هل يكفي القول بان الدولة العراقية وهيئة اركانها العسكرية والسياسية لا يملكان استراتيجية تحرير البلدات والمناطق المغتصبة والمسبية من قبل داعش لكي نؤشر الخلل في عملية التعبئة لخوض حرب التحرير الفاصلة بعد سبعة اشهر من الكر والفر؟.
هذه حقيقة وتكرارها لا ينفع كثيرا في المعركة طالما لا يعترف بها اصحاب الشأن، إذ تحولت المواجهة من دولة ضد عصابة، الى دولة ضد دولة، على الاقل في التأويل الاعلامي، وليس ثمة مبالغة بالقول ان المعركة تجري الآن بين دول متحالفة ضد دولة غاشمة ومنبوذة على جميع المستويات.
واذ نشدد على ضرورة التخلي عن الاوهام والشروع في بناء عقيدة الحرب على الارهاب الذي يتخذ من الاسلام، ونُصرة الدين، شعارا له، فانه لا ينبغي التخندق في المقولات الاعلامية الزاهية التي تذهب الى انه لا مستقبل لمشروع داعش في العراق وفي المنطقة، فان الشبر الواحد الذي يستعاد يصبح عبئا خطيرا على الدولة، حيث يتركه الغزاة ارضا خرابا، مسكونا بالاشباح والالغام، ولا يصلح للسكن واستقبال النازحين، وقد انتهت شبكات الكهرباء والماء والحياة والزراعة الى نفايات، وكان رئيس الحكومة على حق حين ناشد المجتمع الدولي وقوى التحالف التي تحارب الارهاب الى مساعدة العراق في اعادة تأهيل المدن التي يجري تحريرها، فمن هو الذي لم يسمع بأنباء نسف العمارات والمنازل والاحياء والشواهد العمرانية في الموصل وفي غيرها من البلدات التي اجتاحها التتر الجدد.
اقول، لا يزال الجانب العراقي، العسكري وشبه العسكري والشعبي، يقاتل في الصيغة التقليدية، كما تعرضها علينا التقارير المكتوبة والمصورة والتصريحات المختلفة، وكما اوجزها خبير عسكري بالقول اننا نقاتل في جنس واحد من الاسلحة تلك التي تطلق النار، فيما هم يحاربون بسلاحين، واحد يطلق النار القاتلة، وآخر يطلق الكلام القاتل، واضاف: نحن متحجرون مع اننا اصحاب الحق، وهم مرنون برغم انهم اصحاب لباطل، والحال فان الاستراتيجية المطلوبة ينبغي ان تتجه نحو المراجعة النقدية والتخلي عن الاساليب التي فقدت صلاحيتها وتفعيل العمل في ساحة النظام العقائدي لداعش.
في كتاب "الملل والنِحَل" جاء الحكم ببطلان التحجّر والعناد، وذلك بالقول: "إذا اجتهد مجتهد واحد في حادثة وأدى اجتهاده الى جواز، أو حظر، ثم حدثت تلك الحادثة بعينها في وقت آخر فلا يجوز له أن يأخذ باجتهاده الأول، إذْ يجوز ان يبدو له في الاجتهاد الثاني ما أغفله في الاول".
وحض الغزالي، ابو حامد، على تقليب الامور من باب المعارضة والشكوك.. "فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال" اما إمام الازهر علي الطنطاوي فقد ذمّ التخندق، بدعوته الى الانفتاح، حيث "لا يصح ان ينكر المسلم قولا لمجرد ان القائلين به مخالفون له في المذهب أو المشرب، بل لا يجب عليه أن يتقيد بآراء جماعة معينة، لا يعدل عنها ولو ظهر له خطؤها".
فيما وضع الفراهيدي معادلة تقليب الامور واصلاحها في شرط معرفة الخلل "مَن عَلِم بفساد نفسه، عَلِم بصلاحها".
واحدة من مكونات العقيدة الداعشية هي التطرف الديني والمذهبي، والخطة الاستراتيجية للدولة ينبغي ان تقوم على إبطال نزعة التطرف، بالدعاية والممارسة معا، وإطفاء بؤر الغلو والطائفية في جبهة الحرب على الارهاب، فضلا عن إشاعة الاعتدال، والحذر من دس بضاعة داعش المغشوشة، مثل التكفير والرق والتحريم، في الخطاب المقاوم، وعن ابن العباس يحذر النبي محمد المسلمين الاوائل من الغلو بقوله: "انما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".
التطرف في اللغة معناه الوقوف في الطرف، بعيدا عن الوسط والوسطية، واصله في الحسيات، المشي والتوقف، وفي المعنويات، الدين والسياسة، لكن الاخطر ما في ممارسات وتجليات التطرف هو التعصب، للدين والقومية.. ودماء ضحايا التعصب انهارا، ونتائجه استقالة دول كثيرة من الخارطة.
اضف تعليق