q

غالبا ما تتعرض دول الشرق الأوسط الى انتقادات واسعة النطاق من قبل دول ومنظمات حقوقية عالمية لانتهاكاتها المستمرة لحقوق الصحفيين وحرية التعبير في وسائل الاعلام المختلفة، من دون ان يكون هناك أي تغيير ملموس في سلوك اغلب تلك الدول التي تتصدر قائمة الانتهاكات الإعلامية على مستوى العالم في كل عام، وقد تعرض العديد من الصحفيين العاملين في مختلف وسائل الاعلام المحلية والعالمية الى حملات واسعة من المطاردة والتنكيل والاعتقال والتهديد بالتصفية الجسدية، فيما تم مصادرة واغلاق عدة مؤسسات إعلامية من دون مسوغات قانونية، وانما لمجرد اعدادها لتقرير او مقال ينتقد حدث داخلي معين قد ترى فيه الجهات الرسمية تهديدا لها، ويرى مراقبون ان الصحفيين والعاملين في وسائل الاعلام المختلفة، يتعرضون (في الشرق الأوسط) الى تهديدات، قد تصل الى حد القتل، من عدة جهات تستهدف العاملين في هذا المجال بهدف ترهيبهم ومنع إيصال الحقيقية الى الراي العام (خصوصا اذا لم تكن تنسجم مع توجهاتهم ورايهم)، فبالإضافة الى الاعتداءات التي تصدر من جهات رسمية (مثل القوات الأمنية والمسؤولين إضافة الى المتنفذين والقريبين من السلطة)، سجلت العديد من الاعتداءات بحق الصحفيين من قبل التنظيمات الإرهابية التي ازدهرت بشكل كبير في الشرق الأوسط مؤخرا، كما شكلت عملية قطع رؤوس الصحفيين الرهائن لدى التنظيمات الإرهابية (وبالأخص لدى تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية/ داعش) اهم الاحداث البارزة لعام 20014.

وكشف تقرير لمنظمة فريدم هاوس عن تراجع حرية الصحافة في العديد من الدول، من بينها مصر وليبيا والأردن وتركيا، لتصل إلى أدنى مستوى لها خلال العقد الماضي، كما صنفت المنظمة سوريا والبحرين وإيران ضمن أسوأ عشر دول لحرية الصحافة، ذكر التقرير أن حرية الصحافة في العالم تراجعت إلى أدنى مستوى لها في أكثر من عقد لاسيما بسبب اعتداءات كبيرة على الصحفيين ووسائل الإعلام في منطقة الشرق الأوسط، وأوضح التقرير أن هناك واحدا من ستة أشخاص فقط، أو 14 بالمائة من إجمالي السكان، يعيشون في مكان يصنف فيه الإعلام بأنه حر، وذلك مقابل 44 بالمائة يعيشون في أماكن يُصنف فيها الإعلام بغير الحر، فيما يعيش 42 بالمائة في أماكن يصنف فيها الإعلام بأنه حر جزئيا، وقالت كارين كارليكر، مديرة مشروع التقرير، "نشهد تراجعات لحرية الإعلام على المستوى العالمي بسبب جهود الحكومات للسيطرة على الرسالة ومعاقبة المرسل"، وأضافت كارليكر في بيان صحفي رافق نشر التقرير، "كانت هناك حالات أخرى في 2013 لدول تستهدف الصحفيين الأجانب ووسائل الإعلام"، وقالت "رفضت السلطات الروسية والمصرية تجديد أو هددت بحجب تأشيرات الدخول لمراسلين أجانب بارزين، غير أن الحكومة المصرية الجديدة مضت خطوة أبعد باعتقال عدد من فريق عمل الجزيرة لاتهامهم بدعم الإرهاب". بحسب الوكالة الألمانية.

وأضاف التقرير، "وبالإضافة إلى التراجع الكبير بكل من مصر وليبيا والأردن، هناك انتكاسات ملحوظة في تركيا وأوكرانيا وعدد من الدول بشرق أفريقيا وتدهور في البيئة التي تشهد انفتاحا إعلاميا نسبيا بالولايات المتحدة"، ومن بين 197 دولة ومنطقة تم تقييمها في 2013، تم تصنيف 63 دولة بأنها حرة، و68 أخرى بأنها حرة جزئيا و66 بلدا بأنها غير حرة، وصنفت فريدوم هاوس أسوأ عشر دول في العالم في هذا الصدد على النحو التالي: البحرين وسوريا وكوبا وغينيا الاستوائية وإيران وبيلاروس وإريتريا وتركمانستان وأوزبكستان وكوريا الشمالية، وتصدرت أعلى التصنيفات كل من هولندا والنرويج والسويد وبلجيكا وفنلندا والدنمارك وأيسلندا ولوكسمبورغ وسويسرا وأندورا، وحلت الولايات المتحدة في المرتبة 32، وأوضح التقرير أن الظروف تدهورت في الولايات المتحدة بسبب محاولات الحكومة منع التغطيات الصحفية في قضايا الأمن القومي.

إيقاف صحيفة اصلاحية في إيران

فيما تسلمت صحيفة "روزان" التابعة للتيار الإصلاحي بلاغاً من محكمة طهران، يطلب من الصحيفة إغلاق مقرها في العاصمة الإيرانية، ويمنع إصدارها من جديد، وكان هذا البلاغ قد أرسل في وقت سابق إلى وزارة الثقافة الإيرانية التي تشرف على كل وسائل الإعلام الموجودة في البلاد، ونقلت وكالة أنباء "مهر" الإيرانية عن رئيسة تحرير الصحيفة، شمسي بور محمدي، أن البلاغ لم يحدد الأسباب الدقيقة لهذا الإيقاف، قائلةً إن المدير المسؤول عن الصحف في وزارة الثقافة الإيرانية قال لها في اتصال هاتفي إنه ليس مع خطوة من هذا النوع، وأضافت محمدي أنها "تأمل أن تراجع السلطة القضائية قرارها هذا، لا سيما أن "روزان" صحيفة تصدر منذ 19 عاماً، ولم يكن لديها أي سوابق غير مرضية"، حسب تعبيرها، وكانت الصحيفة تصدر في محافظة خوزستان جنوب البلاد، ثم تحولت إلى صحيفة تطبع في كل المدن الإيرانية ومقرها العاصمة طهران قبل أربعة أعوام فقط، وكانت المواقع الإيرانية قد نشرت أن سبب إيقاف الصحيفة يعود إلى الموضوع الذي نشرته على غلافها، حيث إنها أحيت الذكرى الخامسة لوفاة رجل الدين حسين علي منتظري، وكتبت على صفحتها الأولى عنواناً بالخط العريض "الفقيه المختلف"، فضلاً عن نشر لقاءات ومقالات مع أفراد يتحدثون عنه في العدد ذاته.

يُذكر أن منتظري من رجال الدين الإصلاحيين، وكان قد خضع للإقامة الجبرية لسنوات، كما كان على خلاف مع كبار المسؤولين وصناع القرار في البلاد، بسبب توجيهه انتقادات حادة لبعض السياسات في الجمهورية الإسلامية التي تأسست بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وكان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قد وعد بمزيد من الحريات للصحف ووسائل الإعلام منذ توليه الرئاسة العام الماضي، وهذا بعد سنوات من التضييق على بعضها، ولا سيما الإصلاحية منها، وهذا خلال عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وانتعشت منذ العام الماضي بعض الصحف الإصلاحية وأبصرت عدة صحف مستقلة النور، ولا سيما أن معظم الصحف الإيرانية تنطق باسم التيارات السياسية التابعة لها، لكن إغلاق "روزان" يعني أنّ الحساسية بين التيارين المحافظ والإصلاحي ما زالت قائمة، وهي الحساسية التي اشتدت مع أزمة عام 2009، إثر احتجاجات أثارها مناصرو المرشح الرئاسي الإصلاحي مير حسين موسوي، بعد أن شكّكوا في نتائج الانتخابات التي فاز فيها الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية.

الاحد الأسود في تركيا

الى ذلك قال الاتحاد الاوروبي في بيان شديد اللهجة، إن مداهمات الشرطة التركية لمؤسستين إعلاميتين لا تتوافق مع حرية الإعلام وتعد انتهاكًا للقيم الأوروبية، وذلك بعد مداهمة محطة تلفزيون سامانيولو وصحيفة زمان المرتبطتين برجل الدين المعارض فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة، وأدّت المداهمات التي جرت في اسطنبول و12 مدينة تركية أخرى لإلقاء القبض على 14 شخصًا على الأقل منهم مدراء ومخرجون ومسؤولو إنتاج، ولكن الشرطة اجبرت على الخروج من مبنى صحيفة "زمان" الموالية لغولين الواقع في احدى ضواحي اسطنبول بعد ان تجمع حشد كبير خارجه للاحتجاج على المداهمة، ولم تمكن من اعتقال اي من العاملين في الصحيفة، الا ان الشرطة عادت وداهمت مكاتب "زمان"، والقت القبض على رئيس تحرير الصحيفة اكرم دومانلي، كما كانت الشرطة قد القت القبض على المدير العام لتلفزيون سامانيولو هدايت كاراتشا، ويذكر أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وكولن خصمان سياسيان ويقول المراقبون إن المداهمات عبارة عن محاولة جديدة من أردوغان لاسكات مؤيدي كولن، وكان اردوغان قد هدد "بمطاردة انصار كولن في جحورهم"، ووصفهم سابقًا بأنهم "إرهابيون وخونة"، وتُصنّف تركيا في المرتبة 154 من 180 فيما يخص حرية الصحافة حسب منظمة "صحفيون بلا حدود". بحسب رويترز.

انتقادات إعلامية واسعة

ولم تكن الصحف العالمية بمنأى عما وقع يوم "الأحد الأسود" في تركيا وما شهده من حملات مداهمة المؤسسات الإعلامية واعتقال عدد من رموز الصحافة في محاولة لإسكات أصوات المعارضة في البلاد، وعلق عدد كبير من الصحف العالمية على عملية اعتقال رئيس تحرير صحيفة” زمان” أكرم دومانلي ورئيس مجموعة سامان يولو الإعلامية هدايت كاراجا، ضمن حملة مداهمة على الصحف المعارضة، ونشرت وكالات رويترز، ووكالة الأنباء الفرنسية، ووكالة اسوشيتد برس، وغيرها من وكالات الأنباء العالمية الأخبار المتعلقة بالحملة تحت تصنيف "عاجل"، وأشارت إلى أن الحملة تأتي قبل أيام من الذكرى السنوية للكشف عن فضائح الفساد والرشوة في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وأكدت وكالات الأنباء العالمية أن عملية اعتقال الصحفيين المعارضين للحكومة زادت المخاوف والقلق حيال الديمقراطية في تركيا، ونشرت وكالة رويترز أخبار مداهمة قوات الشرطة التركية للمبنى الرئيسي لصحيفة” زمان” كخبر” عاجل” وتابعت تطورات الأحداث تحت تصنيف” اللحظة الأخيرة”، وأشارت وكالة رويترز إلى الحملة التي تحدث عنها رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أدروغان في خطابه الأخير قبل ثلاثة أيام.

وقالت وكالة اسوشيتدبرس الأمريكية إن قول أردوغان في خطابه "سنقضي على شبكة الخيانة وسنجعل الخونة يدفعون ثمن ذلك" كانت إشارة لبدء الحملة ضد الصحفيين المعارضين، وقالت الوكالة إن ما لايقل عن 24 شخصا من بينهم منتجي أفلام ورجال شرطة تم اعتقالهم ضمن الحملة الأخيرة، وعلقت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أيضا على الواقعة قائلة إن الحملة الجديدة انطلقت عقب تأكيد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان على انطلاق “حملة جديدة” ضد أعضاء حركة كولن التي يزعم أردوغان أنها حاولت إسقاط الحكومة إبان فترة توليه منصب رئاسة الوزراء قبل أشهر، وأوضحت هيئة الإذاعة البريطانية أن أردوغان يتجه لاعتقال معارضيه مؤكدة أن هذه الخطوة التي اتخذتها الحكومة التركية زادت من المخاوف الدولية، القائمة بالفعل، حيال الديمقراطية وحرية الصحافة، وكتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية اليومية في هذا الصدد تحت عنوان: "موجات الاعتقال تطول وسائل الإعلام المعارضة"، وأوضحت الجريدة أن هذه الحملة التي أطلقها أردوغان ضد وسائل الإعلام تشير إلى زيادة الهجوم على حركة الخدمة المستلهمة لفكر الأستاذ كولن، وعلقت صحيفة” دير ستاندرد” النمساوية على حملة اعتقال الصحفيين قائلة: "إن الحكومة التركية الآن تضغط على رجال الأعمال غير المواليين لها ومعارضيها من الرموز الصحفية".

وقالت جريدة الأخبار الأكثر مبيعا في اليونان إن صحيفة "زمان" التركية ومجموعة قنوات "سامان يولو" وعدد من الصحفيين المعارضين يواجهون تهما وأعمال عنف ضد فئة معينة، ونشرت جريدة (Süddeutsche Zeitung) الألمانية أخبارا في هذا الصدد، بعنوان: "الشرطة التركية تداهم معارضي أردوغان"، وأخيرا وليس آخرا، تساءلت صحيفة (Moskovski Komsomolets)، واحدة من أشهر الجرائد الروسية، عما إذا كانت هذه الحملة تتعلق بفضائح الفساد أم لا، موضحة أنه تم اعتقال الرموز الصحفية لتجريد المعارضة من أي صوت ومن أي دعم إعلامي لها.

اضف تعليق