إنتاج العراق من الأرزّ للموسم 2017 قد قدّر بأكثر من 100 ألف طن، وهو يعدّ في مقدّمة الدول العربيّة المنتجة لأنواع عدّة من الأرزّ، منها النكازة في شمال العراق. أمّا في جنوب العراق فيزرع صنف العنبر، وهو من أفضل الأنواع وأطيبها، ويمتاز برائحته العطرة التي...
عدنان أبو زيد
يقلّص العراق زراعة مساحات واسعة من الأراضي، ويمنع زراعة محاصيل استراتيجيّة تعتبر مصدر رزق للمزارعين، مثل الأرزّ والذرة، بسبب النقص الحادّ في مياه الريّ.
نظّم مزارعو نبات الأرزّ في مناطق الصلاحيّة والمهناويّة وقضاء الشاميّة في محافظة الديوانيّة مظاهرات في 25 حزيران/يونيو من عام 2018، حمل فيها المتظاهرون تابوتاً فيه فلاّحاً يحمل فأسه، في إشارة رمزيّة إلى موت الزراعة في تلك المناطق بسبب الجفاف.
تظاهرات الفلاّحين في 24 حزيران/يونيو من عام 2018، كانت احتجاجاً على قرار وزارة الزراعة في 17 حزيران/يونيو من عام 2018 القاضي بمنع زراعة 8 محاصيل صيفيّة، هي: الأرزّ والذرة الصفراء والبيضاء والسمسم والقطن والدخن وزهرة الشمس والماش من الخطّة الصيفيّة، بسبب تدنّي إيرادات نهريّ دجلة والفرات.
كما صدر قرار حكوميّ في 12 حزيران/يونيو من عام 2018 قضى بتعليق زراعة محصول الشلب في محافظة الديوانيّة المشهورة بزراعة هذا المنتج الغذائيّ المهمّ، نتيجة الشحّة المائيّة وقلّة التصاريف الواردة إلى الأراضي الزراعيّة، وتخصيصها فقط من أجل الشرب والبستنة. وقبل ذلك في عام 2017، قلّصت وزارة الزراعة المساحات المخصّصة لزراعة محصول الشلب في محافظة ذي قار (جنوب) إلى نصف المساحات المقترحة.
وكان إنتاج العراق من الأرزّ للموسم 2017 قد قدّر بأكثر من 100 ألف طن، وهو يعدّ في مقدّمة الدول العربيّة المنتجة لأنواع عدّة من الأرزّ، منها النكازة في شمال العراق. أمّا في جنوب العراق فيزرع صنف العنبر، وهو من أفضل الأنواع وأطيبها، ويمتاز برائحته العطرة التي تميّزه عن كلّ الأصناف في العالم، وكان العراق من الدول المصدّرة له قبل ثمانينيّات القرن الماضي، لكنّ هذا الغذاء الذي يعتبر وجبة غذائيّة رئيسيّة في العراق، في مقدّمة ضحايا الأزمة المائيّة، لأنّه يحتاج إلى غمره بالماء لأشهر عدّة.
يبدو أنّ ثمّة اختلافاً كبيراً في تقييم القرار بين الوزارة والفلاّح، ففي حين أشار الناطق الإعلاميّ للوزارة حميد النايف في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "الخطّة الزراعيّة تحرص على إيصال المياه إلى نحو 600 ألف دونم من الأراضي لزراعة المحاصيل الصيفيّة، مستثنية تلك التي تستهلك كميّات كبيرة من مياه الريّ، لا سيّما الشلب (الأرزّ) والذرة"، قال الفلاّح حميد السلطاني من الديوانيّة لـ"المونيتور": "إنّ هذا القرار المجحف سيضع نهاية لزراعة الأرزّ، التي تتطلّب كميّات هائلة من المياه لنحو 6 أشهر، حيث تغمر الشتلات على مساحات واسعة على شكل أحواض".
واعتبر أنّ "الوزارة لم تفكّر بمصير آلاف الفلاّحين بعد قطع مصادر أرزاقهم".
لم يستغرب حميد السلطاني قرار الوزارة، إذ قال: "إنّ الدعم الحكوميّ للقطاع الزراعيّ ضئيل إلى حدّ تسبّب في انهيار إمكانيّات المزارع العراقيّ في التصدّي لأزمات الزراعة والتسويق ودعم المنتج، وحتّى في الفترات التي أنتجنا فيها الأرزّ بكميّات كبيرة، اضطررنا إلى بيعه في أسواق القطاع الخاصّ، ولم نسوّقه إلى وزارة التجارة التي بدت مهتمّة بالأرزّ المستورد أكثر من الإنتاج المحليّ".
وأيّد رئيس الاتّحاد العام للجمعيّات الفلاحيّة التعاونيّة في العراق حيدر عبد الواحد العبادي وجهة نظر السلطاني، إذ قال لـ"المونيتور": "إنّ الوزارة سعت إلى تقليل استهلاك المياه بواسطة منع زراعة محصول الشلب، الذي هو مصدر رزق المزارعين في المحافظات الجنوبيّة، الأمر الذي سيؤدّي إلى اضطرابات اجتماعيّة واقتصاديّة، ويزيد من نسب الفقر، ويدفع بالفلاّحين إلى الهجرة نحو المدينة".
من جهته، أشار الخبير الزراعيّ والأكاديميّ عامر حبيب الخفاجي إلى أنّ "الأصناف الجيّدة للأرزّ ستتعرّض للانقراض، لا سيّما العنبر الذي يستهلكه العراقيّون وكانوا يصدّرونه إلى دول العالم، خصوصاً الخليج"، معتبراً أنّ "قرارات الوزارة في تقليص المساحات الزراعيّة ستؤدّي إلى زيادة الأراضي البور، نتيجة ترك الفلاح لها"، وقال: "بدل هذا القرار غير الصائب، كان يتوجّب إعداد المشاريع التي توفّر المياه مثل تبطين الأنهر، واعتماد تقنيّات ريّ حديثة تقلّل من المفقودات المائيّة، وتضمن استفادة قصوى من الإطلاقات المائيّة".
ويبدو أنّ مشكلة حظر زراعة أصناف معيّنة على المزارعين "ليست وليدة هذا العام"، وفق حديث نائبة رئيس اللجنة الزراعيّة في مجلس محافظة بابل سهيلة عبّاس، التي قالت لـ"المونيتور": "إنّ السنوات الخمس الماضية شهدت منع زراعة محصول الأرزّ في المناطق بين محافظتيّ بابل والنّجف بسبب قلّة المياه، وكان المزارعون يضطرّون إلى سرقة حصص المياه لإرواء حقولهم".
ولا ترجع عبّاس انخفاض مستويات الزراعة للكثير من المحاصيل، لا سيّما الصيفيّة منها "إلى الجفاف فقط، بل إلى قلّة التخصيصات المقدّمة إلى الفلاّح لشراء المبيدات والأسمدة"، لافتة إلى "الخطر الداهم من جرّاء انهيار زراعة المحاصيل، والمتمثّل في بيع الفلاّحين مزارعهم واضطرارهم إلى ممارسة مهن أخرى في المدينة لا تمّت إلى الزراعة بصلة".
وتحدّثت عضو لجنة الزراعة النيابيّة شروق العبايجي في حديث لـ"المونيتور" عن أسباب أخرى لتدهور زراعة المحاصيل، وهي "تعمّد دول إقليميّة إبقاء العراق سوقاً استهلاكيّة لمنتجاتها، ويشجّع على ذلك الفساد المهيمن على القائمين على سياسات الزراعة والتسويق في البلاد، حيث المعابر الحدوديّة الخالية من الرقابة تجعل المنتج الأجنبيّ متفوّقاً على مثيله المحليّ في مجال المنافسة في السوق".
واقترح عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابيّة النائب فرات التميمي في حديث لـ"المونيتور" حلولاً عدّة لإنعاش دور الفلاّح، "بواسطة تعويضه من جرّاء الضرر الذي لحق به من قرارات منع زراعة محاصيل معيّنة، ووضع برنامج عمليّ لتوزيع الإيرادات المائيّة على الأراضي الزراعيّة في كلّ المحافظات، بواسطة نظام ريّ حديث".
إنّ مسؤولية وزارة الريّ تكمن في إعداد مشروع إرواء بكفاءة عالية يزيد من قدرات الأرض على الإنتاج، ويحفّز الفلاّح على زرع المزيد من المحاصيل، للوصول إلى الاكتفاء الذاتيّ، لا سيّما أنّ محاصيل مثل الشلب (الأرزّ) والذرة ارتبطت بهويّة العراق الثقافيّة، وقد تميّز بها عبر مئات السنين، فضلاً عن كونها من أهمّ محاصيل الأمن الغذائيّ.
اضف تعليق