q
أشارت المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان (مؤسّسة وطنيّة) في بيان أصدرته إلى أنّها وثّقت ارتفاع معدّلات الملوحة في كلّ مناسيب المياه المغذّية لشطّ العرب، وانحسار المياه في الأنهر المغذّية للمناطق السكنيّة، وزيادة الملوّثات الكيميائيّة والبيولوجيّة في شطّ العرب بسبب مخلّفات المصانع ومياه المجاري وعدم وجود محطّات...
بقلم مصطفى سعدون

 

تسبّبت المياه الملوّثة، التي تصل إلى محافظة البصرة، بتسمّم الآلاف من السكّان هناك، فيما بقيت الحكومة العراقيّة من دون أيّ موقف يساعد المواطنين على التخلّص من أزمتهم.

يظهر في هذا الفيديو صوت مواطن من محافظة البصرة - جنوبيّ العراق، وهو يضحك ساخراً على ما يخرج من أنبوب الماء، وعلّق متسائلاً: "كيف للعراقيّين أن يستمرّوا في البقاء على قيد الحياة، وهم يشربون هذه المياه؟".

في هذا الفيديو، لا تشاهد المياه بشكلها الطبيعيّ، إذ أنّ المادّة السائلة التي تخرج كأنّها نفط أسود، وليست مياهاً صالحة للاستخدام البشريّ. وسألت رؤى الفريجي، وهي مواطنة من البصرة، خلال حديث لـ"المونيتور": "أهذه المياه التي كُنّا نشربها؟"

وأشارت المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان (مؤسّسة وطنيّة) في بيان أصدرته بـ28 آب/أغسطس من عام 2018 إلى أنّها وثّقت ارتفاع معدّلات الملوحة في كلّ مناسيب المياه المغذّية لشطّ العرب، وانحسار المياه في الأنهر المغذّية للمناطق السكنيّة، وزيادة الملوّثات الكيميائيّة والبيولوجيّة في شطّ العرب بسبب مخلّفات المصانع ومياه المجاري.

ووثقت المفوضيّة أيضاً عدم وجود محطّات تحلية قادرة على حلّ مشكلة محافظة البصرة، وقالت: "إنّ المحطّات الصغيرة بغالبيّتها متوقّفة عن العمل، نظراً لعدم وجود صيانة لإكمالها وقلّة طاقتها الاستيعابيّة".

وكان قد أصيب حتّى 28 آب/أغسطس من عام 2018 أكثر من 17 ألف مواطن من سكّان محافظة البصرة بالمغص المعويّ والإسهال والتسمّم بسبب تلوّث المياه في المحافظة. وإنّ هذه الإحصائيّة، التي أعلنتها مديريّة الصحّة في محافظة البصرة عبر مديرها رياض عبد الأمير، أجريت بين 12 و28 من آب/أغسطس، بمعدّل ألف و75 إصابة كلّ يوم تقريباً.

وتعاني البصرة من تلوّث كبير في ملف المياه، وهي المدينة التي عرفت منذ أوقات سابقة بمياهها المالحة ومعاناتها من التلوّث المحيط بها سواء أكان في ملف المياه أم الطاقة أم الغذاء أم حتّى الصحّة.

وفي 28 آب/أغسطس، قال رئيس الحكومة حيدر العبادي خلال مؤتمره الصحافيّ الأسبوعيّ: "كلّفنا فريقاً حكوميّاً عالي المستوى للاطّلاع على مستوى حاجة البصرة من المياه ونسبة التلوّث الحاصلة فيها واتّخذنا قرارات مهمّة بشأن ذلك".

واتّضح من خلال حديث حيدر العبادي أنّ الإجراءات الحكوميّة المتّخذة تجاه أزمة البصرة لا ترتقي إلى حجم ما يعانيه السكّان، خصوصاً أنّ تلك الإجراءات افتقدت إلى خطط الاستجابة العاجلة لمثل هكذا ظروف.

وتتركّز الإصابات في المناطق التي تحصل على مياهها من "شطّ العرب"، ونتجت حالات التسمّم نتيجة الملوحة العالية التي يعاني منها "الشطّ"، الذي يغذّى من نهريّ دجلة والفرات والقنوات المائيّة التي تصل إلى منازل المواطنين.

وقال محافظ البصرة أسعد العيداني في تصريح صحافيّ: "إنّ المياه الموجودة في البصرة غير صالحة للاستخدام البشريّ، وإنّ الخدمات التي وعد بتقديمها رئيس الحكومة حيدر العبادي من خلال إطلاق الأموال للبصرة لم تقدّم إلى المواطنين حتّى الآن".

أضاف: "إنّ شبكة المياه في محافظة البصرة لم تجدّد منذ 30 عاماً، وهي تتداخل مع شبكات المجاري التي تعتبر هي الأخرى قديمة وتذهب مياهها إلى شطّ العرب".

وفي 17 آب/أغسطس، بثّ ناشطون من محافظة البصرة مقطع فيديو لأحد أنابيب المياه الذي يصل إلى المنازل وتظهر فيه حشرات زاحفة لا يعرف اسمها، ووثّق السكّان هناك أيضاً بواسطة هواتفهم النقّالة درجات تلوّث المياه التي تحوّلت إلى اللون الزيتونيّ.

وفي 25 آب/أغسطس، وثّق المرصد العراقيّ لحقوق الإنسان (منظّمة غير حكوميّة) 7 آلاف إصابة من 12 آب/أغسطس حتّى الـ20 منه، وقال حينها في تقرير أصدره عن البصرة: "إنّ الخدمات الصحيّة المقدّمة في مستشفيات البصرة لا تسدّ حاجة 15 في المئة من المرضى المصابين بالتسمّم، والذين افترشوا الأرض، ولم يتلقّوا العلاج".

من جهتها، أشارت النائبة السابقة عن محافظة البصرة فاطمة الزركاني في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "حالات التسمّم بالآلاف، وأوضاع السكّان صارت صعبة بسبب تلوّث المياه. وعلى الحكومة القيام بواجباتها تجاههم"، وقالت: "إنّ الناس شربوا المياه الملوّثة ودخلت السموم إلى أجسادهم بسبب الإهمال الحكوميّ وعدم وجود حلول لمعاناتهم الموجودة منذ سنوات وتفاقمت الآن. إنّ الوضع في البصرة مأسويّ جدّاً".

وحاولت وزيرة الصحّة العراقيّة عديلة حمود التقليل من حجم "الكارثة" التي تشهدها البصرة، لافتة إلى أنّ الإصابات لم تتجاوز الإسهال والمغص، وأنّ المصابين 1500 شخص فقط، بينما كانت إحصائيّة مديريّة الصحّة في البصرة ومفوضيّة حقوق الإنسان قد أشارت إلى أنّ العدد تراوح بين 17 و18 ألف إصابة.

إنّ البصرة، التي تشهد أكبر حركة احتجاجيّة في العراق منذ عقود، خفّت احتجاجاتها بسبب أزمة التلوّث، لكنّها عادت لتكون في الوقت ذاته حافزاً نحو التحشيد لحراك احتجاجيّ أكبر، إذ اقتحم المئات في 26 آب/أغسطس مديريّة الصحّة في البصرة، احتجاجاً على سوء الخدمات الصحيّة المقدّمة إلى المصابين.

ومنذ 12 آب/أغسطس، اكتظّت مستشفيات البصرة بالمصابين بالتلوّث، وإنّ عدداً كبيراً منهم أصيب بأمراض معويّة وجلديّة، بينما كانت هناك إصابات كثيرة لم تتمكّن من الحصول على العلاج بسبب عدم تمكّن المستشفيات من تقديم الخدمة الصحيّة إلى الآلاف منهم.

إنّ أعداد المصابين بالتسمّم ترتفع يوميّاً في محافظة البصرة، فمستشفى "أبي الخصيب" وحده يستقبل يوميّاً 400 مصاب، وهذا رقم كبير إذا ما قورن بالنسمة السكانيّة لمحافظة البصرة، والتي يبلغ تعداد سكّانها نحو مليون ونصف مليون نسمة.

وأشارت إحصائيّات مديريّة الرقابة الصحيّة في محافظة البصرة إلى أنّ نسبة التلوّث في مياه المحافظة خطيرة جدّاً، فالتلوّث الكيميائيّ بمياه الإسالة بلغ 100 في المئة، والتلوّث الجرثوميّ 50 في المئة.

في المحصّلة، إنّ محافظة البصرة التي تغذّي العراق بعشرات المليارات من الدولارات سنويّاً، "يشرب سكّانها المياه من السيّارات الحوضيّة والمخصّصة غالبيّتها لنقل نفايات المجاري"، بحسب المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان - العراق.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق