الازمات المتلاحقة التي تعاني منها البلدان العربية ادت الى تزايد معدلات العنف والارهاب في مختلف تلك البدان لتنعكس على البيئة الاعلامية العربية إذ تُتَهمُ بعض المؤسسات بالتقصير في التعامل مع المد التكفيري في المنطقة، حتى وصلت الى اتهام بعضها بالترويج للإرهابيين. وفي المقابل ادت الازمة المالية الناتجة عن هبوط اسعار النفط الى تقليص الملاكات العاملة في بعض المؤسسات الاعلامية في حين يتم تهديد البعض الاخر بالإغلاق لأسباب سياسية.
في منتصف عام 2015 هددت الحكومة الجزائرية باتخاذ "إجرءات قانونية" يمكن أن تصل حد "سحب الترخيص" من قنوات التلفزيون التي تستهين بالعنف، خصوصا بعد بث حلقات "كاميرا خفية" تجسد خطف رهائن من قبل متطرفين إسلاميين مفترضين.
وطالبت القنوات في حينها بأن "تطهر" برامجها من "المشاهد المنافية لتقاليدنا العريقة وقيمنا الدينية التي تحرم العنف بكل أشكاله"، وكانت قناة "الشروق" الخاصة قد بثت في شهر رمضان الفائت برنامج "الرهائن" في شكل كاميرا خفية يجسد عمليات خطف رهائن توحي بما تقوم به تنظيمات ارهابية وأثار بث هذا البرنامج ردود فعل منددة من بعض المعلقين وعلى شبكات التواصل الاجتماعي بعد "خطف" قائد منتخب كرة القدم الجزائري مجيد بوقرة في دبي.
وتحت عنوان "أوقفوا تلفزيون الإرهاب"، اتهمت صحيفة "لاتربون" قناة الشروق "بالمشاركة في الاستهانة بالارهاب" و"تلميع صورة منظمة إجرامية". كما أشارت إلى "تراخي" السلطات و"تساهلها إزاء هذه القنوات المحافظة التي تمنح يوميا منبرا لوجوه سلفية مثل عبد الفتاح حمداش الذي طالب الحكومة بالحكم بالإعدام على الكاتب الصحافي كمال داود".
استمرار القنوات العربية في بث مشاهد العمليات الارهابية ادت الى الاطاحة بعدد من كبار الاعلاميين فبعد ان ذبح "ارهابيون" راعيا تونسيا (16 عاما) في جبل بولاية سيدي بوزيد (وسط غرب) ووضعوا رأسه في كيس سلموه لابن عمه (14 عاما) الذي يرافقه وكلفوه بإيصاله الى عائلته، حسبما اعلنت وزارة الداخلية.
وسارع التلفزيون الرسمي التونسي الى بث مشاهد مروعة لرأس الضحية ما دفع الحكومة التونسية منتصف تشرين الثاني الماضي الى عزل المدير العام للتلفزيون الرسمي مصطفى باللطيف وذلك غداة بث المحطة الاولى للتلفزيون صورة رأس مقطوعة لطفل ذبحه ارهابيون في جبل غرب البلاد.
كما نددت "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين" في بيان بـ"إقدام القناة الوطنية الاولى للتلفزة التونسية على بث صورة رأس الطفل المقطوعة (التي احفتظت بها عائلته) في ثلاجة (المنزل حتى لا تتعفن في انتظار قدوم الأمن)" .
وقالت النقابة في بيان نشرته وكالة فرانس برس "من الواضح ان برمجتها (مؤسسة التلفزة الوطنية) وخطها التحريري في مجال الاخبار لم يرتق الى التطور الذي شهده القطاع في مجال التعاطي الاعلامي مع الارهاب" داعية إياها "الى تحمل مسؤوليتها في هذا الخطأ المهني الجسيم". وشددت على التزام الصحفيين اليقظة تجاه المعايير الاخلاقية لممارسة المهنة، واحترام الذات البشرية وحرمتها الجسدية وعدم صب الماء في طاحونة الارهاب.
واقرت إدارة التلفزيون بارتكاب "خطأ مهني فادح" عندما تم في نشرة اخبار "بث صورة مخلة بكرامة الذات البشرية تتعلق بالطفل الراعي الشهيد بولاية سيدي بوزيد" محملة المسؤولية لرئيس تحرير الاخبار .
وفي سياق الدعم الاعلامي للإرهاب فقد كانت قناة الجزيرة تثير الجدل منذ تأسيسها وبعد عدة سنوات تزايدت اتهامات بعض الحكومات للقناة بسبب مساحة الوقت التي تمنحها للجماعات الارهابية في سوريا والعراق وغيرهما، وقد تصاعدت نبرة الاتهامات ضد عدد من العاملين في القناة القطرية في السنوات الاخيرة ، إذ أدرج اسم مدير قناة الجزيرة في إسلام آباد أحمد موفق زيدان على اللائحة الأمريكية للإرهاب، بحسب ما كشفه موقع "ذي أنترسبت" ونشرته فرانس 24 استنادا إلى وثائق سرية. وورد اسم زيدان في وثائق سربها إدوارد سنودن وصفت الصحافي وهو سوري الجنسية بأنه عضو في تنظيم "القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين".
وجاء في الوثيقة التي سربها إدوارد سنودن، المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية، ونشرت في وسائل الاعلام منتصف عام 2015 أن زيدان مثال يجسد برنامجا عرف باسم "سكاينت" يهدف إلى تحليل بيانات (مكان وزمان المحادثة...) الاتصالات الهاتفية في محاولة لكشف نشاطات مشبوهة.
تراجع الدعم المالي
الازمة المالية الناتجة عن انخفاض اسعار النفط والتي اثر على اقتصاديات البلدان الخليجية بدأت آثارها تتضح يوما بعد آخر فدولة قطر تراجع نشاطها السياسي للخطوط الخلفية في ظل حكم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي تولى السلطة في عام 2013 ومع حديثه عن الحاجة للتقشف في وقت تنخفض فيه أسعار النفط كانت شبكة الجزيرة القطرية اولى ضحايا هذه السياسة بعد ان أعلنت نهاية مارس اذار من العام الجاري عن تسريح 500 من العاملين بها أي أكثر من عشرة بالمئة من قوة العمل فيما يعكس الضغوط المالية التي تتعرض لها الدولة الخليجية الصغيرة بسبب انخفاض الأسعار العالمية للنفط والغاز.
وأفاد البيان الذي أصدرته الجزيرة "يشمل الإجراء نحو خمسمئة وظيفة في مقرات شبكة الجزيرة بمختلف أنحاء العالم وأغلبهم ممن يعملون في قطر.". وتسيطر الأسرة الحاكمة في قطر على الشبكة. وقال متحدث باسم الشبكة إن عدد العاملين قبل خطة التسريح كان نحو أربعة آلاف.
وقال مصطفى سواق المدير العام للشبكة بالوكالة إن الجزيرة اتخذت هذه الخطوة للحفاظ على مكانتها في القطاع في ضوء التغييرات الكبيرة الجارية على الساحة الإعلامية العالمية.
وتأسست الشبكة عام 1996 في إطار جهود قطر لتحويل قوتها الاقتصادية إلى نفوذ سياسي وجذبت ملايين المشاهدين في مختلف أرجاء العالم العربي بتقديمها نقاشات توصف بالخارجة عن السياق الاعلامي ولا تخضع للرقابة .
وهذه ليست المرة الاولى التي تعلن الجزيرة عن تقليص عدد العاملين فيها ففي يناير كانون الثاني قالت الجزيرة إنها ستغلق قناتها الفضائية الأمريكية بعد أقل من ثلاث سنوات من افتتاحها.
ولم تكن صحيفة الشرق الاوسط بعيدة عن الصفقات الاقتصادية ، حيث اعلنت شركة المملكة القابضة التي يملكها الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال، بيع حصتها في المجموعة الناشرة لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، بحسب بيان أصدرته في (1/11/2015).
وأفاد البيان الذي نشره موقع فرانس 24 أن الشركة "ستقوم ببيع كامل الأسهم المملوكة لها في شركة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق"، مشيرة إلى أن قيمة هذه الأسهم تبلغ 873,3 ملايين ريال سعودي (223,3 ملايين دولار أمريكي)، وتشكل ما نسبته 29,9 بالمئة من أسهم المجموعة.
وإضافة إلى "الشرق الأوسط"، ومقرها لندن، تنشر المجموعة صحيفة "عرب نيوز" اليومية الصادرة بالانكليزية، وأسبوعيتي "الاقتصادية" و"الرياضية"، وثلاث مجلات شهرية. ولم تعلن المملكة القابضة من اشترى حصتها من المجموعة السعودية التي يملك نجل الأمير أحمد، أحد أبناء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، نسبة 6,84 بالمئة من أسهمها.
وكان الوليد أعلن في شباط/فبراير من العام الماضي تقليص حصته في مجموعة "نيوز كورب" العملاقة التي يملكها قطب الإعلام روبرت موردوخ، من 6,6 بالمئة إلى واحد بالمئة. ويملك بن طلال 95 بالمئة من شركة المملكة القابضة المدرجة في سوق الأسهم السعودية، وتملك حصصا في شركات عالمية منها منتجع "ديزني" في باريس وفنادق "فورسيزنز" ومجموعة "سيتي بنك" المصرفية. كما يملك قناة "العرب" الإخبارية التي اتخذت من المنامة مقرا، إلا أنها أوقفت البث بعد ساعات من بدئه مطلع شباط/فبراير.
الصحافة اللبنانية كانت من اكثر المتأثرين بأزمة التمويل فقد لوحت اعرق صحيفتين لبنانيتين "السفير والنهار " بالتوقف عن الصدور ورقيا أعلن الكاتب الصحفي، طلال سلمان، ناشر ورئيس تحرير صحيفة السفير تراجعه "مؤقتا" عن قرار إغلاق الصحيفة، وقال في تصريح لصحيفة "النهار"، إنّ الجريدة مستمرة، وذلك بسبب كمية العواطف الهائلة التي أحاطنا بها الرأي العام اللبناني، فرأينا أن نستمر ونتحمّل بعضنا بعضاً ولو كانت مدة الاستمرار شهراً أو شهرين.
وأضاف سلمان، أن «الأمر يتعلّق بموقفنا الأخلاقي. طالما أنني قادر على الاستمرار لشهر مثلاً، فلمَ أتوقّف اليوم؟ الناس معنا»، مؤكداً أنّ «الجريدة كانت في حاجة إلى مَن يساندها ويقول: نحن معكم، خصوصاً في ظلّ غياب الدولة والنقابة والمعنيين في هذا المجال»، لافتاً إلى أنّ المؤتمر الصحفي الذي كان من المقرر أن يعقده الأربعاء المقبل قد أُرجئ. ونفى سلمان أن تكون "السفير" قد تلقّت الأموال المطلوبة لحلّ الأزمة، قائلاً: "حتى الآن، أحدٌ لم يمدّ يده إلى جيبه"، على مَن يراهن إذاً؟ مضيفا أنه حتى الآن لايراهن على أحد، ولكن يراهن على "الحرصاء على الصحافة الحرّة في هذا البلد". ولا يراهن على فئات ولا أحزاب سياسية، ولكن على مغتربين يؤمنون باستمرار الديمقراطية وبقاء الصحافة، يأتي هذا في وقت يتوقع أن يطال شبح الإقفال صحفاً لبنانية أخرى، مثل "النهار"، ما قد يضطرها إلى اقتصار صدورها على الفضاء الإلكتروني.
الصراع السياسي على ابواب العربية والحدث
وفي ظل الاتهامات المتبادلة بين السعودية وحزب الله تسرب طوفان الازمة ليجرف مكتب قناتي العربية والحدث السعوديتين من بيروت إذ أبلغ محامي قناتي "العربية" و"الحدث" العاملين فيهما، قرار إغلاق الشركة بشكلٍ نهائي في بيروت. وقد فوجئ العاملون في القناتين، (تعملان من مكتب وفريق عمل واحد)، بأن محامي الشركة كان في انتظار الموظفين، ليُبلغهما قرار إقفال الشركة الخاصة التي تعمل من خلالها القناتان في بيروت، وتصفية أملاك هذه الشركة بشكل كامل.
وبحسب موقع "العربي الجديد"، فإن الموظفين الذين يبلغ عددهم 27، تلقوا تعويضات بحسب سنوات الخدمة، ولم يتم إخطارهم بسبب توقيف العمل بعد، علماً أن التبرير الذي يتم تداوله هو العامل الأمني.
من جانبها، أكدت القناة في بيان، القرار، واصفةً الخطوة بأنها "إعادة هيكلة فرضتها التحديات الموجبة على الأرض". وأضافت: "نظرا للظروف الصعبة والتحديات الموجبة على الأرض وحرصا من قناة "العربية" على سلامة موظفيها، تقرر إجراء عملية إعادة هيكلة نشاط القناة في لبنان وهو ما أسفر عملياً عن إقفال المكتب المتعاون في بيروت".
وأضافت القناة "بطبيعة الحال تستمر "العربية" بتغطية الشأن اللبناني ومتابعته الحثيثة على كافة الصعد والمستويات مستعينة بنخبة من الخبراء والمتعاقدين وبإمكانات مزودي الخدمات على تنوعهم واختلافهم".
ولم تُعرف ما هي الطريقة التي ستعتمدها القناتان في تغطية أحداث لبنان، علماً بأن مكتب بيروت كان يُغطي جانباً مهماً من الملف السوري إلى جانب الملف اللبناني. لكن مصادر في المحطة، قالت إن هذه ليست المرة الأولى التي يتم إقفال مكتب فيها، ويُمكن إنتاج التغطيات من داخل مقر القناة في دبي.
وأكّدت مراسلة القناة في بيروت عليا إبراهيم في تصريح لموقع "العربي الجديد"، إبلاغها بوقف العمل، ولفتت إلى أن القرار كان مفاجئاً، خصوصاً أن لا تمهيد مسبقاً له.
ولا يبدو أن هناك نية لإجراءات مشابهة في مؤسسة MBC، وهي المؤسسة الأم لـ"العربية" و"الحدث"، إذا قالت مصادر في الـ MBC أن لا نية للقيام بخطوات مشابهة، وأنها مستمرة في العمل بشكلٍ طبيعي.
وتعليقًا على القرار، قال وزير الاعلام اللبناني رمزي جريج: "نأسف لحصول هذا الأمر، خصوصًا أن لا مبرر أمنيًا لإقفال مكاتب القناة". وسأل: "هل القرار نابع عن موقف سياسي بسبب توتر العلاقة بين لبنان ودول الخليج، ولا سيما السعودية؟".
وقال الوزير جريج إنه "كان يأمل أن يزول هذا التوتر، خصوصًا أنّ لبنان أبدى مدى حرصه على هذه العلاقة وأنّ اتصالات عدة أجريت في هذا الإطار"، مشددًا على أنه "لا بد من تجاوز أزمة العلاقات، ربما عبر اتصال مباشر بين رئيس الحكومة تمام سلام والعاهل السعودي خلال المؤتمر الذي سيعقد في تركيا".
يُذكر أن السعوديّة ودول الخليج بدأت سلسلة من الإجراءات الاقتصادية والسياسيّة في لبنان، منذ قرار وقف الهبة العسكرية في يناير/كانون الثاني الماضي، الذي عُلل بخروج لبنان عن الإجماع العربي في حالتين، لجهة إدانة هجوم متظاهرين ايرانيين على السفارة السعودية وقنصليتها في مشهد كما صنفت دول الخليج حزب الله على قائمة الارهاب العربية ، وبدأت سلسلة من الإجراءات بحق مسؤوليه ومؤيديه والمتعاونين معه. كذلك دعت دول الخليج رعاياها إلى عدم السفر إلى لبنان، والموجودين فيه إلى مغادرته.
ويرى بعض المتابعين ان الاعلام العربي لا يمكنه الارتقاء الى مستوى التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الاوسط في الوقت الذي تحتدم فيه الصراعات بين الاطراف المتنازعة لتصل الى استخدام جميع الخيارات حتى وان ادى ذلك الى التخلي عن المعايير المهنية واستخدام الاعلام كمنصة لدعم للإرهاب من اجل الاطاحة بالخصوم او استغلال الامكانات المادية والسياسية لقمع الحريات الاعلامية في البلدان العربية.
اضف تعليق