يحاول حزب الدعوة الإسلاميّة لملمة صفوفه من جديد وإجراء مراجعات شاملة لمسيرته السياسيّة، بعدما فقد رئاسة الوزراء للمرّة الأولى منذ 14 عاماً، لكنّ عقبات كثيرة قد تحول دون عودة الحزب كما كان في السابق، وأبرزها التنافس الكبير بين زعيمه نوري المالكي وحيدر العبادي، وتراجع شعبيّته...
بقلم عمر ستار
يحاول حزب الدعوة الإسلاميّة لملمة صفوفه من جديد وإجراء مراجعات شاملة لمسيرته السياسيّة، بعدما فقد رئاسة الوزراء للمرّة الأولى منذ 14 عاماً، لكنّ عقبات كثيرة قد تحول دون عودة الحزب كما كان في السابق، وأبرزها التنافس الكبير بين زعيمه نوري المالكي وحيدر العبادي، وتراجع شعبيّته وظهور قوى كثيرة منافسة.
للمرّة الأولى منذ عام 2005، يجد حزب الدعوة الإسلاميّة نفسه بعيداً عن رئاسة الحكومة الاتّحاديّة في العراق، وتراجع عدد نوّابه في البرلمان الجديد بنحو 20 مقعداً، مقارنة بالانتخابات السابقة التي جرت في عام 2014 والتي سجّلت أكبر انشقاق غير رسميّ عصف بالحزب قاده حيدر العبادي.
وتولّى أمين عام حزب الدعوة الإسلاميّة السابق ابراهيم الجعفري رئاسة الحكومة الموقّتة بين عامي 2005 و2006، قبل أن يتولّى المنصب لـ8 سنوات خلفه أمين عام حزب الدعوة الإسلاميّة الحاليّ نوري المالكي للفترة بين عامي 2006 و2014، وفي آب/أغسطس 2014، تولّى حيدر العبادي رئاسة الحكومة.
ولعلّ تزعّم رئيس الوزراء المنتهية ولايته العبادي قائمة النصر الانتخابيّة، مقابل ترأّس الأمين العامّ للحزب المالكي قائمة دولة القانون، ودخول كلّ منهما في تحالف مختلف لتشكيل الكتلة الأكبر، كانت السبب الأبرز في خسارة الحزب رئاسة الوزراء لصالح مرشّح التسوية عادل عبد المهدي، خصوصاً وأنّ ذلك تطلّب عدم دخول حزب الدعوة الإسلاميّة الانتخابات، بحسب قانون المفوّضيّة العليا للانتخابات، حيث لا يسمح دخول حزب واحد في الانتخابات ضمن قائمتين انتخابيّتين.
أكّد القياديّ في حزب الدعوة الإسلاميّة حسن السنيد لـ"المونيتور" أنّ "هنالك دعوات من قبل قيادات حزب الدعوة الإسلاميّة لعقد مؤتمر عاجل، بهدف توحيد الصفّ الداخليّ وانتخاب أمانة جديدة للحزب، لكنّ وقت عقد المؤتمر لم يحدّد بعد كون المسؤول عن ذلك لجنة تحضيريّة، لكنّها لم تحدّد تاريخ عقد المؤتمر حتّى الآن".
وعن دور الحزب في تشكيل الحكومة المقبلة، قال السنيد إنّ "حزب الدعوة الإسلاميّة سيكون مشاركاً فاعلاً في حكومة عبد المهدي وسيكون له وزراء، وكلاء وزراء وسفراء، وسوف لن يلجأ إلى خيار المعارضة وسيدعم عبد المهدي في مهمّته الجديدة". وأشار إلى أنّ "حزب الدعوة منح عبد المهدي حرّيّة اختيار الأشخاص في تولّيهم الحقائب الوزاريّة، ولم يتدخّل في فرض أيّ اسم من أعضائه في تولّي منصب تنفيذيّ".
ويرى مراقبون أنّ خسارة الحزب في البرلمان والحكومة تعود إلى فشله في إدارة البلاد وتحمّل مسؤوليّة الأوضاع الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة الراهنة، لكنّ قيادات الدعوة الإسلاميّة ترى أنّ الحزب لم يكن يدير العراق بمفرده بل كان ضمن ائتلافات حكوميّة كبيرة شملت جميع القوى المشاركة في البرلمان السابق، بحسب عضو الحزب جاسم محمّد جعفر الذي قال لـ"المونيتور" إنّ "حزب الدعوة الإسلاميّة لم يكن لديه وزراء في السنوات الماضية، وكان فقط على رأس الحكومة، لذا فإنّه لا يرى ضرراً داخليّاً عليه بعد خروجه من تلك الرئاسة، وهو أمر طبيعيّ في العمليّة السياسيّة، لذا سيشارك الحزب في الحكومة الجديدة".
ولفت جعفر إلى أنّ "حزب الدعوة الإسلاميّة كأيّ حزب آخر، سيجري مراجعة علميّة للظروف الأخيرة التي مرّت به، وخصوصاً بعد دخول أعضائه في قائمتين في الانتخابات الأخيرة، بهدف التوحّد داخل البرلمان". وأقرّ جعفر بأنّ "التوحّد بين قائمتي المالكي والعبادي لو حصل في وقت مبكر، لاختلف وضع الحزب في مفاوضات تشكيل الحكومة".
وكان الاجتماع الأخير الذي عقد لقيادة حزب الدعوة الإسلاميّة في 22 أيلول/سبتمبر الماضي فشل في دمج كتلتي العبادي (النصر) والمالكي (دولة القانون) أو الاتّفاق على مرشّح واحد لرئاسة الوزراء، وذلك قبيل اتّفاق تحالفي الإصلاح والبناء على تسمية عبد المهدي مرشّح "تسوية لرئاسة الوزراء"، حتّى أنّ بعض أعضاء الحزب، بينهم القياديّ البارز عبد الحليم الزهيري، أصدروا بياناً اعتبروا فيه أنّ كلّا من المالكي والعبادي يتحمّلان "ضعف حزب الدعوة الإسلاميّة"، وأهمّ ما جاء فيه: "أخ القانون (المالكي) ذهب الى "الفتح" وسار أخ النصر (العبادي) خلف "سائرون"، ونحن نذهب إلى أخينا هذا مرّة، ونعود إلى الثاني مرّة أخرى من أجل التقارب والالتحام، وتنازلنا إلى التحالف بينهما، فلم نجد آذاناً صاغية وخصوصاً من الأخ العبادي، وآلت الأمور إلى ما نحن فيه الآن، واتّفق خصماء السياسة (الفتح وسائرون) على أشلاء الدعوة (النصر ودولة القانون)".
لكنّ العبادي ردّ في بيان، على بيان قادة حزب الدعوة الإسلاميّة، في ما أكّد أنّه حملة للتسقيط.
وذكر العبادي، في بيانه: "أستغرب من البيان المؤسف للأخوة الثلاثة (عبد الحليم الزهيري وصادق الركابي وطارق نجم) سددهم الله، والذي يجانب الحقائق ويثير أكثر من علامة استفهام عن توقيته ونشره في المواقع ضمن الحملة المنظّمة لتسقيطنا وتسقيط باقي الدعاة".
والحال، فإنّ انشقاقاً جديداً في حزب الدعوة الإسلاميّة أمر وارد الحدوث، خصوصاً وأنّ رئيس الوزراء المنتهية ولايته العبادي بات في ائتلاف برلمانيّ هو الإصلاح، بعيد في التوجّهات والشعارات عن ائتلاف المالكي البناء، ومن المستبعد أن يلعب دوراً ثانويّاً من جديد تحت قيادة المالكي.
غير أنّ الحزب كمؤسّسة، على الرغم من خسارته بعض المواقع الرئيسيّة، سيبقى مؤثّراً وفاعلاً داخل الحكومة وخارجها، ذلك أنّه يمتلك الكثير من المدراء والمسؤولين في المؤسّسات والدوائر الحكوميّة والمستقلّة وفي الإدارات المحلّيّة، ويرى البعض أنّه يشارك بقوّة في ما يعرف بـ"الدولة العميقة" في العراق.
ويبقى السؤال الذي ستجيب عنه السنوات المقبلة، وهو مدى تأثّر شعبيّة حزب الدعوة الإسلاميّة بعد مغادرته سدّة الحكم، لا سيّما وأنّ الأصوات التي كان يحصل عليها في كلّ انتخابات كانت نتيجة لشعبيّة قادته، المالكي أو العبادي، فهو حزب نخبويّ وليس شعبيّاً، ولم يكن يمتلك قاعدة جماهيريّة واسعة قبل عام 2005.
اضف تعليق