q

منذ بدء الخليقة كان للحسد مكان بين أجناس البشر منه من يولد من غيرة حتى يصل الى الهوس ومنه من يقود الى طريق الكذب، وقد وقعت أول جريمة قتل على الارض بسبب الحسد وذلك حينما قتل قابيل أخيه هابيل فمنذ تلك اللحظة ونيران الحسد والحقد اندلعت حتى بقيت ليومنا هذا, وتداولت الأقاويل عند أكثر الناس وبالأخص النساء، فأي أذى يصيبهن يرجعن سببه الى الحسد بقولهن ذلك نتيجة عين قاتلة. ولا يقتصر هذا على النساء وحسب بل تعدى الى الجميع مما جعلهم يخسرون عملهم او مالهم او حتى صحتهم لتتحول أقاويلهم الى حقيقة يؤمن بها حتى المنصتين لهم، فما مدى تجذر الاعتقاد في المجتمع بقدرة عين الحاسد على التسبب بالأذى وما مبعث الحالة النفسية التي تشكك في نوايا الآخرين وتجعل صاحبها يتبنى موقفا مسبقا يعتبر ان الأذى الذي أصابه بسبب عيونهم؟.

الوهم والوسواس

رواسي شاكر 18 سنة طالبة قالت: ان الخوف من العين حقيقة لا احد يستطيع نكرانها لأنها من الأمور التي اقرها الإسلام، وان والدتي شديدة التعلق بهذه المعتقدات فما من مكروه يصيبنا الا وادعت بانه اثر عين وبمرور الأيام أصبحت أؤمن بمعتقدات أمي.اذ كانت قريبتي معي في نفس المرحلة وكانت تقص لوالدتها عن مدى تفوقي بالدروس وكلما التقت والدتها بأمي تبدأ بالكلام عن نفس الموضوع باني أنال أعلى الدرجات وان ابنتها لن تتجاوز هذه السنة رغم انها تنفق مبالغا طائلة على الدروس الخصوصية ، حتى اخذ انخفاض مستواي وصار الكتاب ثقيلا بيدي عمدت أمي الى تبخير البيت كل يوم وقراءة آيات من القرآن وتوصيني بان لا أساعد البنات بشرح بعض المسائل لهن حتى لا أصاب بالعين لفرط ذكائي، في بادئ الأمر كنت ضد فكرتها ومعتقداتها لكن الآن أصبحت أتجنب ان أساعد صديقاتي تحت ذريعة انا لا اعرف او ليس لدي وقت، ومن يومها أصبحت لا اشك بمعتقدات أمي.

خالدة كاظم موظفة 45 سنة تقول هناك من يبالغ في أمر الحسد ويضن ان الناس جميعهم يحسدوه ويغارون منه مما جعل العلاقات الاجتماعية تتأثر كثيرا وهناك من يخشى ان تظهر عليه نعم الهو خوفا من العين والحسد فيصل فيهم الأمر الى الوسواس والابتعاد عن الأقرباء والأصدقاء.

وأضافت ذهبت لزيارة بيت أخي عدت مرات كنت أرى زوجة أخي بثياب رثه او بالية برغم ان أخي مستواه المادي جيد اعتقدت في بداية الأمر انه لا ينفق على زوجته بما يرضي الله فقررت التدخل من باب الإنسانية وكان الجواب هو العكس أدركت بعدها أنها تعمد بارتداء تلك الثياب خوفا بان احسدها حتى أنها تقوم بنقل بعض أثاث المنزل للطابق الثاني وكثيرا من الأشياء وجدتها في حجرة الطابق الثاني حينما دخلتها صدفة فقال ابن أخي الذي يبلغ من العمر ثمانية سنوات ان امي قالت هلموا لمساعدتي لنقل الأشياء للأعلى قبل وصول عمتكم. من وقتها وانقطعت عن زيارة بيت اخي الوحيد الذي كنت أتلهف لرؤيته ورؤية أطفاله بسبب معتقدات زوجته التي كانت تظن باني احسدها او اغار منها حينما اجدها بثوب جديد .

زينب ساجت ربة بيت 30 سنة ان الخوف من العين ظاهرة انتشرت خاصة بين الوسط النسائي ، قدمت لي احدى اقاربي دعوة لحضور حفل زفاف ابنتها وكانت قريبتي من الدرجة الاولى لم تتوقف عن سرد مخاوفها عن العين التي تخشى ان تصيب ابنتها في ليلة الزفاف الى ما سترتديه من حلي وملابس وغير ذلك لم اتحمل حديثها المطول عن الحسد وخوفها على ابنتها وكأنها تخبرني بعدم الحضور لكنها دعتني من باب المجاملة حتى راحت تدعي بأشياء لا صحة لها بان ابنتها تعرضت للمرض وضياع بعض حاجياتها واقاويل لا تمت للواقع بصلة وانما من نسج من الخيال او بمعنى ادق كذب مصطنع لم يخال لي ان خوفها من الحسد يجعلها تؤلف اكاذيبا ، فقررت ان لا اذهب لذلك الزواج خشيت ان يصيب ابنتها مكروه واكون من المتهمات باني قد اصبتها بعين الحسد.

واصلت حديثها بانها تؤمن بوجود الحسد لكنها لا تعلق كل ما يصيبها به، فهناك الكثير من النساء يؤمِنَّ بالحسد فيلجأن لزيارة الدجالين للمساعدة بأحجبة وطلاسم وغيرها لتجنب العين وما الى ذلك.

رؤية نفسية

أستاذ علم النفس عبد عون المسعودي كان له رأي بما يخص النفسيات المتأثرة بالحسد حد النخاع حيث قال: ان علم النفس هو علم تجريبي منذ تأسيسه فهو لا يؤمن بالغيبيات ولكن تم استحداث قسم الباراسيكلوجي مؤخرا والذي يعني بدراسة القدرات الخاصة التي يمتلكها البعض القليل قياسا لعدد سكان الأرض, إذ تناول موضوع التخاطر, تحضير الأرواح, والتأثير بالآخر سلبا وايجابا أي الحسد، علما أن القرآن الكريم قد ذكره في أكثر من أية ومن هنا فلابد أن نقول أن الحسد هو على نوعين الاول هو شعور الفرد بالنقص إزاء نجاحات الآخر مما يجعله أن يتمنى بزوال نعمة النجاح من المحسود وهذا أمر يحدث عند الكثير, الثاني وهو الحسد كقدرة خاصة يمتلكها الحاسد قادرة على تدمير نعمة المحسود ومن دون قصد فهي حالة انبهار بشيء ما يمتلكه المحسود وهي أي القدرة يمتلكها البعض القليل كفانا الله شرهم، وقد يعمل البعض ممن لا يمتلكون الفعل الناجح والمثابرة والإنجاز لتحقيق أهدافهم في الحياة أو الذين يشعرون بالنقص نرى انهم يتعكزون ويبررون فشلهم بسوء الحظ والحسد وغيرها، كما هناك شريحة من الجهلاء الذين يعانون من قلق الحسد نراهم يفسرون كل مشاكلهم وكأنها جاءت نتيجة الحسد وللاطمئنان نقول أن مهما كانت تلك القدرة في الحسد فهي لا تصل حد التدمير لكل الأشياء والدليل أن الله الذي خلق البشر لا يمكن أن يسلم خلقة لامنيات الحاسدين.ولو كان الحاسد حرا لكان الآن لم نجد بشرا احياء أو ممتلكات لهم على الأرض سواء الجامدة أو الحية.

توجيه ديني

صفاء الدين الزيدي أستاذ الفقه في مدرسة الحسين (ع)

لقد ذكر الحسد بالقران الكريم والأحاديث النبوية لكن ليس بالمفهوم الذي يظنه بعض الناس فليس بإمكان الحاسد ان يجلب بعينه الضرر للمحسود فمعنى ذلك بأنه يملك القدرة بان يمرض ويميت ويؤذي بنظرة حسد،والحسد مدخل أساسي من مداخل الشيطان إلى القلب، فبالحسد لُعِن إبليس وجعل شيطانا رجيما. ولقد ذم الله تعالى الحسد في القرآن الكريم في مواضع متعدِدة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾، وفي آية أخرى، قال: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾، وذلك لأنَّ الحاسدَ عندَه شيءٌ من الاعتراض على أقدار الله تعالى التي قدرها على عباده. ونار الحسد إذا اشتعلت أحرقت كلّ القيم الفاضلة، وولَّدت رذائل الأخلاق، من حقد وعداوة وسعي لوقيعة بين الأخوان، والبغضاء بين الناس، والتعزز والترفع على الآخرين، وغير ذلك.

وهو من أمراض القلب الأخلاقية الخطيرة التي تظهر عوارضها بطرق مختلفة، وأشكال مخيفة في كثير من الأحيان، كالسعي الفعلي لإزالة النعمة عن الآخرين، لا تمنّي زوالها فقط.

وهو من أكبر المعاصي وأشرّها، وأفسدها للقلب، وهي أوّل خطيئة وقعت في الأرض لمّا حسد إبليس آدم عليه السلام فحمله على المعصية، فكانت البلية من ذلك إلى الأبد, فالحسد هو تمني زوال نعمة المحسود وانتقالها للحاسد ، واضاف الزيدي ان بواعث الحسد تكون نتيجة العداوة والبغضاء والحقد على الآخرين، وهي من أقوى البواعث وأشدها على مكايدة الحسود واستلاب نعمته، ما يتسبب في زوال النعمة عن الطرف الآخر الذي يحمل له العداء ويبطن له الحقد.

و لأن الحسود لا يتحمل أن يرى النعمة على الآخرين، لذا يدفعه هذا الخلق السيئ إلى الترفع على المحسود والتكبر عليه. فإذا أصاب بعض أمثاله ولايةً أو علماً أو مالاً خاف أن يزاحمه أحدٌ، فتراه يعمل على إزالة هذه النعمة قولاً وعملاً، ولكن هذه المرة من باب التعالي على المحسود، ولأجل إحراز تفوقه وغلبته عليه.

فالحسود يخاف من أن يزاحمه احد في اي مجال من مقاصد الحياة فيسعى بمنعه من الوصول إلى مقاصده وأهدافه. لذا يدفعه خوفه هذا إلى استفراغ الوسع والجهد لإبعاد من يزاحمه, ليتفرد هو في الوصول إلى هذه الغايات والمقاصد.

ولا يتوقف الحسد هنا فحسب فهو وباء لمن يتملكه ويقوده احيانا الى الكذب فيدخل في معصية اكبر، فالحسد مرض أخلاقي خطير، لو تسلط على الإنسان وسيطر عليه فإنه سيتلف الإنسان ويدمر دينه ودنياه.

فعليه أن يرضى العبد برضا الله تعالى وقسمه، وأن يسلم بمشيئته ويقنع من حياته بما أنعم الله عليه، لأنه المالك الحقيقي ، وأزمة الأمور كلّها بيده، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: ﴿مَنْ رَضِيَ بِحَالِهِ لَمْ يَعْتَوِرْهُ الحَسَد﴾، ولتجنب الحسد وردعه تلاوة المعوذتين او اي سورة من القران الكريم فهي خير حافظ من كل مكروه وليس من الحسد فحسب.

اضف تعليق