شهدت الصيدليات الأهلية في السنوات الأخيرة حالة جنونية من التسابق في أسعار الأدوية، رغم تشابه المنشأ والتأثير العلاجي إذ يتطلب على الزبون التهيؤ المادي والنفسي لتقبل الأسعار فيها لاسيما إذا كان يروم شراء الأدوية "الأصلية" وبخلافه فعليه أن يتقبل فكرة شراء الأدوية الأقل جودة أو يكون ضحية أدوية مقلدة ومغشوشة وبالتالي فان المرضى الفقراء هم من يتحمل آثار هذه الظاهرة صحيا واقتصاديا.
وعلى باب إحدى الصيدليات في حي الموظفين التقيت الشاب علاء هادي وهو يحمل وصفتين لنفس العلاج لزوجته المريضة من طبيبين مختلفين احدهما من حي الحسين والثاني من حي الموظفين وقال لي إن الصيدلية في حي الحسين طلبت 95 ألف دينار على دورة علاجية واحدة فقط هذا عدا أجرة الكشف البالغة 30 ألف دينار وجلسات العلاج الطبيعي التي تكلف بمجملها أكثر من150 ألف ينار. عليه اضطررت لشراء نصف الكمية من العلاج فقط وذهبت ابحث عن العلاج في صيدلية ثانية في حي الموظفين فحصلت على نفس العلاج بنصف الثمن تقريبا.
ويضيف علاء: عندما نحتج ونناقش الصيدلاني عن سبب تفاوت الأسعار أو غلاءها يكون جوابه حاضر (المنشأ مختلف والفاعلية مختلفة) مع إني متأكد إن الدواء من نفس المنشأ، فيقوم الصيدلاني بتأفف بعرض أنواع أخرى من نفس الأدوية من مناشيء مشكوك بها أو نوعيات رديئة لكي يحرجني وبطبيعة الحال سأختار الدواء الغالي المجرب لأني أريد ان تشفى زوجتي بسرعة. ولكني أتساءل: لماذا يحتفظ الصيدلاني بأنواع رديئة من الأدوية إذا كان يعرض بالبداية الأنواع الجيدة والغالية؟.
المواطنة أم حيدر /60 سنة: تقول انها مصابة بمرض السكري منذ فتر طويلة وتحتاج إلى أنواع معينه من العلاج لاتتوفر أحيانا في المستشفيات فاضطر لشرائها من الصيدليات الأهلية ولأني احتاج الى العلاج بشكل مستمر ويومي لهذا استعد دائما لشراء كميات ونوعيات جيدة تكفيني لشهر واضطر إلى إجراء جولة على جميع صيدليات المحافظة من مركز المدينة إلى الإسكان وحي العامل وحي سيف سعد لأحصل على نفس العلاج بسعر مناسب.
وعندما سألت أم حيدر: من الذي يحد نوع المنشأ؟ قالت أنا والطبيب المشرف على حالتي عندما يرى ان هذا النوع من العلاج هو فقط ما يتجاوب معه جمسي وصحتي لذلك استمر بتناوله وأسعى للحصول عليه بأي سعر.
وتضيف أم حيدر أنها كانت خياطة وتملك معمل للخياطة معروف في بابل وعندما تدهورت صحتها بين السكر والضغط وتصلب الشرايين اضطرت لبيعه وإنفاقه على تكاليف علاجها فقط.
المرضى الفقراء يبحثون عن بدائل
المواطنة سهيلة من الهندية تقول: إن إصابات أطفالي متكررة في أي أيام البرد ودخل زوجي العسكري مهما كان لايكفي لمراجعة واحدة لأطفاله الخمسة لهذا مضطرة للذهاب إلى مضمد قريب ذو خبره ينصحني بالدواء المناسب لأطفالي لأشتريه وبعضهم يبيعه لي لان جميع الصيدليات الآن تبيع الشرابات والمضادات الحيوية وخافض الحرارة والرشح وأدوية كثيرة بدون وصفة دواء وبهذا سأوفر أجرة كشف الطبيب وأجرة النقل فضلا إن بعض المضمدين القدامى لهم خبرة جيدة في هذا المجال.
وسالت سهيلة: لماذا لاتذهبين الى المستوصف الصحي القريب من مسكنك؟؟
أجابت مبتسمة: اجواءنا مليئة بالأوبئة والأمراض والخروج بطفلي للمستوصف يعرضه إلى مخاطر أخرى للعدوى من الطريق ومن الأطفال في المستوصف فضلا عن إني سأكون مجبرة على ترك بقية أطفالي وبيتي لساعات طويلة بين انتظار دوري على الطبيب الوحيد في المستوصف ثم على الصيدلية ولكني لا انكر اني مجبرة على زيارة المستوصفات لمتابعة تلقيح أطفالي او في فترة رعاية الحوامل.
الشيخ عبد الكريم هادي/50 سنه موظف يقول: وجدت انه يمكنني الاستغناء عن الهلع والركض وراء الصيدليات بالاعتماد على الأعشاب الطبية وبشكل مستمر حتى تكونت لدي خبرة في هذا الموضوع من قراءاتي في الكتب وعلى الانترنيت. وقد لانحصل على نتائج سريعة لكن بالنهاية العلاج مضمون وليس له آثار جانبية وهذا ليس حل وقتي وإنما سلوك مثقف لتعاطي العلاجات والأدوية بما فيها بعض الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط وغيرها وهذا البديل معترف به علميا وعالميا ونوفر ما لدينا من مصاريف علاج للحالات الطارئة التي تحتاج إلى عمليات جراحية أو لأصابة بالأمراض المستعصية لا سامح الله والتي تحتاج إلى علاجات كيماوية أو هرمونية قد لاتتوفر إلا في المستشفيات والصيدليات الحكومية.
الصيادلة وأصحاب المذاخر
الصيدلانية سندس قالت حسب القانون القديم والصادر من مجلس قيادة الثورة المنحل كان يسمح لنا بأرباح بين 20 الى 30% وهذا القانون غير معمول به الان لعدم وجود حصة دوائية من الدولة كما كان مسموح به سابقا، وتبقى عملية شراء وبيع الأدوية بين المكاتب العلمية وأصحاب المذاخر تخضع لقانون السوق والعرض والطلب حالها حال بقية أنواع التجارة في العراق وذلك لان الحدود مفتوحة من جميع الجهات تقريبا، أما عن ارتفاع الأسعار وتفاوتها للأدوية في كربلاء فقد يعود إلى عدة أسباب بينها نوع المنشأ ومصداقيته وسمعته العلمية واختلاف موقع الصيدلية بين حي العامل أو سيف سعد أو الإسكان فارتفاع الإيجارات يؤثر قطعا على سعر الدواء بين منطقه وأخرى، هذا فضلا عن أن الصيدلاني يتحمل ضريبتين ضريبة دخل على الراتب من دائرته وضريبة ممارسة مهنة على الصيدلية وبمبالغ خيالية أيضا ترتفع كثيرا عن ضرائب المحلات الأخرى مثل محلات الموبايلات أو الكافيتريات أو المحلات التجارية الأخرى. فضلا عن ذلك تدفع الصيدليات ضرائب تنظيف للبلدية 25 ألف دينار شهريا في حين يدفع محلات أخرى أكثر تأثير على نظافة المدينة مثل محلات القصابة والبقالة وغيرها اقل من 10 آلاف دينار شهريا. لهذا يتكون سعر الدواء للمستهلك من سعره بالجملة من المذاخر مضاف إليه أسعار الإيجارات والخدمات الأخرى، وأصحاب الصيدليات هم الحلقة الأخيرة التي تكون في واجه المستهلك والمجتمع ولهذا تتحمل الانتقاد والتقريع، ولكن المشكلة الحقيقية تبدأ من الخلل في المؤسسات الحكومية والأمنية التي تؤدي إلى دخول أدوية بطرق رسمية وغير رسمية وقسم منها يكون مغشوش ومقلد على حدود تركيا وكردستان وعدم وجود تسعيرة معينة من الدولة وكثير من الإشكاليات القانونية والصحية والإنسانية الأخرى التي تجعل الدواء الجيد يصل إلى المريض بأسعار غالية.
الصيدلاني ميثم يتفق مع الصيدلانية سندس موضحا إن النقابة قد تسمح حتى بـ40% أرباح على الدواء ولكن الصيدلاني يضطر من نفسه تخفيض هذه النسبة العالية على الأدوية الغالية جدا لان المريض قد يعزف عن شرائها وتكتفي أحيانا بـ20 أو حتى 10%. وأضاف هناك بعض الأدوية تحمل نفس الاسم والغلاف واللون والقرص لكنها من منشئين مختلفين وبسعرين مختلفين والصيدلاني لايختار للمريض نوع المنشأ بل المريض بالدرجة الأولى يعرف ما الذي يناسبه وخصوصا أصحاب الأمراض المزمنة واغلب الأحيان الطبيب المعالج هو الذي يحدد نوع العلاج ونوع المنشأ ليضمن علاج سريع ومضمون لمرضاه. وهذا ليس شرطا إن الأدوية الغالية وذات المناشيء المعروفة تحقق الهدف للمريض بل بالعكس هناك بعض العلاجات مجانية وموجودة في الصيدليات الحكومية والعيادات الشعبية قد تحقق نفس الغرض أو أكثر، والدولة أيضا تستورد الأدوية من مناشيء موثوق بها ويبقى الخيار في النهاية للمريض.
الحاج زيني مدير مذخر قال: أن المذاخر في كل الأحوال تحمل 5% فقط عن أسعار المكاتب العلمية وتفاوت أسعار الأدوية بين المذاخر قليل جدا ولا يؤثر على سعر الدواء وما ذكره الصيادلة عن الإيجارات والمصارف الأخرى صحيح نسبيا. وقبل السقوط كان الارباح وفق نسبة تحددها الدولة مقابل تزيد الصيادلة بحصة من الادوية المستوردة، الان السوق مفتوح والمستوردون كثر وحتى النقابة لاتحدد نسبة ربح معينة الصيدلاني هو يحدد نسبة الربح التي تناسب تكاليفه وغير مسموح لنا مطلقا التعامل بالأدوية المقلدة والمغشوشة لا قانونيا ولا إنسانيا وقد نتعرض الى عقوبات جنائية وغلق المذخر أو سحب الإجازة.
ملاحظات دائرة صحة كربلاء ونقابة الصيادلة
وقال الناطق الإعلامي لدائرة صحة كربلاء سليم كاظم: ان شعبة تفتيش المؤسسات الصحية الحكومية في دائرة الصحة: تضم (شعبة تفتيش المؤسسات الصحية الحكومية وشعبة تفتيش المؤسسات الصحية غير الحكومية وشعبة السيطرة على الأدوية وشعبة التفتيش الإداري وشعبة الشكاوي)، آلية العمل تكون محددة بخطة يعدها القسم بإشراف السيد مدير عام دائرة صحة كربلاء والمفتش العام في وزارة الصحة الهدف هو الإشراف المباشر على جميع المؤسسات الصحية الحكومية وغير الحكومية، وبالنسبة للصيدليات يوجد لدينا في كربلاء بين 200 -300 صيدلية وكل صيدلية قد يكون من نصيبها مرتين في العام فقط زيارات تفتيشية فقط لقلة الكوادر المتوفرة لدينا وفي الزيارات التفتيشية نتابع وجود صاحب الصيدلية او أشخاص عاملون لا علاقة لهم بالصيدلية مما يسبب أخطاء في صرف الدواء والتفتيش عن الادوية غير المفحوصة او المغشوشة او المسروقة من المستشفيات والمراكز الحكومية فضلا عن النظافة وتوفير وسائل الحفظ المناسبة. اما بالنسبة للأسعار، لايوجد في الوقت الحاضر أسعار محددة او نسبة أرباح محددة ولايوجد قانون يحكم هذه المخالفة أصلا وكان موجود قبل السقوط لان الصيادلة كانوا يحصلون على حصة مدعومة من الدولة اما الان اختلف الامر ويستوجب تشريع قوانين وتعليمات جديدة لمعالجة هذه الظاهرة وهناك اقتراح في الوزارة لتشكيل لجنة من الوزارة ونقابة الصيادلة والمؤسسات ذات الصلة لوضع تسعيرة واضحة للأدوية المفحوصة مثلما يحصل في الأردن الآن لحد من هذه الظاهرة، وأضاف، تم غلق صيدليات ومذاخر غير مطابقة للشروط الصحية لمدة أسبوع أو شهر حسب المخالفة وقسم منها تم غلقه دائمي وسحب إجازة ممارسة المهنة.
وتابع، ونحن عاملون وبتوجيه من السيد المفتش العام بالمشروع الوطني لمتابعة الأدوية المفحوصة عن طريق المذاخر والصيدليات لكي تكون الأدوية التي تصل إلى المواطن مفحوصة وصالحة للاستعمال.
من جهته عزا نقيب الصيادلة في كربلاء الدكتور حيدر المؤذن التفاوت في أسعار الأدوية بين الصيدليات يعود الى التفاوت في بدل الإيجار وضريبة الدخل وكل حسب منطقته.. كمثال على ذلك بالتأكيد بدل الإيجار في الإسكان اعلي من الأحياء. ولا توجد حاليا تسعيرة للأدوية ولكن النقابة بالتعاون مع وزارة الصحة في طور وضع تسعيرة على كل الأدوية. بالنسبة للمناشئ المسموح الاستيراد منها هي كل الشركات المسجلة في وزارة الصحة العراقية.
اضف تعليق