تُمارس السُلطات العراقية واحزاب موالية لها عمليات تضييق كبيرة وواسعة على وسائل الإعلام والصحفيين العاملين في بغداد، بدءاً من قطع الإنترنت إلى إغلاق مكاتب بعض القنوات إلى تهديد الصحفيين الميدانيين. في سابقة جديدة تماما، قامت هيئة الإعلام والاتصالات بغلق وإنذار 17 مؤسسة إعلامية بسبب تغطيتها للاحتجاجات...
بقلم: مصطفى سعدون
تُمارس السُلطات العراقية واحزاب موالية لها عمليات تضييق كبيرة وواسعة على وسائل الإعلام والصحفيين العاملين في بغداد، بدءاً من قطع الإنترنت إلى إغلاق مكاتب بعض القنوات إلى تهديد الصحفيين الميدانيين.
في سابقة جديدة تماما، قامت هيئة الإعلام والاتصالات بغلق وإنذار 17 مؤسسة إعلامية بسبب تغطيتها للاحتجاجات القائمة في العراق. فقد تم غلق مكاتب قنوات العربية الحدث، دجلة، رشيد، NRT، الشرقية، الفلوجة، هنا بغداد والحرة. كما تم ابلاغ إنذار الى قنوات السومرية، آسيا، رووداو، سكاي نيوز عربية، اور، لتصحيح مسار خطابها.
وفي السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، سقطت قذيفة هاون على شركة (عراق الفن) في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، ووفقاً لمعلومات أمنية فإن القذيفة إنطلقت من منطقة شرق القناة في العاصمة، وهي المنطقة التي دائماً ما يتم إطلاق صواريخ منها بإتجاه المنطقة الخضراء.
شركة عراق الفن وهي شركة إنتاج محلية عراقية تُقدم خدمات تلفزيونية لعدد من الفضائيات، منها BBC البريطانية والعربي المملوكة للسياسي الفلسطيني عزمي بشارة، وقنوات أخرى، وإعتبرت صحيفة العربي الجديد المرتبطة بقناة العربي أن "الصاروخ كان يستهدف مكتب قناة العربي في بغداد".
وفي الثامن والخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي تعرضت حلقتي البرنامج الشهير الساخر (البشير شو) للتشويش عند بدء بثهما على قناة DW الألمانية. التشويش كان يبدأ في الساعة التاسعة ليلاً بتوقيت العراق أثناء أوقات بث الحلقتين وينتهي في العاشرة، أي بعد ساعة وهو عُمر البرنامج.
قال أحمد البشير وهو مُقدم البرنامج الشهير (البشير شو) خلال مقابلة مع "المونيتور": إن "تشويشاً مُتعمداً تعرضت له الحلقات الأخيرة من برنامجي والتي تناولت فيها قضية الإحتجاجات في العراق وكشفت فيها زيف من يُريد تشويه صورة وسُمعة المُتظاهرين وإلصاق التُهم بهم".
وأضاف: "أنا أعتبر ذلك تضييقاً على حُرية الرأي والتعبير عنه، وهذه مُحاولات تسعى لتكميم الأفواه وإسكات الأصوات المُعارضة التي تنتقد المُمارسات الحكومية في التعامل مع المُتظاهرين".
تعددت أشكال التضييق الحكومي على وسائل إعلام أو على صحفيين، فبين تهديدات مُبطنة وإغلاق مؤسسات إعلامية وتشويش على بث أخرى وعدم توفير الحماية لبعض المؤسسات، هُناك تلميحات إلى أن بعض وسائل الإعلام تُحرض على التظاهر.
في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر شكت مجموعة من الصحفيين العراقيين من التضييقات التي تتعرض لها بسبب بث لقطات وصور من الإحتجاجات، وقال صحفي محلي في تشرين الأول/نوفمبر الحالي لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "حاصرني الجنود أثناء تصويري واعتقلوني واتهموني بتحريض الناس على الاحتجاج، وأخبروني بأنهم سيواصلون اعتقال الصحفيين".
قال مُهندس في شركة بث عراقية لـ"المونيتور": إن "الشركة التي تبث لقنوات العربية والحدث السعوديتين وقنوات أخرى إضطرت لتغيير مكتبها الذي داهمته قوة مسلحة في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر بعد إغلاقه لأيام ولجأت إلى مكان في العاصمة فيه حراسات أمنية مُشددة".
صحفي آخر يعمل في مؤسسة غير محلية أظهر لـ"المونيتور": رسالة تهديد وصلته في الحادي والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي تُشير إلى تهديدات من مجهولين يُطالبونه من التوقف عن التغطيات الإعلامية التي يقوم بها لصالح القناة التي يعمل فيها.
قال الصحفي الذي رفض ذكر إسمه لـ"المونيتور": "وصلتني رسالة على هاتفي الخاص تهددني بالتصفية و الاعتداء على عائلتي و بأسلوب قذر بسبب إستمرار تواصلي عبر الهاتف مع القناة التي اعمل فيها".
وأضاف: "منذ بداية التظاهرات في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الماضي و نحن نتعرض لضغوطات و تهديدات شفهية تنقل لنا عن طريق زملاء تارة من باب النصيحة وتارة اخرى من كتخويف بالخطر على الحياة أو التصفية الجسدية من قبل السلطة لأننا نغطي التظاهرات من قلب الحدث ونتواجد داخل الساحات بين المتظاهرين".
كانت عملية حظر الإنترنت في العراق واحدة من آليات التضييق التي مارستها الحكومة العراقية على وسائل الإعلام، وقال بيت الإعلام العراقي وهو أحد منظمات المجتمع المدني في العراق، في تقرير له إن "حظر شبكة الانترنت أدى الى انقطاع التغطيات الاعلامية لأغلب وسائل الاعلام العراقية بنسبة تصل الى 90%، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بنسبة اقل وتصل الى 70%، كما ان المخاوف من استهداف وسائل اعلام وصحفيين ساهمت في تحجيم التغطيات ايضاً".
قال رئيس مرصد الحريات الصحفية في العراق زياد العجيلي لـ"المونيتور": إن " التهديدات مستمرة للصحفيين بعضها صريح والاخر مبطن، الكثير من المصورين والمراسلين الميدانين يتعرضون للاعتقال من قبل الاجهزة الامنية عند خروجهم من ساحات الاحتجاجات وجميعهم يخشى التصريح عن ذلك لان الامن هددهم بالاعتقال مجددا اذا تحدثوا في الاعلام عن ما حدث لهم".
وأضاف أن "الرسالة الاولى لمشهد مهاجمة المؤسسات الاعلامية في بغداد بداية تشرين الأول/أكتوبر الماضي مازال مفعولها جار والمؤسسات الأخرى والصحفيين يخافون من هذا المشهد الذي بقي عالقاً بالاذهان".
وترصد منظمات محلية معنية بحرية الصحافة التهديدات والإنتهاكات التي تطال الصحفيين ووسائل الإعلام خلال فترة الإحتجاجات، وفي تقرير لجمعية للدفاع عن حرية الصحافة، فإنها سجلت: " 89 حالة انتهاك طالت الصحفيين، وإغلاق مقار ومكاتب 17 وسيلة إعلام و33 حالة تهديد بالتصفية الجسدية".
وفي السابع من تشرين الأول/أكتوبر أختطف الصحفي حسين العامل من منزله في محافظة ذي قار جنوبي العراق من قبل مسلحين مجهولين، وقبله بأيام نقلة وكالة ناس كادرها من بغداد إلى السُليمانية بعد تهديدات تلقتها من قبل مجهولين بسبب تغطيتها للإحتجاجات، ولحقت بها قناة الحرة الأميركية التي غادر أغلب كادرها العاصمة بغداد بإتجاه محافظة أربيل لإستئناف العمل من هُناك.
مازالت التهديدات والتضييقات تُمارس على الصحفيين ووسائل الإعلام العاملة في بغداد، فالسُلطات العراقية تُكثف جهودها للتقليل من التغطيات الإعلامية للإحتجاجات وعدم بثها التقارير التي تتحدث عن إنتهاكات حقوق الإنسان، خاصة تلك المُتعلقة بأعداد القتلى والجرحى التي دائماً ما تنفيها الحكومة.
اضف تعليق