تؤشّر زيارة الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني الأخيرة إلى بغداد إلى أنّ طهران في صدد تغيير طبيعة علاقاتها مع بغداد من الجانب العسكريّ إلى الاقتصاديّ، حيث تتّجه نحو تكوين علاقات اقتصاديّة عالية المستوى تساعدها في تجاوز العقوبات الأميركيّة، إلّا أنّ الصراع القائم في المنطقة يجعل من...
بقلم: عمر ستار
تؤشّر زيارة الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني الأخيرة إلى بغداد إلى أنّ طهران في صدد تغيير طبيعة علاقاتها مع بغداد من الجانب العسكريّ إلى الاقتصاديّ، حيث تتّجه نحو تكوين علاقات اقتصاديّة عالية المستوى تساعدها في تجاوز العقوبات الأميركيّة، إلّا أنّ الصراع القائم في المنطقة يجعل من الصعوبة بمكان تصديق فكرة تخلّي طهران عن سياستها العسكريّة.
فيما تواصل الإدارة الأميركيّة سياستها بتجريم فصائل في الحشد الشعبيّ العراقيّ ووضعها على لائحة الإرهاب بحجّة ارتباطها الوثيق بإيران، كشفت تقارير محلّيّة عن توجّه إيراني لسحب الملفّ العراقيّ من الحرس الثوريّ الإيرانيّ وتسليمه إلى وزارة الخارجيّة.
يهدف التحوّل في السياسة الإيرانيّة إلى تحقيق جملة من القضايا المهمّة، ولعلّ أبرزها حماية الحشد الشعبيّ الذي يسعى إلى التحوّل إلى مؤسّسة أمنيّة كاملة الأركان، خصوصاً أنّ واشنطن اشترطت صراحة على السلطات الإيرانيّة إيقاف دعم الفصائل المسلّحة في العراق، وذلك ضمن شروطها الـ12 التي عرضتها في تشرين الثاني/نوفمبر2018 مقابل رفع العقوبات، ومنذ ذلك الحين بدأ الجدل بين التيّار الإيرانيّ المتشدّد والتيّار الإصلاحيّ حول أسباب الخروج من أزمة العقوبات وسبله، ولعلّ استقالة وزير الخارجيّة جواد ظريف في 26 شباط/فبراير الماضي كانت بسبب احتجاجه على سيطرة أجهزة الوليّ الفقيه (المرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة علي خامنئي) على ملفّ السياسة الخارجيّة الإيرانيّة، وإنّ عدوله عن تلك الاستقالة كانت نتيجة لموافقة المرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة على سحب يد الحرس الثوريّ الإيرانيّ من إدارة الملفّات الخارجيّة، ومنح حكومة الرئيس حسن روحاني صلاحيّات أوسع لمعالجة العلاقات الخارجيّة لطهران وتطويرها، الأمر الذي كان، على ما يبدو، محلّ ترحيب المرجع الشيعيّ الأعلى في العراق علي السيستاني والذي وافق على لقاء روحاني في منزله في محافظة النجف، بعد رفضه مرّات عدّة لقاء قائد فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليماني.
وحرص الرئيس الإيرانيّ روحاني خلال زيارته الأخيرة إلى العراق والتي امتدّت من 11 وحتّى 13 آذار/مارس الجاري على لقاء معظم القيادات العراقيّة، ومن بينها قيادات الحشد الشعبيّ المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع سليماني، وعلى رأسها فالح الفيّاض ومساعده أبو مهدي المهندس. وقال روحاني أثناء اللقاء إنّ "الحشد الشعبيّ له دور مهمّ للغاية في تعزيز التضامن الوطنيّ في العراق"، وأشاد بـ"بطولات الحشد الشعبيّ وتضحياته في مسار مكافحة الإرهاب وإرساء الأمن والاستقرار في العراق"، مبيّناً أنّ "محاربة الإرهابيّين في العراق تحقّقت بواسطة بطولات الشعب العراقيّ وكانت فخراً للمسلمين والعالم الإسلاميّ".
بدوره، اعتبر رئيس هيئة الحشد الشعبيّ فالح الفيّاض بأنّ "زيارة رئيس الجمهوريّة الإسلاميّة إلى العراق هامّة وتندرج في إطار مصالح شعبي البلدين"، موضحاً أنّ "تطوير العلاقات والتعاون بين إيران والعراق يمهّد الأرضيّة لتطوّرات كبيرة في المنطقة".
وبحسب وسائل إعلام عراقيّة، فإنّ "قائد فيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ سليماني زار العراق برفقة الرئيس روحاني والتقى بقادة سياسيّين وحثّهم على الإسراع في إكمال تشكيل الكابينة الوزاريّة لحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وعدم الانجرار إلى قتال شيعيّ-شيعيّ تخطّط له أميركا، كما أبلغ القوى السياسيّة الشيعيّة بوجود حراك ولوبي أميركيّ-إسرائيليّ-عربيّ لإضعاف الحشد الشعبيّ وفصائل المقاومة الإسلاميّة، تمهيداً للعمل على تجريمها، وقال لهم إنّ طهران لن تسمح بتفكيك الحشد الشعبيّ أو حلّه أو إضعافه أو تجريمه مهما كلّف الأمر".
وحاول "المونيتور" معرفة تفاصيل اللقاء بين روحاني والفيّاض، في ظلّ المتغيّرات المتوقّعة في العلاقة بين بغداد وطهران، من خلال مصدر مطّلع فضّل عدم ذكر اسمه، قال إنّ "الوفد الإيرانيّ برئاسة روحاني لم يبلغ قادة الحشد الشعبيّ رسائل خاصّة واللقاء كان بروتوكوليّاً ولم يتضمّن أيّ محادثات سرّيّة"، مؤكّداً وجود سيلماني في العراق أثناء زيارة روحاني إلى بغداد، معتبراً أنّ "سليماني قدّم الكثير من الدعم إلى القوّات العراقيّة في حربها على إرهاب "داعش"، وصيغة الدعم والتعاون مع دول الجوار تحدّدها الحكومة العراقيّة وحسب".
إلّا أنّ بيان المرجع الشيعيّ الأعلى السيستاني عقب لقائه الرئيس الإيرانيّ روحاني، أوضح مناقشته مستقبل الفصائل المسلّحة في العراق مع الوفد الإيرانيّ، وحدّد السيستاني في حديثه مع روحاني بحسب البيان أهمّ التحدّيات التي يواجهها العراق في هذه المرحلة، وقال إنّها "مكافحة الفساد وتحسين الخدمات العامّة وحصر السلاح في يد الدولة وأجهزتها الأمنيّة"، مبدياً أمله في أن تحقّق الحكومة العراقيّة تقدّماً مقبولاً في هذه المجالات".
ومعروف أنّ السيستاني كان قد أصدر في عام 2014 ما عرف بـ"فتوى الجهاد الكفائيّ" لمواجهة تنظيم "داعش" الذي اجتاح الموصل في ذلك العام وتشكّل على أساسها الحشد الشعبيّ، على الرغم من أنّ السيستاني لم يستخدم مصطلح الحشد الشعبيّ في وصف الأشخاص الذين استجابوا لفتواه، بل وصفهم بـ"المتطوّعين" طوال السنوات الماضية، ويرجّح بعض الأوساط الشيعيّة أن يصدر السيستاني فتوى جديدة ينهي فيها الجهاد بعدما تحرّرت البلاد من "داعش".
وبصرف النظر عن تأثير تلك الفتوى على مستقبل الحشد الشعبيّ وما أراده روحاني من السيستاني وباقي القيادات العراقيّة، فإنّ إيران لن تتخلّى عن حلفائها في المنطقة وعلى رأسهم الحشد الشعبيّ والأحزاب الموالية لها، خصوصاً في وقت تسعى واشنطن إلى إضعاف طهران قبل جرّها إلى حوار جديد في شأن ملفّها النوويّ.
وتحوّل الملفّ العراقيّ من يد أجهزة المرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة آية الله خامنئي (الحرس الثوريّ الإيرانيّ) إلى المؤسّسات الحكوميّة (وزارة الخارجيّة)، لن يغيّر في طبيعة العلاقة بين العراق وإيران أو يؤثّر على الأوضاع الداخليّة في البلدين، باستثناء تطوير العلاقات التجاريّة والاقتصاديّة إلى الحدّ الذي يخفّف وطأة العقوبات الأميركيّة على طهران والتي كانت السبب الرئيسيّ وراء الصراع بين التيّار المتشدّد والتيّار الإصلاحيّ داخل إيران، حيث يرى الأخير أنّ الجناح المتشدّد هو المسؤول عن انسحاب واشنطن من الاتّفاق النوويّ وعودة العقوبات، بعدما طغى الطابع العسكريّ على علاقات طهران بدول الجوار ولا سيّما العراق، فيما تسعى الحكومة الإيرانيّة إلى استبدال تلك الصورة النمطيّة في علاقاتها الإقليميّة، ولو في بصورة جزئيّة تمكّنها من التأثير على الرأي العامّ الدوليّ والالتفاف على العقوبات الاقتصاديّة.
اضف تعليق