تملك القوات المسلحة المصرية عددا من الشركات والهيئات التي تعمل في مجالات السلع التموينية والاستصلاح الزراعي والاستزراع السمكي والثروة الحيوانية والمقاولات والإنشاءات وغيرها، وتتهم تلك الشركات والهيئات دوما بأنها مفضلة لدى الدولة على القطاع الخاص في الحصول على الإعفاءات الضريبية والجمركية، كما أن العديد من...
بقلم ديفيد عوض
يكشف "المونيتور" من خلال حوار أجراه مع رئيس بعثة صندوق النقد الدوليّ إلى مصر سوبير لال تفاصيل رؤية الصندوق للدور الاقتصاديّ الذي تلعبه القوّات المسلّحة المصريّة ومدى إضرار أو منفعة ذلك الدور بالاقتصاد المصريّ ومدى اتفاق ذلك الدور أو تعارضه مع سياسات الصندوق.
القاهرة – تعتزم القوات المسلحة المصرية التوسع في صناعة استخلاص المعادن من الرمال السوداء، وهي الصناعة المتوقع أن تدر مليارات الدولارات على مصر بعد أن وقعت الشركة المصرية للرمال السوداء، التابعة للقوات المسلحة، مذكرة تفاهم، يوم 18 يونيو، مع شركة صينية كبرى، لم تكشف الصحف والبيانات الرسمية عن اسمها، للاستفادة من الخبرات العالمية في ذلك المجال، رغم أن العديد من الصحف المعارضة مثل العربي الجديد وشبكة رصد قالوا في تقارير صحفية لهم أن صندوق النقد الدولي حذر الحكومة المصرية من توسع ما أسموه بـ"بيزنس المؤسسة العسكرية" وتأثيره على عدالة المنافسة مع القطاع الخاص.
وتملك القوات المسلحة المصرية عددا من الشركات والهيئات التي تعمل في مجالات السلع التموينية والاستصلاح الزراعي والاستزراع السمكي والثروة الحيوانية والمقاولات والإنشاءات وغيرها، وتتهم تلك الشركات والهيئات دوما بأنها مفضلة لدى الدولة على القطاع الخاص في الحصول على الإعفاءات الضريبية والجمركية، كما أن العديد من العاملين بها يقضون فترة تجنيد إجباري، مما يعفي المؤسسة العسكرية من دفع أجور ضخمة لهم ويعفيهم من دفع أي تأمينات اجتماعية أو صحية لهم. ولذلك، حاور "المونيتور" رئيس بعثة صندوق النقد الدوليّ إلى مصر سوبير لال للتعرّف على رأي الصندوق في توسع "بيزنس القوات المسلحة" وتأثير ذلك على برنامج الإصلاح الاقتصاديّ في مصر.
وعن موقف الصندوق من توغّل القوّات المسلّحة في قطاعات اقتصاديّة عدّة، قال سوبير لال في حوار مع "المونيتور": "إنّ سياسة صندوق النقد لا تتعارض مع النشاط الاقتصاديّ للقوّات المسلّحة المصريّة تحديداً، وإنّما تتعلّق القضيّة بدور الدولة تجاه القطاع الخاص في تأسيس اقتصاد حديث سريع النموّ، فالقطاع الخاص هو القادر على أن يكون دعامة لذلك الاقتصاد، وليس القطاع العام أو الدولة".
ويذكر أنّ موقعيّ "العربيّ الجديد" و"شبكة رصد" المؤيّدين لجماعة الإخوان والمعارضين لنظام الرئيس عبد الفتّاح السيسي، نشرا في تقريرين، بـ27 أيّار/مايو، أنّ صندوق النقد الدوليّ طالب الحكومة المصريّة بإعداد خطّة عاجلة لانسحاب القوّات المسلّحة من كلّ الأنشطة الاقتصاديّة في مصر قبل تسلّم مصر الدفعة الجديدة من قرض صندوق النقد الدوليّ، بينما قال لال: "إنّ الخطّة تتعلّق بخفض سيطرة الدولة بشكل عام، وليس القوّات المسلّحة تحديداً، على النشاطات الاقتصاديّة بما يتناسب مع الأهداف المتّفق عليها لخطّة الإصلاح الاقتصاديّ، والتي من أجلها يموّل الصندوق مصر بالقرض".
وشرح لال لـ"المونيتور" أهداف الصندوق التي تحدّث عنها بنفسه، فقال: "إنّ النموّ السكانيّ السريع في مصر، يجعل برنامج الإصلاح الاقتصاديّ فيها وصندوق النقد الدوليّ يهدفان إلى خلق 700 ألف فرصة عمل سنويّاً. وفي ظلّ ديون مصر المرتفعة، لن تتمكّن الدولة من التوسّع في استيعاب مزيد من العاملين، ولن يتحقّق ذلك إلاّ من خلال توسّع القطاع الخاص في قيادة الاقتصاد المصريّ والنموّ الاستثماريّ".
وكانت وزارة القوى العاملة والهجرة قد قالت في بيان رسميّ عن إنجازاتها في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2017: إنّ الدولة نجحت خلال ذلك العام في توفير 486 ألف فرصة عمل في سوق العمل الداخليّ بمصر من خلال شركات القطاع الخاص المصريّ.
وقال لال: "إنّ تجارب الإصلاح الاقتصاديّ في دول نامية عدّة تظهر أنّ تدخّل الدولة الزائد في المجالات الاقتصاديّة لا يؤثر على المنافسة كما يزعم البعض، لكنّه يمنع القطاع الخاص من إدراك الفرص التي تمكّنه من قيادة التنمية الاقتصاديّة وخلق فرص العمل في مجالات عدّة عندما يجد أنّ الدولة بكلّ مواردها ستكون منافسة له".
ويذكر أنّ العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعيّ اتّهموا، في 7 حزيران/يونيو، الدولة بالتدخّل لصالح شركات ومشاريع الاستزراع السمكيّ التابعة للقوّات المسلّحة المصريّة في بورسعيد، من خلال قطع المياه عن المزارع السمكيّة الخاصّة، الأمر الذي أدّى إلى نفوق الأسماك في ذلك اليوم.
وردّاً على سؤال عن دور الدولة من وجهة نظره أو من وجهة نظر صندوق النقد الدوليّ، قال: "على الدولة أن تسعى إلى تشجيع المنافسة واكتشاف وتذليل المعوقات التي تواجه المستثمرين في الحصول على الأراضي والتمويل وزيادة الشفافيّة الاقتصاديّة من خلال تطوير التشريعات والقضاء على الروتين والبيروقراطيّة وتطوير البنية التحتيّة، الأمر الذي يساعد القطاع الخاص على زيادة استثماراته وتنمية الاقتصاد وخلق فرص العمل المطلوبة".
وأشاد صندوق النقد الدوليّ بجهود القوّات المسلّحة في تطوير البنية التحتيّة، إذ اعتبر النائب الأوّل للمدير العام لصندوق النقد الدوليّ ديفيد ليبتون في ندوة بكليّة إدارة الأعمال في الجامعة الأميركيّة بالقاهرة في 8 أيّار/مايو، أنّ تدخّل القوّات المسلّحة في الاقتصاد ساهم في تطوير مشاريع البنية التحتيّة في مصر، مشيراً في السياق ذاته إلى أنّ على مصر تقليل الاستثمارات الحكوميّة عموماً في القطاعين الزراعيّ والصناعيّ مع إتاحة الفرصة بشكل أكبر في المجالين للقطاع الخاص.
وختم لال تصريحاته قائلاً: "إنّ تجارب الدول النامية السابقة تظهر أنّ اكتشاف المعوقات وتذليلها وزيادة الشفافيّة قادرة على حماية السوق المصريّة من النقص الطارئ في بعض المنتجات، الأمر الذي يدفع بالدولة إلى التدخّل دوماً لسدّ ذلك العجز".
ويذكر أنّ عبد الفتّاح السيسي قد قال في كلمة بكانون الأوّل/ديسمبر من عام 2016: إنّ مشاركة القوّات المسلّحة في الاقتصاد تأتي لمساعدة الفقراء في مواجهة غلاء الأسعار الناتج من خفض قيمة الجنيه ونقص العملات الأجنبيّة، وهو الأمر الذي أدّى في عاميّ 2015 و2016 إلى شحّ بعض المنتجات في الأسواق مثل ألبان الأطفال والسكر وغيرها من السلع.
واختلف أستاذ الاقتصاد في كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة بجامعة القاهرة فرج عبد الفّتاح مع رؤية صندوق النقد الدوليّ في خصوص دور الدولة ودور القطاع الخاص، إذ قال لـ"المونيتور": إنّ حضور الدولة في المجالات الاقتصاديّة سواء ممثلة في مشاريع وشركات القطاع العام أو مشاريع وشركات القوّات المسلّحة هو الوسيلة الوحيدة لحماية المصريّين من جشع بعض رجال الأعمال الذين يسعون إلى احتكار بعض السلع والخدمات.
ورأى رئيس قسم الاقتصاد الأسبق في جريدة "الأهرام" ممدوح الولي أنّ دخول القوّات المسلّحة الحياة الاقتصاديّة يؤدّي إلى آثار سلبيّة عدّة، وفسّر ذلك قائلاً لـ"المونيتور": "إنّ منافسة شركات القوّات المسلّحة مع شركات القطاع الخاص منافسة غير عادلة لصالح القوّات المسلّحة. كما أنّها تصرف القوّات المسلّحة عن دورها الأساسيّ، وهو الدفاع عن الوطن".
وأخيراً، أشار المستشار الاقتصاديّ لعدد من المؤسّسات الاستثماريّة خالد الشافعي في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّه يؤيّد الحريّة الاقتصاديّة التي تسمح للقطاع الخاص بالتوسّع والعدالة في المنافسة بين القطاع الخاص وشركات القوّات المسلّحة، وقال: لا يمكن للقوّات المسلّحة أن تنسحب من الحياة الاقتصاديّة الآن لأنّ ذلك سيمكّن العديد من رجال الأعمال من احتكار سلع عدّة، الأمر الذي يضرّ بالمواطن المصريّ.
وأكّد أنّ القوّات المسلّحة ستظلّ باقية في الحياة الاقتصاديّة حتّى يتمّ إصلاح المنظومة التشريعيّة الاقتصاديّة، بما يسمح بمكافحة الاحتكار ومكافحة كلّ أوجه الإضرار بالمصريّين.
اضف تعليق