ستضع تظاهرات محافظة البصرة رئيس الحكومة العراقيّة عادل عبد المهدي أمام اختبار حقيقيّ. وإضافة إلى ذلك، سيكون أمام ضغط كبير بسبب موجة الاحتجاجات التي ستتّسع. تستمر التظاهرات في محافظة البصرة، جنوبي العراق رغم مواجهتها بقوة من قبل قوات الأمن التي إستخدمت في الثامن والعشرين من...
بقلم: مصطفى سعدون
ستضع تظاهرات محافظة البصرة رئيس الحكومة العراقيّة عادل عبد المهدي أمام اختبار حقيقيّ. وإضافة إلى ذلك، سيكون أمام ضغط كبير بسبب موجة الاحتجاجات التي ستتّسع.
تستمر التظاهرات في محافظة البصرة، جنوبي العراق رغم مواجهتها بقوة من قبل قوات الأمن التي إستخدمت في الثامن والعشرين من حزيران/يونيو الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بمحاسبة المسؤولين "الفاسدين" ومرتكبي الإنتهاكات بحقهم في التظاهرات السابقة.
تجدّدت التظاهرات في 21 حزيران/يونيو الحاليّ، تحديداً في البصرة احتجاجاً على الفساد وسوء الخدمات وعدم اكتمال التشكيلة الحكوميّة، ومن المتوقّع أن تستمرّ كلّ جمعة حسب تخطيط اللجنة المشرفة عليها.
وما زال زعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر يحرّك جزءاً من هذه التظاهرات ويقودها، تحديداً في بغداد، من خلال تحالفه مع الحزب الشيوعيّ الذي ينشط بعض قياداته وأتباعه في التظاهرات، وتحدّد ما تعرف بـ"اللجنة المركزيّة للتظاهرات" المؤلّفة من 5 أشخاص ينتمون إلى التيّار الصدريّ وشخص واحد محسوب على التيّار المدنيّ، أوقات التظاهر والشعارات التي ترفع ومكان ذلك أيضاً.
ومع أنّ الصدر يقود التظاهرات في بغداد في شكل رسميّ، إلّا أنّه لا يسيطر على كلّ المتظاهرين ويقودهم في محافظة البصرة التي تنطلق منها في كلّ عام شرارة التظاهرات، خصوصاً هذا العام عندما وعدوا بأن تكون التظاهرات هذه المرّة مختلفة عن بقيّة الأعوام.
تعتبر التظاهرات الحاليّة التي انطلقت من البصرة، بمثابة إنذار مبكر لحكومة عادل عبد المهدي التي تواجه اعتراضاً شعبيّاً كبيراً، قابلته معارضة سياسيّة، فالأنظار والضغط لم يعدا مهمّين في بغداد، فالبصرة صارت هي الحراك الحقيقيّ للمتظاهرين.
ويحذّر محافظ البصرة أسعد العيداني من "استغلال" التظاهرات من قبل أطراف سياسيّة أو غير سياسيّة تهدف إلى "الاعتداء على مؤسّسات الدولة"، بحسب قوله، لكنّه في الوقت ذاته، أشار إلى ضرورة ألّا "يتمّ الاعتداء على المتظاهرين السلميّين"، في إشارة منه إلى وجود متظاهرين غير سلميّين أو يندرجون ضمن إطارات أحزاب سياسيّة.
قال علاء علي، وهو أحد الناشطين في تظاهرات البصرة، لـ"المونيتور": "ستتجدّد تظاهراتنا، وربّما تتحوّل إلى اعتصامات، وفي هذا العام سيكون كلّ شيء مختلفاً عن الأعوام الماضية، فنحن لم نر أيّ خطوة إيجابيّة من قبل الحكومات تجاهنا".
وأضاف: "هناك تنسيق بين المتظاهرين المستقلّين في الجنوب وفي بغداد، وعلى الرغم من علمنا بدخول أطراف سياسيّة لغايات ومصالح تخصّها مثل التيّار الصدريّ، إلّا أنّنا نعي جيّداً ذلك ونعمل على أن نبقي التظاهرات مستقلّة".
ولا يستبعد محافظ البصرة الأسبق والوزير والنائب الأسبق وائل عبد اللطيف أن يكون الصراع الأميركيّ-الإيرانيّ بعيداً عن التأثير بما يحدث في محافظة البصرة، ولم يبق هذا هو السبب الوحيد، بل يقول إنّ "سوء الخدمات وغيابها وعدم تحقيق مطالب المتظاهرين السابقة هي التي دفعت سكّان البصرة إلى التظاهر مجدّداً".
وفي 17 حزيران/يونيو الحاليّ، زعمت قيادة عمليّات البصرة العثور على منشورات تابعة إلى تنظيم "داعش" في البصرة تؤيّد التظاهرات وتدعو سكّان المحافظة إلى التظاهر ضدّ ما أسمتها "الحكومة الصفويّة"، في إشارة إلى عمالتها لإيران، لكنّ المتظاهرين ينفون وجود أيّ دور لـ"داعش" في احتجاجات البصرة، كما أنّ "داعش" أساساً لا قاعدة اجتماعيّة له في البصرة.
ويبدو أنّ طرفاً سياسيّاً ما يتضرّر من التظاهرات، حاول وأدها قبل أن تبدأ من خلال إلصاق تهمة "داعش" ووقوفه خلفها حتّى يحشد الناس ضدّ الناشطين في التظاهرات، إلّا أنّ هذا لم يحدث وانطلقت التظاهرات التي يبدو ستستمرّ لأوقات أطول.
لكنّ قائد شرطة البصرة الفريق الركن رشيد فليح، ذهب مع الهدف الذي أريد من خلاله إلصاق تهمة "داعش" بالتظاهرات، وقال في تصريحات صحافيّة في 19 حزيران/يونيو الحاليّ إنّ "أذناب البعثيّين وفلول تنظيم "داعش" يحاولون استغلال التظاهرات لنشر الفوضى والقيام بعمليّات تخريب لمؤسّسات الدولة".
لا تختلف الشعارات التي رفعت في بغداد عن تلك التي رفعت في البصرة، فكلّها كانت عن الفساد والمحاصصة وسوء الخدمات، وتنديداً بغياب الإجراءات الحكوميّة في مكافحة الفاسدين، على الرغم من حديث رئيس الحكومة العراقيّة عادل عبد المهدي المتكرّر في هذا الخصوص.
ينظر النشطاء في تظاهرات البصرة إلى الحكومة العراقيّة على أنّها تحاول المماطلة في تلبية مطالبهم، ويحمّلونها مسؤوليّة الخراب الذي وصلت إليه البلاد، وهذا ما يدفعهم إلى التحشيد أكثر هذا العام للخروج بتظاهرات تخشاها الكتل السياسيّة العراقيّة.
قال مصدر سياسيّ من البصرة، متحدّثاً إلى "المونيتور" بشرط عدم الكشف عن اسمه: "وصلت معلومات إلى أحزاب سياسيّة مبنيّة على مؤشّرات من أجهزة أمنيّة، بأنّ التظاهرات في البصرة ستتفاقم وربّما ترفع فيها شعارات تدعو إلى إسقاط الحكومة أو إسقاط العمليّة السياسيّة الحاليّة".
أضاف أيضاً أنّ "قلقاً كبيراً تعيشه الأحزاب العراقيّة، وهناك محاولات لوأد التظاهرات من خلال تقديم الوعود بتنفيذ مطالب المتظاهرين عبر الوزراء ورئيس الحكومة عادل عبد المهدي".
ومع تصاعد معارضة حكومة عبد المهدي سياسيّاً من قبل تيّارين شعبيّين كبيرين مثل التيّار الصدريّ بزعامة الصدر والحكمة بقيادة عمّار الحكيم، فإنّ الحراك الشعبيّ قد يزداد زخماً وضغطاً على الحكومة، مع الاختلاف أو الاتّفاق إن كانت غاياته سياسيّة أو مطلبيّة مشروعة، إلّا أنّه سيضع عبد المهدي تحت الضغط المكثّف.
شكّلت البصرة ومنذ عام 2015 نقطة الانطلاق الحقيقيّ للحراك الاحتجاجيّ في البلاد، وكانت وما زالت تظاهرات بغداد وكأنّها صدى لتظاهرات البصرة، إلّا أنّ هناك ما يميّز تظاهرات المحافظة الجنوبيّة الغنيّة بالنفط، وهي أنّها تظاهرات تقاد بنسبة كبيرة منها من قبل نشطاء مستقلّين، على عكس تظاهرات بغداد التي يدعو إليها ويتحكّم بها زعيم التيّار الصدريّ الصدر.
إنّ تظاهرات البصرة هذه المرّة قد تمتدّ إلى وقت أطول ممّا كانت عليه في الأعوام الماضية، وقد تشهد رفع شعارات لم ترفع سابقاً، منها إسقاط الحكومة أو التنديد بالنظام السياسيّ في شكل عامّ، وهذا ما يميّزها عن سابقاتها كونها دخلت من العموم إلى التفاصيل.
في المحصّلة، ستكون حكومة عبد المهدي أمام اختبار حقيقيّ في تظاهرات البصرة، فما فشل به سلفه حيدر العبادي عندما إعتدى على المتظاهرين في العام الماضي، قد يتورّط به هو الآخر، وهو ما سيجعله أمام معارضة حقوقيّة دوليّة تضاف إلى المعارضتين السياسية والشعبيّة الداخليّتين.
اضف تعليق