q

سمير السعداوي

 

لم يأخذ كثيرون على محمل الجد تهديد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند العام الماضي، بتدمير قوارب المهاجرين غير الشرعيين. لعل ذلك عائد إلى أن هؤلاء لا تنقصهم المآسي المتكررة لمحاولات الهجرة بالقوارب، وكان آخرها مقتل 168 من لاجئي القوارب قبالة السواحل المصرية الأسبوع الماضي.

كذلك لم يتوقع كثيرون اقتران الأقوال بالأفعال بعد قمة مكافحة الهجرة التي انعقدت في مالطا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، واتفق القادة الأوروبيون المشاركون فيها على تخصيص 1.8 بليون يورو للمساعدة في مكافحة ما سموه بـ «الأسباب الجذرية للهجرة».

ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، قضى أكثر من 3200 مهاجر بغرق مراكبهم في البحر الأبيض المتوسط، ليضافوا إلى أكثر من عشرة آلاف قتلوا هناك منذ 2014، وفق حصيلة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

ومعظم المهاجرين انطلاقاً من الحوض الجنوبي للمتوسط هم من السودانيين والصوماليين والإريتريين والإثيوبيين، وأوقفت السلطات المصرية حوالى 4600 منهم هذا العام وحده، ومنعتهم من مواصلة رحلاتهم المحفوفة بالأخطار الى شواطئ أوروبا. أما المهاجرون على متن قوارب عبر بحر إيجة، فهم بلا شك من السوريين والعراقيين الذين يخالطهم أحياناً بعض الباكستانيين والأفغان وغيرهم.

«إجراءات ملموسة لا وعود فارغة»، عنوان مقال كتبته أوريلي بونتيو، المستشارة الإنسانية لشؤون النزوح في منظمة «أطباء بلا حدود»، لمناسبة قمة اللاجئين والمهاجرين التي عقدت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، مشيرة الى أن «الأهداف النبيلة» لمحاولات كهذه، «تتناقض مع الممارسات الفعلية لدول عدة شاركت في قمة نيويورك». وأوضحت المسؤولة الانسانية أنه «بدل احترام حقوق الإنسان والتمسك بالالتزامات القائمة، اعتمد عدد كبير جداً من الحكومات نهجاً أكثر تقييداً وإضراراً باللاجئين من أي وقت مضى». وزادت أن «هذا النهج يبدو مصمماً على مواصلة التسبب بإيذاء المستضعفين من الرجال والنساء، والأطفال، وإبعادهم عن الأنظار بقدر الإمكان».

ولعل في هذا الكلام بيت القصيد ومكمن الداء، ذلك انه بدل معالجة الأسباب من جذورها أو ملاحقة مهربي البشر، كما أمرت السلطات المصرية بعد كارثة المركب الأسبوع الماضي، فإن كثيراً من الحكومات يعمد إلى تجاهل المشكلة وكأنها غير موجودة، إلى أن تقع كارثة ينضم ضحاياها إلى إحصاء جديد للقتلى، وترفق ببضعة وعود واستنكارات، ثم تطوى مع مرور الساعات.

وللإنصاف فإن مشكلة المهاجرين ومهربي البشر تحتاج إلى تعاون دولي وإقليمي واسع، ليس لمعالجة أسبابها فحسب، بل لرصد طرق المهربين ووسائلهم، وذلك يتطلب وسائل مراقبة على الأرض وأيضاً عبر الأقمار الاصطناعية، ذلك أن دول المنطقة مثل مصر وجارتها ليبيا الغارقة في الفوضى وسائر دول شمال أفريقيا، هي في معظم الأحيان ممر وليست مصدراً للمهاجرين.

كما إنها ليست مستقراً يحلم به الساعون إلى حياة جديدة في الغرب، إلا إذا تحققت مطالبة رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور اوربان خلال قمة في فيينا قبل أيام، بإقامة مخيم عملاق للاجئين بحجم مدينة، في مكان ما على السواحل الليبية المترامية الأطراف، لاستقبال طلبات لجوء الآتين من أفريقيا، وهو طلب قد يكون محقاً من وجهة نظر أوروبية نظراً إلى المساحات الشاسعة في ذلك البلد، لكن المشكلة تكمن في أن الإيقاع الذي يجري اتباعه لحل مشكلة اللجوء، يوحي بالحاجة إلى أكثر من مدينة بل الخوف أن تنمو الأعداد المتزايدة للوافدين، بما يتطلب منطقة أو حتى دولة... تصبح «جمهورية المهاجرين».

اضف تعليق