علي المعموري
نجف، العراق - يواجه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي معارضة قوية من داخل كتلته البرلمانية، ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وقد نجحت المعارضة لحد الآن بالإطاحة بوزيرين للحكومة، كان لكل منهما دور أساسي في الفترة العصيبة التي يشهدها العراق. الأول وزير الدفاع، خالد العبيدي الذي أطيح به في 25 من آب/اوغسطس الماضي، والثاني وزير المالية، هوشيار زيباري الذي سحب الثقة منه ايضا في 21 من ايلول/سبتمبر الحالي. ويجري الحديث الآن في أروقة البرلمان عن استجواب ومن ثم إقالة وزير الخارجية ابراهيم الجعفري، وكذلك الحبل على الجرار.
وفي المقابل يحاول العبادي ان يقوي تحالفاته السياسية ليعزز موقفه مقابل منافسه المالكي، وتجنباً من احتمال وقوع سحب الثقة ضده. فقد أعلن المتحدث الرسمي باسم حكومة إقليم كردستان، سفين دزيي في 27 من ايلول/سبتمبر الحالي بأن رئيس الاقليم مسعود البارزاني سيزور بغداد قريبا تلبية لدعوة قدمها العبادي له لحلحلة الخلافات الموجودة بين بغداد واربيل والاتفاق حول عمليات الموصل ووضع العراق في ما بعد داعش. وقد وصل بارزاني الى بغداد اليوم ٢٩ ايلول/سبتمبر، في اول زيارة له بعد خمس سنوات التي اتسمت بمشادات وصراعات حادة بين البارزاني والمالكي. وقد التقى بالعبادي مباشرة واعلن بعد اللقاء ان كل الخلافات تم تسويتها مع بغداد.
وقد تمت محاولات الاستجواب وسحب الثقة كلها من قبل جبهة الاصلاح التي تشكلت مؤخراً، وتضم 100 نائب معظمهم من ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي. وعقب سحب الثقة من وزير المالية، اتهم الوزير المالكي وكتلته ائتلاف القانون بأنها كانت وراء محاولة الاطاحة به. فقال في تصريح لشبكة رووداو الإعلامية في 22 من ايلول/سبتمبر أن "عملية اقالتي قام به رئيس البرلمان سليم الجبوري بالتواطؤ مع ائتلاف دولة القانون"، وذلك وفق مخطط "يطبق من قبل المالكي بدوافع الحقد والانتقام لإفشال الحكومة الحالية والجبوري متورط في هذه اللعبة"، مشددا على أن "مشروع المالكي يستخدم البرلمان ورئيسه لتحقيق أهداف غير مشروعة ولكن هذا المخطط سيقضي على الجبوري ايضاً في النهاية".
ولم تخف كتلة المالكي في البرلمان غضبه عن العبادي ورغبته في استبداله بالمالكي. فقد قال النائب عن ائتلاف القانون، هيثم الجبوري في مقابلة له مع موقع الغد برس في 10 من ايلول/سبتمبر، وهو المتحدث باسم كتلة الاصلاح ايضا ونفسه الذي قدم طلب الاستجواب ومهّد للإطاحة بهوشيار زيباري: "إن رئيس الوزراء حيدر العبادي فشل في إدارة البلاد ولم يتمكن من الإيفاء بوعوده"، وأنه قد "وصل الى مرحلة لا يستطع قيادة البلد" مشيراً الى نية كتلته في توسيع دائرة الاستجوابات وسحب الثقة لتشمل رئيس الوزراء نفسه. وقد وصف الجبوري رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بأنه "الزعيم السياسي رقم واحد في البلد".
وقد اطلع المونيتور عن مصدر رفيع في ائتلاف دولة القانون لم يرغب بذكر اسمه أن الائتلاف ليس مستعجلاً في شأن سحب الثقة عن العبادي، بل سيتم الاطاحة بالوزارات الرئيسية للعبادي تدريجياً، ما سيؤدي الى إفشال حكومة العبادي وتقليل حظوظه من ان يحظى بدورة ثانية من رئاسة الوزراء، ما سيفتح المجال لترشيح منافسه نوري المالكي.
وفي مثال آخر، وصف عضو اللجنة القانونية البرلمانية والقيادي في حزب الدعوة كامل الزيدي في مقابلة صحفية له في 27 آب/اوغسطس الماضي المالكي بأنه رجل دولة بينما العبادي يدير الدولة بعقلية غير مهنية. كما أن انتقادات كتلة المالكي قد شملت حلفاء العبادي من الصدريين والمجلس الاعلى، وكان للكتلتين دور بارز في صعود العبادي لرئاسة الوزراء وابعاد المالكي عن المنصب في 2014.
لم يكن المالكي سعيداً باختيار حيدر العبادي منذ اختياره رئيساً للوزراء في آب/اوغسطس 2014. فقد عارض الأمر بشدة وقدم احتجاجا الى المحكمة الاتحادية معتبراً نفسه الأحق بالمنصب، ولكن تنازل أخيراً بعد أيام من الحدث. ويرجع التنافس بين الرجلين الى فترة سابقة، حيث طرح اسم العبادي كمنافس للمالكي، في كل من 2006 و2014، والتي رجحت في كليهما كفة المالكي عليه.
واستمر الصراع بين الاثنين، حيث أطاح العبادي بالمالكي في اوغسطس 2015 من منصب نائب رئيس الجمهورية، ضمن اول حزمة للإصلاحات. وفي المقابل انتقد المالكي إداء حكومة العبادي وأعلن عن استعداده للعودة الى السلطة في مناسبات عدة، منها خلال حوار له مع قناة بي بي سي العربية في جولاي 2016.
ويحظى المالكي بدعم غير محدود من قبل ايران، ذات التأثير الإقليمي الأقوى في العراق. فقد أشاد مرشد الثورة الايرانية، علي خامنئي بدور المالكي في العراق خلال لقاءات عدة تمت بين الطرفين في مناسبات مختلفة، ما لم يحدث مثل ذلك بخصوص العبادي اطلاقا. كما أن مصادر من التحالف الوطني، وهي الكتلة الجامعة للقوى الشيعية بما فيهم المالكي والعبادي، قد أسفرت عن أنباء بخصوص دفع ايران المالكي للترشح لرئاسة الوزراء في الانتخابات المزمع اجراءها ابتدء عام 2018.
ويمتلك المالكي ايضا علاقة قوية ومميزة مع قوات الحشد الشعبي، ما تعطي بيده قوة ضغط مؤثرة على المشهد السياسي والأمني للبلد. ومن جهة أخرى، يحاول العبادي تحجيم هذا النفوذ بمأسسة الحشد الشعبي وجعل قواتها خاضعة لحكومته مباشرة. فقد أصدر العبادي أوامر في 26 تموز/يوليو بجعل قوات الحشد تشكيلاً عسكريّاً مستقلّاً ومرتبطاً "بالقائد العام للقوّات المسلّحة" مباشرة. كما أن قرار المفوضيّة العليا المستقلّة للإنتخابات في 28 آب/أغسطس الماضي، بمنع الكيانات السياسيّة المسجّل باسم "الحشد الشعبيّ" من المشاركة في الانتخابات المقبلة، جاء لصالح العبادي، حيث أكدت المفوضية على أن قوات الحشد تابعة لجهاز الدولة تحت إمرة القائد العام للقوّات المسلّحة، وهو رئيس الوزراء حيدر العبادي.
ومن جهة أخرى، يحظى العبادي بعلاقات قوية ودعم مميز من قبل الولايات المتحدة، التي ساهمت بقوة في إعادة سيطرة حكومة العبادي على اراضيها الساقطة بيد داعش. وهي نفسها التي تجاهلت الطلبات المكررة لنوري المالكي لمساعدته في ردع تنظيم داعش وايقافه من بسط سيطرته على الاراضي العراقية خلال عامي 2013 و2014. كما أنها لم تستعجل بتقديم الدعم للعراق بعد سقوط ثلث اراضيه بيد تنظيم داعش الى حين انسحاب المالكي عن السلطة، ما فسر بعدم رغبة الرئيس اوباما بدعم العراق تحت زعامة المالكي.
واخيراً تعتمد الاجابة عن السؤال حول مدى نجاح المالكي في الاطاحة بالعبادي والحصول على منصبه بكيفية إدارة ترتيب الاوضاع السياسية لما بعد داعش والذي سيؤثر فيه العوامل الاقليمية والدولية ومنها سياسة الرئيس الامريكي القادم تجاه العراق.
اضف تعليق