يبدّد تعيين الرئيس دونالد ترامب لمايك بومبيو كوزير للخارجية وجون بولتن كمستشار للأمن القومي أيّ مزاعم تدّعي بأنّ الإدارة الأمريكية ترغب في \"تصحيح شوائب\" خطّة العمل الشاملة المشتركة. على الرغم من أنّ ترامب لطالما عبّر عن رغبته في تفكيك الاتفاق النووي، كان بومبيو وبولتن...
سعيد حسين موسويان

 

بعد بضعة أسابيع، تنقضي المهلة التي حُدِّدت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتنازل عن العقوبات الأمريكية، وبالتالي قد يختلف مصير الاتفاق النووي مع إيران، ونجد عدّة سيناريوهات مطروحة.

من المفترض أن يبدّد تعيين الرئيس دونالد ترامب لمايك بومبيو كوزير للخارجية وجون بولتن كمستشار للأمن القومي أيّ مزاعم تدّعي بأنّ الإدارة الأمريكية ترغب في "تصحيح شوائب" خطّة العمل الشاملة المشتركة. على الرغم من أنّ ترامب لطالما عبّر عن رغبته في تفكيك الاتفاق النووي، كان بومبيو وبولتن من داعمي سياسات تغيير النظام في إيران، بما فيها الحرب. ومع اقتراب مهلة 12 مايو/أيار التي حُدّدت لترامب لتجديد التنازل عن العقوبات بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، تبرز خمسة سيناريوهات حول مصير الاتفاق في ضوء استراتيجية ترامب لـ"تصحيحه أو إفشاله".

يفترض السيناريو الأوّل المحتمل استسلام أوروبا لمطالب ترامب وموافقتها على فرض عقوبات جديدة على إيران على خلفيّة أنشطتها الإقليمية وبرنامج الصواريخ الباليستية الخاصّ بها. في هذه الحالة، ستستفيد إيران أقلّ من الاتفاق النووي، بخاصّة وسط تقلّص نسبة كبيرة من الإعفاءات من العقوبات التي مُنحت بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، نتيجة العقوبات الأمريكية والخطاب التهديدي.

وحتى بحسب هذا السيناريو، ما من ضمانات بأنّ ترامب لن يسعى وراء أساليب أخرى لنسف الاتفاق. على سبيل المثال، قد تختار إيران أن تبقى ضمن الاتفاق ولكن قد تنتقم من العقوبات الإقليمية عبر التخلّي عن أيّ تعاون مع الغرب في المنطقة. في الأشهر الأخيرة، التقى الدبلوماسيون الإيرانيون نظراءهم الأوروبيين لمناقشة المسائل الإقليمية في لندن وميونخ وغيرها من العواصم الأوروبية. وصرّح السفير الإيراني لدى بريطانيا حميد بعيدي نجاد بأنّ "إيران وبريطانيا أصدرتا قرارات مهمّة لاتّخاذ خطوات نحو إنهاء الأزمة اليمنية". وإذا انضمّت أوروبا إلى قرار فرض عقوبات جديدة غير نووية، قد يتمّ إيقاف هذا المسار الدبلوماسي الحيوي الذي كان قد انطلق سابقاً.

ويفترض السيناريو الثاني المحتمل أن تأتي خطوات ترامب موافقة لخطابه فينسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن بدون عرقلة الصفقات التجارية الأوروبية مع إيران من خلال عقوبات ثانوية أو عقوبات خارج حدود الدولة. في هذا السيناريو، سيعتمد ردّ إيران على ردّة فعل القوى الأخرى التي شاركت في مفاوضات الاتفاق. فإذا عملت كلّ من روسيا والصين، والأهمّ من ذلك، أوروبا، بفعالية للحفاظ على خطّة العمل الشاملة المشتركة ووقفت في وجه أيّ جهود أمريكية أخرى لتقويضها، سيحفّز ذلك إيران على مواصلة الالتزام بالاتفاق. لكنّ ترامب سينسف بذلك فرص الحوار الإقليمي والتعاون بين الولايات المتحدة وإيران وسيعزّز المعارضة الإيرانية لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وبما أنّ الولايات المتّحدة واقعة في مآزق عدّة في بلدان مختلفة بما فيها أفغانستان واليمن، قد تسعى إيران إلى رفع كلفة الوجود الأمريكي بدلاً من تسهيل الحلول التي تحفظ ماء الوجه وتؤمّن الانسحاب الأمريكي.

يقترح السيناريو الثالث احتمال انسحاب ترامب من خطّة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرضه لجميع العقوبات النووية الأمريكية بما فيها العقوبات الثانوية التي تستهدف التجارة الدولية مع إيران. في هذه الحالة، قد تنهار التجارة الأوروبية مع إيران ما يترك البلاد مع خطّة عمل شاملة مشتركة ولكن من دون جميع دول الغرب وليس فقط الولايات المتحدة. ستجد الدول الأوروبية صعوبة في مقاومة الولايات المتحدة ولن تكون أيّ إجراءات رمزية تتّخذها كافية لاسترضاء إيران. بالتالي، ستكون إيران أمام خيار الانسحاب من خطّة العمل الشاملة المشتركة والبقاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وسينهي ذلك إجراءات الشفافية النووية الطوعية التي وافقت عليها إيران بموجب خطّة العمل الشاملة المشتركة، مثل تطبيق البروتوكول الإضافي في اتفاق ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والقيود المفروضة على برنامج تخصيب اليورانيوم، بما في ذلك التزامها بحصر التخصيب بأقلّ من 5%. على سبيل المثال، قال علي أكبر صالحي، رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، أنّه في حال اتّخاذ المؤسّسة الإيرانيّة لهذا القرار، لن تحتاج "إيران إلّا لأربعة أيام لزيادة التخصيب حتّى نسبة 20%" في منشأة فوردو النووية المحصنة. ستكون روسيا والصين أكثر انفتاحاً على البرنامج النووي الإيراني المحصور بمعاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النوويّة إذا كان ترامب هو المسؤول عن فشل خطّة العمل الشاملة المشتركة، وليس إيران. مع ذلك، فإنّ الولايات المتحدة لن تكون بهذا الانفتاح وقد تدفع باتجاه سياسات قسرية أكثر صرامة، ما عدا اللجوء إلى الحرب، فتقود إيران إلى مزيد من التوافق مع روسيا والصين في مواجهة الأهداف الغربية في الشرق الأوسط والعالم.

أمّا السيناريو الرابع المحتمل، فهو انسحاب ترامب من خطّة العمل الشاملة المشتركة وسعيه وراء تطبيق أجندة ممارسة الضغط الأقصى على إيران بما يشمله ذلك من التمهيد للحرب. ستعلو بالتالي أصوات نافذة في إيران للحثّ على الانسحاب من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النوويّة واتّباع نموذج كوريا الشمالية لإدخال الولايات المتحدة في دائرة المفاوضات. بمعنى آخر، نجد تفاهماً تقليدياً حول كوريا الشمالية مفاده أنّ الولايات المتحدة لن تستهدفها لأنّها تملك أسلحة نووية، وامتلاك كوريا الشمالية لأسلحة نووية هو السبب الذي يدفع ترامب إلى إبداء رغبة في التفاوض معها بينما يزيد الضغط على إيران.

إنّ فرص هذا السيناريو كبيرة في طهران إذ يمكن لداعميه أن يتذرّعوا بحجّة أنّ إيران لم تحظَ بحقوقها بموجب معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النوويّة وبأنّ المعاهدة باتت فعلياً وسيلة لمعاقبة إيران. يبرز أيضاً احتمال أكبر بأن يتوجّه القادة العسكريون في إيران نحو تأدية دور أكبر في سياسة البلاد ومواجهة مفتعلي الحرب في واشنطن وتل أبيب والرياض. من شأن هذا السيناريو أن يشكّل المرحلة الأسوأ في تاريخ العلاقات الأمريكية – الإيرانية وقد ينذر بنزاع شرق أوسطي آخر مدمّر من شأنه أن يجعل تكاليف حرب العراق تبدو صغيرة بالنسبة الولايات المتحدة.

والسيناريو الخامس والأكثر حكمة هو أن تقنع أوروبا ترامب بأن يطبّق بشكل كامل خطّة العمل الشاملة المشتركة مقابل قيام القوى الأوروبية، وربما الولايات المتحدة والصين وروسيا، بإشراك إيران في مفاوضات جدية حول النزاعات الإقليمية. في الواقع، احترمت إيران التزاماتها كاملة بموجب الاتفاق، وتحققت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ذلك مراراً وتكراراً وأكّدته، وخطّة العمل الشاملة المشتركة هي التزام دولي للولايات المتّحدة نظراً إلى المصادقة عليها بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي. يحمل هذا السيناريو احتمال إيجاد حلول سياسية للأزمات الإقليمية التي ستعالج اتهام ترامب للمخططات الإيرانية في المنطقة بالخبث منذ فترة طويلة. كما سيتيح هذا السيناريو التقدم في جهود البناء على خطّة العمل المشتركة وإنشاء منطقة إقليمية خالية من الأسلحة النووية رسمياً.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق