الحرب هي صغار يموتون وشيوخ يتكلّمون، هذا ما قاله الممثّل الأميركيّ شون بن في تجسيده دور أوديسيوس في الرائعة السينمائيّة طروادة، وربّما لم يكن يعلم أنّ حكمته ربما تنطبق بعد تعديلها تعديلاً بسيطًا على ألعاب الحروب الافتراضيّة مثل PUBG التي حوّلها الشيوخ من علماء الأزهر...
بقلم احمد فؤاد
طالب بعض أعضاء مجلس النوّاب المصريّ بحجب لعبة PUBG التي يمارسها ملايين من الشباب المصريّين على هواتفهم الذكيّة، بعدما تسبّبت اللعبة في جريمة قتل دفعت بعض علماء الأزهر إلى تحريمها. وعلى الرغم ممّا سبق، لا يزال العديد من المصريّين على حالتهم، يمارسون اللعبة من دون تردّد بعد موقفي البرلمان والأزهر.
"الحرب هي صغار يموتون وشيوخ يتكلّمون"، هذا ما قاله الممثّل الأميركيّ شون بن في تجسيده دور أوديسيوس في الرائعة السينمائيّة طروادة (2004)، وربّما لم يكن يعلم أنّ حكمته ربما تنطبق بعد تعديلها تعديلاً بسيطًا على ألعاب الحروب الافتراضيّة مثل PUBG التي حوّلها الشيوخ من علماء الأزهر وأعضاء مجلس النوّاب إلى مادّة للحوار والجدل تحت شعار "PUBG هي صغار يلعبون وشيوخ يتكلمون".
فقد تزعّم عضو لجنة الاتّصالات في البرلمان أحمد بدوي عدداً من النوّاب للمطالبة بحجب اللعبة في مصر، حيث قال، في بيان في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، إنّه تقدّم بطلب إلى رئيس مجلس النوّاب لمناشدة الجهاز القوميّ للاتّصالات بحجب اللعبة في مصر لما تقوم به من تشجيع على ممارسة العنف، واعتبر أنّها تندرج تحت مسمّى "حروب الجيل الرابع على المنطقة العربيّة"، بحسب قوله، مشيراً إلى أنّ اللعبة تشكّل خطراً على المراهقين وتزيد من حالات العنف في المجتمع.
وكان ذلك بعدما أعلنت وزارة الداخليّة، في بيان في 25 تشرين الثاني/نوفمبر، أنّها تمكّنت من التوصّل إلى مرتكب جريمة قتل مدرّسة داخل مسكنها في الإسكندرية، وهو أحد طلّابها، وأعلنت الداخليّة أنّها توصّلت إلى الأسباب والدوافع وراء الجريمة والتي تمثّلت في انفعال الطالب نتيجة منع المدرّسة له من ممارسة لعبة PUBG أثناء تلقّيه الدرس.
ونشرت بعض الصحف ووكالات الأنباء، يوم 12 ديسمبر، إن الصين قامت بحظر ومنع لعبة PUBG بعد أن أعلنت الجمعية الصينية للصوتيات والمرئيات والنشر الرقمي إن "العقلية الشبيهة بالمحارب في اللعبة منحرفة عن القيم الاشتراكية وتعتبر ضارة بالنسبة للمستخدمين الصغار".
PUBG لعبة للهواتف الذكيّة يمارسها ملايين من الشباب المصريّين، تعمل عن طريق تصويب اللاعب أو المستخدم سلاحه الافتراضيّ في اللعبة على الجسم الافتراضيّ للاعب آخر، ويصل عدد اللاعبين في كلّ ساحة معركة افتراضيّة إلى 100 لاعب أو 100 فريق بحسب الأسلوب الذي يتمّ اختياره لبدء اللعب، على أن يكون الفائز هو اللاعب أو الفريق الناجي الأخير.
وسبقت الجدل البرلمانيّ في مصر تصريحات صحافيّة من أستاذ الشريعة والفقه المقارن في جامعة الأزهر أحمد كريمة إلى موقع مصراوي، في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث قال فيها إنّ ممارسة لعبة PUBG حرام شرعاً استناداً إلى القاعدة الفقهيّة "ما أدّى إلى حرام فهو حرام"، مشيراً إلى أنّ اللعبة أدّت إلى عدوانيّات وإيذاء بالقتل أو الجرح، ولذلك تعدّ من المحرّمات.
وفي بيان في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، جرّم مركز الأزهر العالميّ للفتوى الإلكترونيّة ممارسة اللعبة واقتنائها، استناداً إلى حرمتها، لما فيها من ضرر للأفراد والمجتمع، وقدّم البيان عدداً من النصائح للأسر والمعلّمين وعلماء الدين والشباب للحدّ من خطورة اللعبة.
ولكن يبدو أنّ الأزهر انقسم على نفسه في ما يخصّ اللعبة، حيث كان موقف وكيل مشيخة الأزهر صالح عبّاس مغايراً لموقف مركز الأزهر العالميّ للفتوى الإلكترونيّة وكريمة، وقال في تصريحاته إلى "المونيتور" إنّ الرأي الفقهيّ بتحليل لعبة PUBG أو تحريمها أو في أيّ قضيّة جدليّة لا بدّ وأن يكون آخر الحلول التي يلجأ إليها المجتمع.
وأشار إلى أنّ الجدل حول اللعبة هو قضيّة علميّة في المقام الأوّل "حيث يحدّد العلم إذا كانت ضارّة أم غير ضارّة والحدود الآمنة لاستخدامها"، بحسب تصريحاته، وأنّه قضيّة قانونيّة في المقام الثاني، "حيث يحدّد القانون إذا كانت في اللعبة مخالفة له أم لا"، وفقاً له، مضيفاً أنّ ما صدر عن مركز الأزهر العالميّ للفتوى الإلكترونيّة لم يتعدّى مجرّد نصائح للشباب والأسرة والمعلّمين، وليس فتوى بالمعنى التقليديّ.
إنّ رأي بدوي ليس وحده السائد في البرلمان، حيث قال عضو لجنة الإسكان في مجلس النوّاب محمّد اسماعيل لـ"المونيتور" إنّ هناك العديد من المخاطر والجوانب السلبيّة لتكنولوجيا المعلومات وتطوّرها، بما فيها الألعاب الإلكترونيّة وإنّه على الدولة أن توفّر حملات توعية للأسرة والشباب بتلك المخاطر عن طريق وضعها في المناهج الدراسيّة على سبيل المثال، لأنّ الحجب ليس حلاً، "فكلّما حجبت لعبة مضرّة ظهر غيرها، ومن يقيّم مدى خطورتها وضرورة حظرها هو الجهات المختصّة، متمثّلة في المجلس القوميّ للاتّصالات".
فيما قال مصدر في المجلس القوميّ للاتّصالات، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور" إنّ المجلس لم يتسلّم مطالبة رسميّة من البرلمان بعد بمخاطبة شركتي "جوجل" و"أبل" لحجب اللعبة عن المستخدمين المصريّين، مشيراً إلى أنّ المجلس لا يتّخذ قراراته في ضوء مطالبات البرلمان أو الأزهر فقط، ولكن في ضوء بحث وتقييم عن طريق فريق من الباحثين التابعين إلى المجلس لتقرير مدى ضررها ومدى ضرورة حظرها.
فيما قال خبير أمن تكنولوجيا المعلومات ومقدّم برنامج Tech Talk على فضائيّة القاهرة والناس محمّد جندي لـ"المونيتور" إنّ الجدل على لعبة PUBG هو نفسه الجدل الذي ثار منذ أشهر عدّة حول لعبة الحوت الأزرق، مشيراً إلى أنّ أيّ مطالبات بحظر اللعبة لدى شركتي "أبل" و"جوجل" لن تفلح في حجب اللعبة، وأوضح أنّ مثل تلك الألعاب تشكّل خطورة في المجتمعات التي يعاني فيها الشباب من الاكتئاب أو التطرّف أو الميل إلى العنف أو انعدام الوعي، وأنّه على المسؤولين مكافحة تلك الظواهر التي ستظلّ مشكلة اجتماعيّة حتّى لو حجبت اللعبة.
وعلى الرغم ممّا سبق من جدل، لا يزال الآلاف من الشباب والطلّاب يمارسون اللعبة في المقاهي والمنازل، متجاهلين فتاوى الأزهر وتحذيرات مجلس النوّاب.
اضف تعليق