q

لا نحتاج الى منجمين يعكفون على اقناعنا بالاستسلام الى مشيئة الصدف والحظ، وقبلنا بدهور، منعَ حراس الحلقات الفكرية الرومانية السحرة من المشاركة في الجدال، وكان اخوان الصفا والمعتزلة، قد سبقونا الى التفكير في ما كان يستعصي حله بالسحر والخرافة، وما حصل ويحصل ليس قدرا، وقبل عام كان الكثيرون لا يثقون بجدوى مواجهة رؤوس الفساد ونظام المحاصصة والفرد، ويرون بان العراق ماضٍ الى الاستقالة عن الخارطة، ولا مكان للاسئلة على ارصفة مزدحمة بالجثث والنواحين والمهمشين. لم يتغيّر الحال كثيرا، لكن شيئا من ذلك يحدث في مخاض عسير، وفي سباق محموم بين الخيارات والنيات والتطلعات، وها هو المسرح ينفتح على الاسئلة المشروعة، التفصيلية، والاستباقية، وتشاء حكومة حيدر العبادي، التي جاءت في معادلة "المقبولية" ان تكون في مرمى هذه الاسئلة إذ تتمحور في سؤال واحد: هل ستنجح في نزع فتيل ازمة الحكم؟.

التفاؤل والتشاؤم يدخلان في باب الهواجس، احيانا لا يعرف المرء مبررا لتفاؤله، او سببا لتشاؤمه، لكن علم المستقبليات، الذي هو علم حديث، جاء ليضع التفاؤل والتشاؤم في قوام منظوراته، وعلى اساس حسابات الواقع واتجاهاته وتضاعيفه.

 فلماذا لا نفرط في التفاؤل حيال الوضع الحكومي ومستقبله بعد مائة يوم من رئاسة حيدر العبادي للوزارة الرابعة، إذْ وضع يده على بعض مفاتيح الاصلاح والتغيير؟ أخذا بالاعتبار ان وضْع اليد على المفاتيح لا يعني بالضرورة ان الابواب ستنفتح، وان حرّاس المنهوبات والرذائل والفشل والعنف والجريمة سيرفعون الاعلام البيضاء، وهم في الحقيقة لم يرفعوها، ويبدو انهم لن يرفعوها قريبا.

من زاوية موضوعية، لا بد ان نرصد، بعين الترحيب والتأييد والاهتمام، تلك الخطوات السياسية والادارية والدبلوماسية البناءة التي دشن فيها العبادي ولايته، مثل تفكيك "مكتب القائد العام" الذي كان (في الواقع) يقوم مقام الحكومة في الادارة والتنفيذ واصدار القرارات بأمرة رئيسها، وتجسير علاقات الشراكة المتوترة مع حكومة اقليم كردستان، وازاحة كتلة الجنرالات المهزومين والفاسدين من المؤسسة العسكرية، وتهدئة التوترات مع الدول المجاورة، وترشيد التعامل مع مأزومات البيئة السياسية ومضاعفاتها الطائفية، وإجراء تحسينات على الخطاب السياسي، والانفتاح على الإعلام وفروض الحريات، ومحاولات ضبط مستلزمات الحرب على الارهاب والعصيان المسلح، وإذا ما اعدنا الى الذاكرة ان كل ذلك تحقق في مائة يوم، وفي ظروف مضطربة وشائكة سبقت ترشيح وتكليف العبادي بالولاية الجديدة، فاننا سنتأكد بان للترحيب بهذه الخطوات ما يبرره.

في المقابل، ثمة ما يلفت النظر، ويثير القلق، في اضطراب وبطء ايقاع الخطوات الاصلاحية والنأي عن ملامسة ملفات (أورام) مؤجلة تتصل بامتيازات المسؤولين الكبار وامبراطوريات المحميين، وعما له علاقة بقوت الشعب (البطاقة التموينية) وأمنه ومصادر شكواه اليومية، وثمة ما هو اخطر، إذ نقلت العديد من رؤوس الفساد والتأزيم والفشل والمحاصصة ولاءها من عهد الى عهد لتعرض نفسها كداعية للتغيير وحريصة على الاصلاح، وباعتبارها بريئة مما حدث من كوارث وهزائم واخفاقات، ويقول قائلها: هذه ايادينا ناعمة بريئة.

/في كتاب الامامة والسياسة، رواية عن "قائد" جائر لقيَ فقيها أعمى في الطواف، والفقيه لا يعرفه، فامسكه القائد من يديه، وسأله: هل تعرفني؟ فرد الفقيه: لا أعرفك، لكن قبضتك قبضة جبار.

* جريدة طريق الشعب

..........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق