q

شهد الأسبوع الماضي تحولًا نوعيًّا في الخطاب الإعلامي المصري، تجاه المملكة العربية السعودية، وذلك عقب إبلاغ شركة أرامكو السعودية وزارة البترول المصرية رسميًّا بأن شحنة الشهر الحالي من البترول لن تُرسل إلى مصر، دون توضيح أي أسباب، ليزامن ذلك انطلاق سيلٍ من الحملات الهجومية تجاه السعودية والأسرة الحاكمة، تتهمها بتهم تتراوح بين دعم واحتضان الجماعات «الإرهابية»، والسعي لتحويل المنطقة العربية إلى ساحة حرب دائرة، تحت سطوة نفوذها المالي.

المفارقة في مسألة انطلاق هذه الحملات الهجومية، أنها تأتي من رموز إعلامية، مُقربة من السلطة، سعت خلال الشهور الماضية للدفاع عن أحقية السعودية في جزيرتي تيران وصنافير، ومداهنة النظام السعودي، وإطلاق حملات تتبنى تأسيس تحالف إستراتيجي بين البلدين، وتلقيها هدايا من السفارة السعودية بالقاهرة خلال الاحتفالات التي تنظمها السفارة بمقرها الرئيسي الذي يُطل على نهر النيل.

السعودية في مرمى هجوم الإعلام المصري: «لو مصر مش موجودة هتروحوا في ستين داهية».. والمملكة صارت مرتعًا للجماعات الإرهابية

انتقلت حملات المديح، والمُداهنة للسعودية، والأسرة الحاكمة من عدد من الأصوات الإعلامية الموالية للسلطة المصرية، والدفاع المستميت لشرعنة سعودية «تيران وصنافير» إلى هجوم مضاد حيالها، وإطلاق اتهامات تشمل الأسرة الحاكمة في ظاهرة استثنائية على الإعلام المصري، الذي كان يتجنب الحديث عن المملكة العربية السعودية بأي سوء، ويتغاضى عن نشر تقارير تهاجم السعودية .

يظهر ذلك في تقرير منشور بجريدة الوطن المصرية، المملوكة لرجل الأعمال المصري «محمد الأمين»، المُقرب من السلطة، وعضو مجلس أمناء صندوق «تحيا مصر»، حيث شمل التقرير اتهامات مُرسلة من كاتب التقرير، تتضمن دعم المملكة للجماعات الإرهابية في سوريا واليمن، وتقديم الدعم المالي والعسكري لهذه التنظيمات الإرهابية، التي تسعى لتقويض استقرار المنطقة العربية .

ووصف كاتب التقرير المملكة العربية السعودية بأنها صارت خلال عهد الملك سلمان «مرتعًا خصبًا لكل قيادات الجماعات الإرهابية باستقبالهم في القصور الملكية، بداية من الداعية الإخواني يوسف القرضاوي إلى خالد مشعل، وآخرين» معتبرًا أن المملكة تدفع ثمن احتضانها للتنظيمات الإرهابية، وخصوصًا تنظيم القاعدة، منفذ أحداث 11 سبتمبر، بصدور إقرار الكونجرس الأمريكي، سبتمبر الماضي، تشريعًا يسمح لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية على الأضرار التي لحقت بها.

تضمنت الحملة الهجومية حديثًا للمذيع المصري «أحمد موسى»، المعروف بصلاته بالأجهزة الأمنية، عبر برنامجه اليومي «على مسئوليتي» يتهم من خلاله المملكة بسعيها لتركيع المصريين: «لو مصر مش موجودة هتروحوا في ستين داهية»، بينما توجه برسالة تحذيرية للملك سلمان: «ابعد عن الإخوان عشان في كلام إنك بتدعمهم».

ونشرت «اليوم السابع»، الصحيفة المصرية اليومية، والمملوكة لرجل الأعمال المصري «أحمد أبوهشيمة»، المُقرب من السلطة، تقريرًا مُترجمًا عن ولي ولي العهد محمد بن سلمان، أبرزته في الصفحة الأولى للعدد الصادر عنها، يتهم فيها الأمير الشاب بشراء يخت بـ500 مليون يورو، وتزعم: طموحه لا حدود له، وتؤكد أن صعوده انتهاك لـ«الأقدمية» داخل المملكة.

وأطلقت «اليوم السابع» حملة تدعو فيها المصريين لإلغاء العمرة عامًا، وترشيد الحج السياحي لمن أدى الفريضة، وذلك لتوفير أكثر من 6 مليارات دولار للبلاد، في وقت تحتاج فيه مصر إلى هذه الأموال، بينما أطلق «خالد صلاح» رئيس تحرير الجريدة حملة موازية يقترح خلالها استغناء مصر عن المساعدات السعودية.

يقول عبد الله السناوي، الكاتب الصحافي المصري، في تصريحات خاصة لـ«ساسة بوست» إن لدينا مجموعة من الحقائق لا يستطيع أحد تجاهلها، تؤكد أنه لا يوجد تحالفًا إستراتيجيًّا بين مصر والمملكة، لاتساع هوة الخلافات بين البلدين، وتراكم الأزمات المكتومة موضحًا أن غياب الحوار والتنسيق بين الجانبين ساهم في تأجيج الصراع المكتوم بين الدولتين.

ووصف «السناوي» خطاب بعض رموز الإعلام المصري تجاه السعودبة بـ«ظاهرة عباد الشمس»: «هم أشبه بظاهرة عباد الشمس التي تميل حسب حركة الضوء» موضحًا أن بعضهم يتطوع للسب والشتيمة من واقع أنفسهم، كشكل من أشكال منافقة السلطة الحالية.

وتابع «السناوي» أن هذا النوع من الإعلام الذي كان يستميت في الدفاع عن سعودية تيران وصنافير، لينقلب عليهم بعد ذلك بسلسلة اتهامات للمملكة مؤخرًا، هو نمط متدني وحقير، ويتهم بالجهل والصفاقة، موضحًا أن هناك كذلك أصوات متشددة من داخل المملكة تتبنى منهجًا مشابهًا.

وأضاف «السناوي» أن معلوماته تؤكد أن الأصوات السعودية الإعلامية العاقلة هي من تعبر عن وجهة نظر المملكة الرسمية، موضحًا أن التنابز بالألقاب هو تعبير عن عجز الحجة، والجهل النشيط.

نفوذ السفارة السعودية في القاهرة على وجوه الإعلام المصري: الساعة الرولكس والحج السياحي الفاخر وراتب شهري

على مدار الأعوام الماضية، نجحت السفارة السعودية في القاهرة، عن طريق مُمثلها أحمد قطان، سفير المملكة في مصر، والذي نجح في تأسيس شبكة نفوذ متسعة على رموز الإعلام المصري، ورجال الأعمال، والحكومة كذلك.

شبكة النفوذ التي بسطها «قطان» على رموز الإعلام المصري، والتي ضمن من خلالها ولاءهم الكامل، تجسدت انعكاساتها في عدم خروج أي جريدة مصرية طيلة الأعوام الماضية على النص الرسمي الذي تصدره المملكة في بياناتها الرسمية فيما يخص شأنها الداخلي، وتجنب نشر مقالات رأي تهاجم السعودية، حتى في قضاياها الخلافية مع مصر بعد ثورة 25 يناير.

يظهر هذا الأمر كذلك في دفعة الوثائق التي نشرها موقع «مدى مصر» بالاتفاق مع موقع ويكيليكس، أظهرت نشر صحافيين مصريين موضوعات مدفوعة الأجر، وتحصيل مقابلها من السفارة، بجانب التعاقد مع الصحافي محمد مصطفى شردي ليعمل مستشارًا إعلاميًّا للسفارة، ويؤسس مكتبها الإعلامي عبر «استقطاب مجموعة من الإعلاميين المصريين المميزين» براتب سنوي 200 ألف دولار.

يقول صحافي مصري بإحدى الصحف اليومية في تصريحاتٍ خاصة لـ«ساسة بوست» السفارة السعودية في القاهرة نجحت في شراء كبار الكتّاب الصحافيين المصريين، عبر تقديم رواتب شهرية لهم، وتعيين أغلبهم كمستشارين إعلاميين، موضحًا أن المملكة اعتادت تقديم هدايا تتمثل في ساعات رولكس خلال العيد الوطني للمملكة، الذي تقيمه في سفارتها بحضور أغلب رموز المجتمع والإعلام والسياسة بمصر.

يضيف الصحافي، الذي يرفض الإفصاح عن هويته، أن المملكة تقدم تأشيرات حج للصحف الخاصة والحكومية سنويًّا تجري قرعة عليها بين صغار الصحافيين، موضحًا أن الأمر ليس قاصرًا على صغار الصحافيين، بل إنها قدمت دعوات حج فاخرة لرؤساء تحرير الصحف الخاصة وعائلاتهم كمجدي الجلاد، ومحمود مسلم، وأحمد المسلماني، وجابر القرموطي، العام الماضي.

تقول «رشا عبد الله»، أستاذة الإعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، في تصريحات خاصة لـ «ساسة بوست»، إن الأزمة الحالية هي انعكاس لطريقة تعامل النظام الحاكم في مصر مع الإعلام كبوق له، من خلال استخدامه لدعم سياسته، وإلزامه بطرح أسئلة لا تختلف عن الخط الرسمي لبياناته الرسمية، واستبعاد كُل مُخالف لهذا الخط، موضحة أن مهمة الإعلام المهني هو التحقق من كافة المعلومات التي ينقلها عن أي جهاز من أجهزة الدولة، وأن يكون اهتمامه الأول وراء تقديم معلومة حقيقة.

تضيف «عبد الله» أن هذه الرموز الإعلامية نجحت في نسج شبكة علاقات لهم مع أجنحة داخل النظام، وشبكات رأس المال تضمن لهم البقاء بطرق ملتوية، وكذلك نجاحهم في جذب جمهور لبرامجهم، وتحقيق شعبية واسعة لهم.

اضف تعليق