يسعى العراق إلى جعل الاكتفاء الذاتيّ من محاصيل الحنطة والشعير والذرة، حالة دائمة، لكنّ ذلك يتطلّب تطوير تقنيّات الزراعة وتعزيز الاستثمار والاستعداد لحالات الطوارئ. ومنذ نهاية عام 2018، لاحت ملامح اكتفاء العراق من الكثير من المحاصيل الزراعيّة، الأمر الذي دفع بوزارة الزراعة إلى قرار حظر...
بقلم: عدنان أبو زيد
يسعى العراق إلى جعل الاكتفاء الذاتيّ من محاصيل الحنطة والشعير والذرة، حالة دائمة، لكنّ ذلك يتطلّب تطوير تقنيّات الزراعة وتعزيز الاستثمار والاستعداد لحالات الطوارئ.
أعلن وزير التجارة العراقيّ محمّد هاشم العاني، في 5 تمّوز/يوليو، عن استلام الوزارة قرابة 4 ملايين طنّ من القمح المحليّ، الأمر الذي يضع البلاد على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتيّ من ذلك المحصول الاستراتيجيّ، رغم الحرائق التي طالت الحقول الزراعيّة في مختلف مناطق العراق، والتي أدّت الى التهام 40 ألف دونم.
ومنذ نهاية عام 2018، لاحت ملامح اكتفاء العراق من الكثير من المحاصيل الزراعيّة، الأمر الذي دفع بوزارة الزراعة إلى قرار حظر استيراد 7 محاصيل زراعيّة بسبب وفرة الإنتاج المحليّ.
وأشار المتحدّث باسم وزارة الزراعة حميد النايف خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "العراق لديه 12 مليون دونم من حقول الحنطة، وهي مساحات كبيرة جعلت من تأثير الحرائق ضئيلاً على خططه في تحقّق الاكتفاء الذاتيّ من محاصيل الحنطة والشعير"، وقال: "إنّ أحد أسباب الزيادة في الإنتاج، إطلاق الوزارة منذ نهاية عام 2009، مشروع توسيع زراعة القمح، الذي يركّز على توفير بذور تحقّق إنتاجيّة عالية ولديها القدرة على استيعاب أزمات الجفاف والصمود خلالها. كما يمكنها مقاومة الملوحة المنتشرة بشكل واسع في المناطق الزراعيّة بغالبيّتها".
وأشارت الإحصاءات إلى أنّ العراق بدأ تراجعاً تدريجيّاً في إنتاج المحاصيل، إذ في عام 2017 بلغ إنتاج البلاد من محصول القمح نحو 3 ملايين طنّ بمساحة زراعيّة بلغت 4.2 مليون دونم (الدونم يعادل 1000 متر مـربّع)، فيما أنتج المزارعون 2.17 مليون طنّ من القمح في عام 2018.
وسجّلت محافظة ميسان (جنوب)، في 17 تمّوز/يوليو، أعلى مستوى في تاريخها من الحنطة والشعير بلغ أكثر من ربع مليون طنّ. وينطبق الأمر أيضاً على محافظة ذي قار، التي أضافت في 11 نيسان/إبريل نحو 285 ألف دونم إضافيّة إلى الخطّة الزراعيّة الأصليّة. وكشفت محافظة الأنبار، في 23 تمّوز/يوليو، عن تسويق أكثر من 240 ألف طنّ من محصول الحنطة.
وتحدّثت العضو في اللجنة الزراعيّة بمجلس محافظة بابل سهيلة عبّاس لـ"المونيتور" عن "تسويق أكثر من مائة ألف طنّ من محصول الحنطة خلال الموسم الزراعيّ الحاليّ"، معتبرة أنّ ذلك يشكّل "إنجازاً يحقّقه المزارعون في المحافظة، رغم الجفاف وتواضع التقنيّات المستخدمة في الزراعة"، وقالت: "في الحالة التي يجد فيها المزارع، محصوله قد حقّق أرباحاً جيّدة عبر شراء الدولة منه بأسعار جيّدة، فإنّ المتوقّع أنّ الإنتاج سيتضاعف إلى الحدّ الذي يمكن فيه تحقيق الاكتفاء الذاتيّ بشكل كامل، بل والتصدير إلى دول الجوار".
واعتبرت أنّ "السياسة الزراعيّة التي تدعم إنتاج المحاصيل والوقوف إلى جانبه ضدّ المستورد، ستشجّع المزارعين على زراعة المزيد من الأراضي الزراعيّة، شرط توافر المياه الكافية".
يبدو أنّ السياسات الزراعيّة التي تحدّثت عنها سهيلة عبّاس تثير امتعاض إقليم كردستان، إذ تسبّب قرار الحكومة العراقيّة في 20 حزيران/يونيو بزيادة كميّات محصول القمح، التي تشتريها من فلاّحي المحافظات كافّة، عدا محافظات كردستان، بضرر كبير لفلاّحي الإقليم لأنّه لم يقدّم خطّة زراعيّة إلى الوزارة.
وفي نينوى المحافظة المجاورة لكردستان، أعلنت وزارة التجارة، في 23 تمّوز/يوليو، عن تحقيق المحافظة، المركز الأوّل في تسويق مادّة الحنطة، بعد أن تجاوزت الكميّات المسوّقة من الفلاّحين والمزارعين أكثر من 600 ألف طنّ لغاية 22 تمّوز/يوليو من هذا العام.
وفي هذا السياق، قال مدير زراعة نينوى الدكتور دريد حكمت طوبيا لـ"المونيتور": "إنّ الإنتاج كان سيكون أكثر، لولا النقص في ماكينات الحصاد، والجفاف. كما أنّ الحرائق، التي وصل عددها إلى أكثر من 253 حريقاً، أتلفت الكثير من الحقول".
وليست الحرائق وحدها، هي التي قلّلت حجم الإنتاج على كثرته، هذا العام، إذ قال رئيس الاتحاد العام للجمعيّات الفلاحيّة التعاونيّة حسن نصيف التميمي لـ"المونيتور": "إنّ السيول تسبّبت بتلف واسع لحقول الحنطة في مناطق جنوب ووسط وشمال شرق البلاد، كما حصل في محافظة واسط".
وتحدّث حسن نصيف التميمي عن "مقتل نحو 15 فلاّحاً في مختلف المدن، التي تعرّضت حقولها إلى الحرائق والسيول"، وقال: "إنّ ذلك يؤدّي إلى اضطراب في الأمن الغذائيّ. فضلاً عن أنّ الكثير من الحرائق هو فعل متعمّد، القصد منه الإضرار بالإنتاج الوطنيّ من المحاصيل".
ودفعت الوفرة في إنتاج الحبوب بمستوى أعلى من المتوقّع، الحكومة العراقيّة، في 20 نيسان/إبريل، إلى اتّخاذ قرار باستخدام الحواجز الأمنيّة الخرسانيّة، التي رفعت من شوارع العاصمة بغداد والمدن، بسبب الاستقرار الأمنيّ، في بناء مخازن للحبوب، وكانت مدينة الكوت في محافظة واسط جنوبيّ العراق، الأولى التي شهدت على تنفيذ للمشروع.
ورأى مدير مشروع الأسمدة العضويّة في بابل الدكتور عامر حبيب الخفاجي خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ "العراق وصل بالفعل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتيّ، وإنّ ما يستورد، وهو حوالى مليون ونصف مليون طنّ سنويّاً من القمح، القصد منه ليس سدّ الحاجة، بل دمجه مع القمح المحليّ الذي يحتوي على نسبة قليلة من مادة الجلوتين الداخلة في صناعة الطحين".
ورأى رئيس لجنة الزراعة البرلمانيّة النائب عبّود العيساوي في حديث لـ"المونيتور" أنّ "تأمين إنتاج استراتيجيّ يحقّق الاكتفاء الذاتيّ بشكل مستمرّ، وليس لعام أو عامين، يوجب دعم المزارعين، لا سيّما في الحالات الطارئة لكي تتعزّز ثقتهم بعملهم وبدعم الدولة لهم في حالات الفيضانات والسيول والحرائق، وهو ما حصل في الفترة القريبة الماضية"، وقال: "إنّ اللجنة قدّمت توصيات ملزمة إلى الحكومة بتعويض المتضرّرين من حرائق الحقول والسيول".
إنّ وفرة إنتاج الحنطة والشعير والذرة، ما هو إلاّ نتاج ربع المساحة الصالحة للزراعة، وهي 10 ملايين دونم فقط، من أراضي العراق البالغة في مجموعها الكليّ 40 مليون دونم. ولكي تستثمر كلّ هذه المساحة الهائلة، يحتاج العراق إلى تقنيّات زراعة حديثة وخطط علميّة ومشاريع استثمار تشارك فيها مراكز البحوث والجامعات، وتوظّف الأكاديميّين الزراعيّين الذين يعانون من البطالة بشكل واسع.
اضف تعليق