علي شايع
شواهد ووقائع تاريخية تثبت إن مدينة الموصل خرجت على الظلم وكانت أول مدينة نصرت الإمام الحسين (ع) وثورته بجحافل كثيرة، وإن إنسانية تلك الوقفة تستذكرها أجراس التحرير التي تقرعها كنائس مدينة (برطلة) هذه الأيام، كما قرعت ذات يوم في إعلان الثورة نصرة لمظلومية الحسين.
روت كتب التاريخ المعتبرة؛ أن الموصل الثائرة أبت الجور والظلم، فخرج أهلوها على حكم يزيد بن معاوية، بعد سماعهم خبر ما جرى في كربلاء، منتفضين على سلطة الطغيان، وخارجين عليها بالسلاح، فكمن أربعون ألف فارس من صفوة شجعانهم، بانتظار جيش يزيد وهم يقودون السبايا باتجاه مدينة الموصل. ويروي مؤرخ عن ثقاة الرواة تفاصيل ما حصل بعد واقعة الطف، ومسير موكب السبايا نحو الشام، في رحلة فجائعية مهولة الطريق والآلام، إذ بقي النسوة والأطفال يعاينون الرؤوس على الرماح طيلة المسافة الموحشة صوب قصر الخلافة في دمشق.
مما رواه ثقاة المحدثين والمؤرخين مثل (الاسفراييني) و(أبو مخنف) إن مدينة تكريت ومدينة الموصل كانتا أول المدن التي انتفضت لأجل الإمام الحسين بعد واقعة الطف. وقيل إن الجند في مسيرتهم لم يفصحوا عن هوية الرؤوس، وأشاعوا أن القتلى ممن خرجوا على الدولة، ومخافة الفتك كانوا يرسلون مبعوثاً لحاكم كلّ مدينة سيمرّون بها، فأمر حاكم تكريت بالرايات، والجيش بالاستعداد للخروج والاحتفاء بالقادمين وتضييفهم.
وقيل إن رجلاً مسيحياً قال لأهله ورهبان المدينة: إن الرؤوس ليست لـ»خوارج» بل هي للحسين بن علي ابن بنت نبي الإسلام وآل بيته، فضج الناس ودقت نواقيس الكنائس إعظاماً ورهبة، وكانت مشارف تكريت فيها غالبية مسيحية، لأنها تضم مركزاً للكرسي المشرقي للديانة، ويقيم فيها مراجع وروحانيون كثر، فزاد الاحتجاج والترقب.
ويروي الرواة كيف اجتمع الناس في المعابد، وأعلنوا البراءة من الظالمين، وعاد الخبر لجماعة ركب السبايا فتنحوا بعيداً عن مدينة تكريت ولم يدخلوها.
ويروى بفخر إن أهالي تلك القرى بعثوا لكنائس الموصل من يخبرهم عن مسيرة السبايا وما يعانيه الأطفال والنساء في تلك الرحلة، ويوم اقترب الجناة من مدينة الموصل كاتبوا حاكمها وأعادوا الأكذوبة، فنشرت الرايات وأظهرت معالم الفرح والزينة، حتى وصلهم خبر تكريت فتعاظم حزن أهل الموصل لسماع الخبر، وتناخوا بينهم فجمعوا أربعين ألف مقاتل، تحالفوا لمهاجمة القافلة وتحرير سباياها، وإنزال الرؤوس ودفنها، وكانوا على وشك الانقضاض عليهم، لكن جنود يزيد لم يدخلوا المدينة وغيروا اتجاه مسير القافلة.
مسيرة السبي التي وصلت مشارف الموصل، تصادف ذكراها هذه الأيام، وهنا يختلط بهاء بطولة الموصليين القديمة الخالدة ببطولات أهلها اليوم وحشودنا التي تقف دفاعاً عن الحق؛ لا فرق بين دياناتها أو انتمائها، في انتفاضة كبرى ضد «داعش» الإرهابي ومن سانده وأرعب السبايا الجدد.
اضف تعليق