التشكيلي والشيخ السلفي وفتاة الليل المتنكرة في زي رجل والمسيحي التقي وهي نماذج اختارها المؤلف بعناية ليصنع ويدير الصراعات الأيديولوجية والدينية والثقافية على متن القارب.
ومثله مثل أي مجتمع تدب الخلافات فوق (جو العظيم) رغم أن هدف الجميع واحد وهو الوصول إلى شواطئ إيطاليا، لكن المؤلف يأخذ الأحداث في مجرى آخر تصبح معه رحلة الهجرة مجرد فكرة على الهامش.
مع ضعف شخصية الريس زبيبة يتسع المجال أمام صاحب كل أيديولوجيا لمحاولة استقطاب المهاجرين وخطف الضوء من منافسه رغم أن الرحلة يفترض ألا تطول لأكثر من ساعات، تندلع فتن وتخمد، ويواجه القارب مشكلات مختلفة تشتعل وتنطفئ إلى أن يواجه القارب مصيره المحتوم بالتحطم لكن فئة قليلة من المهاجرين تنجو بعد صراع مع الأمواج وتصنع لنفسها عالما جديدا فوق سطح الماء.
ورغم ما حدث للقارب وموت باقي المهاجرين لا يخلو العالم الجديد الهش فوق سطح الماء من الخلافات والمجادلات التي تأخذ مسارات متشعبة فرضتها الظروف المحيطة، الرواية، وهي الخامسة للخمايسي (51 عاما) إضافة إلى ثلاث مجموعات قصصية، تأتي بعيدة إلى حد كبير عن مشروعه الأدبي الذي ركز فيه منذ البداية على فكرة الفناء والخلود وصراع الإنسان مع القدر، وبينما جابت رواياته السابقة عوالم خيالية يصعب تحققها على الأرض رسم المؤلف أحداث (جو العظيم) أقرب ما تكون إلى الواقع وأضفى عليها صراعات تقليدية تدور داخل أي مجتمع بالعالم.
شخصيات الرواية أيضا جاءت واضحة ومباشرة ومحددة منذ البداية فمع ظهور كل شخصية كان المؤلف يضع لها توصيفا يصعب الحياد عنه مثل السلفي والعلماني مما فوت على القارئ متعة الاندهاش والتفكير في رد فعل كل شخصية.
لكن ربما ما أعطى (جو العظيم) شيئا من الحيوية والتميز هو الحوارات الجريئة بين الشخصيات التي تطرقت لقضايا يتجنب كثير من الكتاب الخوض فيها وكذلك الحوارات الداخلية لكل شخصية التي تعكس نظرة صاحب كل أيديولوجيا إلى نفسه والآخر والمجتمع المحيط.
وبينما سارت الأحداث من البداية إلى النهاية في مسارات شبه محددة جاءت خاتمة الرواية مفاجئة وكأنها ضحكة كبيرة ساخرة يطلقها المؤلف في وجه كل شخصياته التي ظلت تتصارع فكريا طوال الوقت.
اضف تعليق