النهضة الحسينية هي حقيقة فريدة في التاريخ، ومدرسة دائمة عبر العصور، استفدتُ الكثير من قضية الإمام الحسين (ع) من دروس وعبر، وكيف أثرت في حياتي اليومية. من أهم الأهداف التي تعلمتها هي أن النهضة لم تكن للتنافس على السلطة والحكم الشخصي، بل كانت من أجل تعزيز قيم...

تعد النهضة الحسينية مصدر إلهام مستمر ينهل منه الإنسان العبر والدروس في مختلف مجالات الحياة. (شبكة النبأ المعلوماتية) قامت باستطلاع صحفي شمل مجموعة متنوعة من الأشخاص، من فنانين تشكيليين ونقاد وكاتبات وطالبات وأدباء ومدرسين ومقدمي برامج وصحفيين وصحفيات وأكاديميين وكتاب وموظفات وتدريسيات. هذا التنوع يعكس مدى تأثير القيم والمبادئ التي ارساها الإمام الحسين (عليه السلام) على مختلف شرائح المجتمع.

من خلال هذا الاستطلاع، اكتشفنا كيف أن هذه الشخصيات المختلفة تطبق دروس النهضة الحسينية في حياتها اليومية. بالنسبة للبعض، تعد النهضة الحسينية حافزًا للتمسك بالحق والعدالة، بينما يجد آخرون فيها دعوة مستمرة لتطوير الذات وتحقيق الإصلاح في مجتمعاتهم. هؤلاء الأشخاص، كل في مجاله، يستخدمون القيم الحسينية لتعزيز الصدق، الشجاعة، التضحية، والمثابرة.

نسلط الضوء على التجارب الشخصية لهؤلاء المشاركين وكيف أن النهضة الحسينية شكلت جزءًا لا يتجزأ من مسيرتهم المهنية والشخصية، مقدمين صورة حية عن تأثيرها العميق والمتجدد على حياتهم اليومية.

الحضارة وبناء الأوطان

في البداية تحدث إلينا الفنان التشكيلي والناقد (فاضل ضامد)، قال: الحضارة لا تبدأ من منطلق ديني، مع تقديرنا للإمام. بناء الحضارة والأوطان لا يبدأ من مكان خاص بيد مجموعة من الناس. الدولة بحكومتها تضع برامج لسنوات لبناء الإنسان أولاً، من خلال المدارس، والصحة، والخدمات الترفيهية، والسفر، والاطلاع، وزيادة الوعي والثقافة. بعد ذلك، نعمل على بناء الاقتصاد. وبما أن الدولة ثرية، يجب علينا وضع خطط لبناء مستقبل البلد، بما في ذلك المصانع والمنشآت التجارية وغيرها من الإضافات الاقتصادية المهمة. أن نقف بمستوى واحد بين رجال ليس لهم علاقة بالاقتصاد أو الدولة هو عملية إجهاض لبناء الإنسان مجتمعياً واقتصادياً.

بالنسبة للنهضة الحسينية، يمكن أن نختلف حول مفهوم النهضة وهل هناك نهضة بالفعل. هل كنا نعيش في فترة غياب عن الحضارة؟ هل نحتاج إلى نهضة مثل عصر النهضة في أوروبا عندما كانت تحت تأثير الكنيسة؟ الحسين (عليه السلام) لا يقبل أن يجوع إنسان دون آخر، وما نراه اليوم هو أن هناك شخصيات تتضخم على حساب الفقراء. مع كل التقدير لأي شخص يشعر بالوطن وحاجته إليه كإنسان. خراب البلد جاء من تدمير المدارس وضعف الطالب، سواء في ملابسه أو مكانه أو منهجه، وارتباكه بين البيت والمدرسة.

مسمى النهضة الحسينية له مريدوه، وما نراه هو العكس تماماً: تجهيل الناس وعدم القدرة على طرح الآراء والأفكار. هذا البلد لا يحتاج فقط النهضة الحسينية، بل نحتاج إلى الحسين (عليه السلام) نفسه لتخليصنا من مستغلي اسمه.

نهج حياة يومية

التقينا بالكاتبة والطالبة الجامعية (رباب طلال مدلول)، فأجابتنا قائلة: النهضة الحسينية هي أكثر من مجرد ثورة على الظلم والطغاة أو صراع على الخلافة؛ إنها نهج حياة يجب على كل المسلمين اتباعه. من خلال فهمي المتواضع للنهضة الحسينية، هذا ما تعلمته منها في جوانب حياتي اليومية:

1. الرضا بالأقدار: قبول ما يختاره الله، سواء كان خيراً أو شراً، هو مفتاح راحة البال. لن تنال السعادة أو راحة البال ما لم ترضَ بما قدره الله لك.

2. الثبات على القيم والأخلاق: يجب التمسك بالقيم والأخلاق حتى في ظل غيابها في هذا الزمن، ومهما كان الباطل متفشياً. الثبات على المبادئ يعزز من قوة المجتمع ويساهم في تحقيق العدالة.

3. التحكم في الغضب: عند الغضب، يجب الحرص على ألا يتسبب غضبنا في ظلم الآخرين أو إنهاء العلاقات. من الأفضل للمؤمن أن يكون حليماً وكاظماً للغيظ وعافياً عن الناس.

4. تمكين المرأة: كامرأة، تعلمت من النهضة الحسينية أن لي مقاماً ومقداراً في هذه الحياة، ولي صوت ورسالة. لا يجب أن أخجل من نفسي أو أن أرى نفسي قليلة كما يراني المجتمع الذكوري. أنا قادرة على تولي زمام أموري جيداً، والوقوف في وجه الظلم والتعبير عن ذاتي بشكل سليم.

5. محاربة الجهل: الجهل كان السبب الأساسي وراء قتل الحسين (عليه السلام)، فهو يهدم الأمم. لذا، أحرص دائماً على تثقيف نفسي من جميع النواحي حتى لا يتكرر التاريخ، وأقف مع الجانب الصحيح من التاريخ، على عكس ما فعل شيعته في زمانه.

النهضة الحسينية تعلمنا الكثير من الدروس القيمة التي يمكن أن تحسن حياتنا وتساعدنا في بناء مجتمع أفضل.

الرفض والتواضع والحفاظ على الدين

أجابنا الأستاذ (مصطفى الركابي)، أديب ومدرس، بالقول: تمثل النهضة الحسينية مدرسة إنسانية تتبنى الفكر الإنساني الخالص الذي دعا إليه الأنبياء والرسل منذ خلق الله الوجود. إذا قمنا بتصنيف دروس النهضة الحسينية تحت عناوين محددة، سنجد أن كربلاء، بصوتها الخالد، بقيت شجرة مباركة تضيء مبادئ الفكر الإنساني منذ أن أذن فيها صوت الرفض.

بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن أول دروس النهضة الحسينية هو الرفض؛ رفض الظلم والجور والاستعباد والاستبداد والطبقية، ورفض امتهان كرامة الإنسان، ورفض الجور على أحكام الله، ورفض السكوت على الضيم. كلمة "الرفض" كانت حاضرة قبل كربلاء وبعدها، إذ كانت ثورة سيد الرفض مشعل الثورة وشعاع الحرية. عبارة الإمام الحسين (عليه السلام) عندما طلب منه أن يبايع يزيد في المدينة: "مثلي لا يبايع مثله" كانت مؤسسة لنظرية إنسانية قيّمة، تعبر عن الوعي الذاتي والمعرفة بالواقع، وقد تجذرت هذه الكلمة في الصوت الحسيني، لتسقى بدمائه حتى أصبحت مثالاً يحتذى في منهج الثورة.

في حياتنا اليومية، لكي نكون حسينيين، يجب أن نتعلم معنى الرفض ونتنكر لكل عمل غير إنساني على المستوى العام والخاص، فنرفض الظواهر الاجتماعية المنحرفة والأنظمة الظالمة، كما نرفض السلوكيات الفردية التي تسيء إلى إنسانية الإنسان.

كما نستلهم درساً آخر من النهضة الحسينية، وهو درس التواضع والاحترام والإيثار. المشهد الكربلائي مليء بهذه القيم، ومواقف الطف تتحدث عن كيفية تواضع الإمام الحسين (عليه السلام) مع الجميع دون تمييز، واحترامه لآراء وتوجهات أصحابه، وإيثاره على نفسه، وإعطائه الإذن لأصحابه بالانسحاب. هذه الشفافية والوضوح تمثل درساً عظيماً يجب أن يتحلى به الإنسان في حياته اليومية، لتسهيل التواصل الفكري والسلوكي بين الأفراد والجماعات.

درس آخر من النهضة الحسينية هو الحفاظ على الدين الإسلامي، الذي من أجله سال الدم الطاهر. فكلنا يعرف مرويات الطف وكيف أقام الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه الصلاة وسط المعركة، وهو موقف يعكس أن الصلاة هدف رسالي ضحى من أجله الحسين (عليه السلام) بنفسه وأهله. علينا فهم هذه الرسالة وإيصالها للأجيال الإسلامية.

إذن، كل ما لدينا هو رشحات من فيض النهضة الحسينية، وإذا أحسنا الاستفادة من هذا المورد وحافظنا على معينه الصافي، كنا ضمن هذه المدرسة الرسالية المضيئة نوراً ووعياً عبر الأزمان.

دروس في الحياة والأخلاق والتربية

وطرحنا السؤال على (زينب الزبيدي)، معدة ومقدمة برامج، فأجابتنا قائلة: كل ما حدث في التاريخ مع الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) هو نهج حياة. وقد ساهمت النهضة الحسينية في تغيير العديد من الأفكار والمعتقدات، ولعبت دورًا كبيرًا في ترسيخ العقيدة بالشكل الصحيح. 

بصفتنا شيعة، يجب علينا الاستفادة من هذه الأحداث في حياتنا اليومية، واستلهام القيم من كيفية تعامل الإمام الحسين (عليه السلام) وأخلاقه. هذه الشعائر ليست محصورة في شهري محرم وصفر فقط، بل يجب أن نتحلى بهذه الأخلاق طوال السنة تكريماً للإمام الحسين (عليه السلام).

نتعلم من النهضة الحسينية أهمية عدم السكوت عن الباطل، والمحافظة على ديننا حتى آخر نفس فينا. من أبرز الدروس التي يجب أن نركز عليها هو موضوع الصلاة، حيث لم يتهاون الإمام الحسين (عليه السلام) بها رغم الظروف الصعبة، وقدمها على كل شيء. كما نتعلم من أخيه العباس (عليه السلام) الشجاعة والوفاء والإيثار والغيرة على العرض.

كنساء، نتحمل دورًا عظيمًا في تربية جيل صالح، وخاصة إذا كنا نرغب في أن يكونوا من أنصار الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وممهدين لظهوره. علينا أن نتذكر كيف ربت أم البنين أبناءها الأربعة ليكونوا ناصري إمام زمانهم، ويجب أن نعمل على أن نكون أيضًا من أنصار إمام زماننا. لا ينبغي أن نكتفي بالتعبير عن الأسى لعدم كوننا مع الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، بل يجب أن نكون معه قولا وفعلا وننصره بنصرة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).

السيدة زينب (عليها السلام) قدمت للنساء رسالة عظيمة في العفة، وأظهرت أن الاحتشام ليس عائقًا لطموحاتنا وأحلامنا. برغم الصعوبات التي واجهتها في معركة الطف وفقدان الأحبة والسبي، بقيت متمسكة بحشمتها وعفتها. نحن أيضًا نواجه تحديات عديدة يجب أن تجعلنا نتمسك برمزنا وهويتنا، كعباءة الطاهرة. وقد تركت السيدة زينب (عليها السلام) رسالة للإعلاميات بأن الاحتشام والصدق يمكن أن ينقلا الحقيقة بفاعلية، وهو فخر أن نكون مثل أول إعلامية في التاريخ، زينب (عليها السلام)، من خلال صدقنا واحتشامنا.

مدرسة الحياة وقيمها اليومية

وتوجهنا بالسؤال إلى (سلوى أحمد)، صحفية وكاتبة، فأجابتنا بالقول: للصراحة، يتطلب الإجابة على هذا السؤال استخدام كلمات ومعانٍ تعكس قيمة المدرسة الحسينية العظيمة. ولكن باختصار، يمكن القول إن النهضة الحسينية بحد ذاتها مدرسة يمكن لأي إنسان أن يستفيد منها يوميًا. 

يمكننا تنظيم حياتنا وفقًا لمبادئ هذه المدرسة، حيث نستمد من كربلاء العديد من القيم، بغض النظر عن السيف. في كربلاء، نجد الوفاء كأسطورة مسجلة، والإخلاص ومعنى الصحبة الحقيقية. كما نجد العفة والطهارة والحفاظ عليهما رغم الظروف الصعبة. 

يمكننا أيضًا فهم المعنى الحقيقي للعبادة وكيفية أدائها في مختلف الظروف. الحسين (عليه السلام) وأهل بيته يمثلون منهج حياة كامل، ولكن للأسف، غالبًا ما يؤدي الناس الشعائر بطريقة نمطية سطحية دون التعمق في معانيها الحقيقية.

مواجهة الصعوبات

التقينا بـ (فاطمة لؤي)، طالبة جامعية قسم الفنون التشكيلية، فأجابتنا قائلة: الاطلاع هو رصيد معرفي ثمين لأي إنسان، والدروس المستفادة من النهضة الحسينية تعزز هذا الرصيد بشكل كبير لأي مسلم. هذه الدروس تُعد مصدرًا ملهمًا للتضحية والصبر والإيثار والصدق والحب، وهي قيم ومبادئ أساسية. عندما يواجه أي شخص صعوبات أو يشعر بأن الطريق قد سُدَّ في وجهه، يمكنه أن يستلهم من القصص الحسينية وقضية عاشوراء.

دروس النهضة الحسينية

وأجابتنا الدكتورة (فاطمة سلومي)، كاتبة وأكاديمية، بالقول: عندما نتحدث عن النهضة الحسينية وثورة الإمام الحسين (ع) ضد الظلم، نستذكر الدروس والعبر التي أفرزتها معركة الطف والتي أصبحت إرثًا تستفيد منه الأجيال، حتى باتت مسارًا للحياة اليومية لكل فرد. من أبرز هذه الدروس:

1. قدمت النهضة الحسينية دوافع إيجابية للإصلاح الفكري والعقائدي والاجتماعي، مستندة إلى قول الإمام الحسين (ع): "لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام." وهذا تجسد في قول الحق ورفض الظلم لأن الله أولى بالحق.

2. جسدت هذه الثورة السنة الإلهية في محاربة الفاسدين وكشف زيفهم، كما ظهر في حكم بني أمية (يزيد الكفر والفسوق).

3. أكدت الثورة الحسينية أن التفوق العددي لا قيمة له أمام حرية الإنسان وكرامته المسلوبة، وهذا درس ستتعلمه الأجيال من النهضة الحسينية عبر العصور.

4. قدمت النهضة الحسينية الإمام الحسين (ع) كرمز لفكر خاض صراعًا شاملاً، ليس سياسيًا فحسب، بل معركة لنبذ الأفكار المنحرفة وتحريرها من أباطيل المنكر، وإعادة الهوية الإسلامية التي حاول يزيد تشويهها.

كل هذه النقاط تشكل مشروعًا إصلاحيًا للمجتمع البشري، واستراتيجية يمكن أن تقود المجتمعات الإسلامية إلى عصر النور والثورة ضد الظلم، مهما كانت الأسباب، ضمن سياق الحياة اليومية المبني على الاستفادة من النهضة الحسينية، حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حاضر فيها.

مصباح للهداية طوال العمر

كذلك التقينا بالدكتور (أحمد فاضل الصفّار)، تدريسي في كلية القانون- جامعة كربلاء، فأجابنا بالقول: إنّ الله تعالى جعل الحسين عليه السّلام مصباحاً لهداية البشر، فبالتّالي فإنّه غير مقتصر على أيّام شهر محرّم أو شهر صفر، بل أنّ الباري عزّ وجلّ جعله نظام حياة، لكلّ من يريد الاستلهام من قيمه ومبادئه، ومن أهمّ هذه المبادئ الّتي يمكن أن تكون مفارقةً للإنسان المؤمن في جميع أيّام حياته، الالتزام بهذين الصفتين، الّتي أشار سيّد الشّهداء عليه السّلام إليهما في قوله قبل الخروج من كربلاء، حيث جعلهما معيارين لمعرفة من يكون مؤهّلاً بأن يصبح ناصراً للحسين عليه السّلام، من عدمه، وهما :(من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا). 

فهذا الحديث من سيّد الشّهداء عليه السّلام بيّن الحالة الّتي يجب أن يكون فيها كلّ مؤمن يريد أن يصبح (حسينيّاً)، ومن افتقد لواحدةٍ منها، حُرم من شرف الالتحاق بركب الحسين (عليه السّلام).

أوّلاً: يجب أن يكون مستعداً بأن يبذل مهجته في سبيل نصرة الحسين (عليه السّلام).

فليس الجميع له هذا الاستعداد، بحيث نرى أنّ من الأشخاص الّذين لاقوا الحسين عليه السّلام قبل شهادته، أبدى استعداده على تقديم ماله، ولكنّه بخل في تقديم نفسه .

ثانياً: توطين النّفس على لقاء الله تعالى .

وهو بأن يكون الشّخص متحضّراً دائماً على لقاء الله تعالى، ويظهر هذا التحضير والاستعداد من خلال أداء الواجبات، وتأدية حقوق النّاس، والقيام بالالتزامات المترتّبة على كلّ فرد، بحيث أنّه لا يهمّه متى وافته المنيّة، كحال الطالب الّذي يكون مستعدّاً دائماً لأداء الاختبار من قبل الأستاذ، وإن كان هذا الاختبار أو الامتحان مفاجئاً .

وهذين الأمرين يستوجبان من المؤمن أن يكون دائماً على حالة من الاستقامة في العقيدة والسّلوك، وبالتّالي يكون حسينيّاً في جميع أوقاته، وأيّام حياته.

نهضة كربلاء

وأيضا أجابنا (طالب عباس الظاهر)، كاتب وقاص، قائلا: لست هنا طبعاً بمقام الحصر للفوائد في دروس القضية الحسينية في هذا الطرح البسيط، والإجابة السريعة عن سؤال الاستطلاع أعلاه، وإلا فإن الحصر لعله صعب جدا، إن لم يكن غير ممكن التحقيق أساسا، لما يمكن أن يوفي بالغرض المطلوب ويرضي الطموح؛ فهناك في متن القضية من دروس العِبرة والعَبرة ما يكمن في المادي والمعنوي، وهناك ما هو ظاهر وهناك ما هو مغيَّب، وهناك.. وهناك.

إذاً، فكيف لطرح محدود حول فوائد نهضة كربلاء يفي حقها وهي قضية صراع دائم ومستمر ما بين الحق مع الباطل، ومهما تعمقت وتشعبت فيه الإجابة وتطرقت إلى جوانب عديدة ومختلفة من نهضة كربلاء، سواء الفوائد كانت على المستوى الشخصي أو العام،.. كيف لإجابة أن تستوعب الحياة بأسرها؟

ولعل اختصار ذلك يكمن فيما نسمعه من الحسينيين الخلَّص بأنهم إنما مدينون للإمام الحسين عليه السلام بكل بوجودهم.. بل وبكل ما يملكون، فأي حصر للفوائد بعد هذا القول.. والحقيقة فإن فضل الحسين قد تجاوز بعيداً عن حدود الشيعة والمسلمين، وأضحى فضله على الإنسانية جمعاء كون كربلاء تعد قضية السماء، ودرسها البليغ على الأرض منذ بدء الخلق إلى يوم القيامة، لذلك نرى المسلمين ومن غيرهم من أديان وطوائف وأعراق كثيرة يصرحون بتأثرهم وحبهم للحسين عليه السلام، وإن حياتهم تغيرت بفضل التعرف على شخصية الحسين، وتفاصيل واقعة طف كربلاء.. فمن أين أتى هذا؟ 

أتى من فحوى عظمة وكونية واقعة ألطف، وتغطيتها لجوانب سواء على المستوى المادي أو المعنوي، والوجود في الحياة ولما بعد الموت، وكذلك فيما يخص حياة الإنسان الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وغيرها من جوانب بما يخص الإنسان بما هو إنسان فحسب بغض النظر عن جنسه وجنسيته.

صوت العدل والرحمة

وطرحنا السؤال نفسه على (زينب الخفاجي)، فأجابتنا قائلة: أن تكون إنسانًا أولاً، هذا هو عنوان العدل والرحمة، والشجاعة في الدفاع عن الحق. صوتي يرتفع بالحق كما فعلت مولاتي زينب عليها السلام أمام الظلم والطغيان. أسعى للعفة في التصرفات والقوة لمساعدة من حولي كما فعلت مولاتي. أدركت أن ذكر الحسين لا يزول وأن الظالم يغرق في عناده وغطرسته. حتى لو كانت بيدي شربة ماء، فإنها كنز ونعمة عظيمة من الله.

دروس في العدل والانصاف

وأجابتنا (عُلا محمد العامري)، طالبة: النهضة الحسينية هي حقيقة فريدة في التاريخ، ومدرسة دائمة عبر العصور. استفدتُ الكثير من قضية الإمام الحسين (عليه السلام) من دروس وعبر، وكيف أثرت في حياتي اليومية.

من أهم الأهداف التي تعلمتها هي أن النهضة لم تكن للتنافس على السلطة والحكم الشخصي، بل كانت من أجل تعزيز قيم الدين وشعائره، والإصلاح في البلاد والابتعاد عن النفوس الرديئة، ومحاربة الظلم ونصرة المظلومين. هذه القيم تعتبر طريقة لمحاربة الظلم وعدم قبوله لكي لا ينتشر بين الناس، وهي

من القيم التي نشأت من ثورة الحسين (عليه السلام) ضد الظلم، حيث سعت النهضة الحسينية لتأكيد العدل والانصاف وحماية حقوق الناس، ونشر العدل والمحبة بينهم.

بالتالي، الحسين (عليه السلام) هو منهج لمن يريد أن ينير بصيرته ويبتعد عن الظلم والظلمات.

تحديات الاقتداء بالحسين في العصر الحديث

(مهدي المهنا)، أديب وصحفي: فهمنا للإمام الحسين (عليه السلام) يستدعي فهم ما قبله وما بعده من المعصومين، في كيفية إيصال رسالتهم وفق الظروف المحيطة بكل معصوم في ذلك الوقت، وأساليب إيصال تلك الرسائل.

كما لم تعد فكرة الاقتداء بالحسين ونهضته أمرا سهلاً، في ظل المتغيرات الاجتماعية والتأثيرات المصاحبة للتطور التكنولوجي العالمي، فصار يسهل تشتيت انتباه الناس عن هكذا قيم، وكل الخوف من أنها ستتذكر هذه القيم والأفكار فقط في ايام عاشوراء. مما يضع مسؤولية كبيرة ومضاعفة على عاتق المنظومات الدينية في تنمية ترسيخ ثقافة الاقتداء بالحسين ونهضته.

مدرسة القيم

(زينب عبد الأمير)، موظفة شعبة الإعلام التربوي: الإمام الحسين، عليه السلام، هو مدرسة لجميع القيم. فقد علمنا معنى التضحية؛ نعم، لقد علمني أن أضحي بكل ما لدي، كما ضحى هو بأغلى ما عنده، بل بكل ما لديه من أبناء وأصحاب، ثم بنفسه الشريفة في سبيل الله، وهو يقول مخاطباً رب العزة والجلال: "إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى."

كما علمني الإمام الحسين، عليه السلام، أن أكون شجاعة ولا أنثني، وعلمني كيف أصبر وأحتسب، كما صبر واحتسب أمره عند الله، بعد أن فقد في ظهيرة عاشوراء أبنائه، حتى طفله الرضيع. لقد حيّر صبره ملائكة السماء، إذ بعد فقده لهؤلاء، يمتطي صهوة جواده ويذهب ليقاتل الأعداء، تاركاً خلفه نسوة وأطفالاً عطاشى لم يشربوا الماء منذ ثلاثة أيام. فأي قلب هو قلب الحسين، عليه السلام، الذي علم الأجيال أن يتمكن من الحق ولا يخذله في سبيل الله مهما كانت التحديات. لذا هتف في بداية اختباره: "إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة."

نتعلم من الإمام الحسين أموراً كثيرة لا يسع القلم أن يعبر عنها بالكامل، فالحسين عليه السلام أكبر من كل الكلمات والعبارات.

روح المنطق والإصلاح

الدكتورة (رؤى الأسدي)، تدريسية في جامعة بغداد: من يبحث في النهضة الحسينية يجب أن يضع في اعتباره روح المنطق من حيث السرد والتحليل، لأنها ليست مفاهيم عابرة ولا مبادئ صورية رسمتها الحياة بكل معانيها. إنها أسس ارتقت وتعلت في سماء الفكر الإنساني من خلال تضحيات جاءت بعد علل وكثير من التشوهات والانحرافات التي عطلت الثبات والإيمان بكل معانيه السامية، بل حاولت أن تحول النور إلى عتمة وتعيد بني الإنسان إلى عصر اللاقيم.

كان ولابد أن تأتي تلك الثورة من أجل الإصلاح وتعديل المسار لإعادة الموازين إلى وضعها الطبيعي. فكانت واقعة الطف بمثابة نهوض بالأمة وثورة بوجه الطاغوت، حيث رسمت تلك الثورة للأجيال صورة إلهية فكرية نهضوية تحررية أصبحت منارات لكل الأحرار. إنها الثورة الوحيدة المتفردة والاستثنائية، والتي من خلالها تعلمنا كيف ينتصر الدم على السيف.

نموذج للإصلاح ومقاومة الفساد

الدكتورة (عبير نوري القطان)، تدريسية في كلية القانون- جامعة كربلاء ورئيس منظمة شبير للثقافة والتطوير: من الممكن الاستفادة من النهضة الحسينية من خلال فهم أصل القضية وهي ان الحسين عليه السلام واجه سلطاناً دنيويا بحتا يعمل على تغيير معالم الدين الحقيقي مخالفا لسنة الله ورسوله وعلى الرغم من ذلك نهض الامام بالإصلاح في امة جده ضد من يحاول تدمير القيم الرصينة ومحاولة تفكيك الامة الى عصبات بعيدا عن مبدأ التقوى الذي يعد اساس التفريق بين الأمم وعليه على القادة الحقيقيين ممن اهتموا لنصرة الحق والنهوض بالفكر الحسيني ان يدرسوا مواقف الامام الحسين ع جيدا ويعتبروه نبراسا لطريقهم وان يحملوا انفسهم مسؤولية ذلك دون الركون لراء الاخرين البعيدة عن هذا الفكر فالقادة بالذات عليهم مسؤولية اساسية في الحفاظ على الدين والقيم فان صلحوا وتثقفوا سينتجون جيلا مسلما على طريق الحسين عليه السلام، الان ونحن نواجه الفكر الغربي المنحرف يلزم ان ننهض فنتعلم من الحسين عليه السلام كيف نهض ثم ندرس كل الجزئيات في تلك القضية وكيف كان التعامل مع النساء والاصحاب وما هو موقفهم من الحسين عليه السلام كي نتعلم ثم نعمل فنكون حسينيون ظاهرا وباطنا وحينها سنؤثر بالمقابل لوجود الشغف والكاريزما المتأثرة بالحسين واهل بيته واصحابه ع فينتقل ذلك الشغف وحب الطريق الى القلوب مباشرة فنحقق المراد ونحارب الفساد من شيب وشباب ونساء، فيوم عاشوراء هو يوم المقاومة ضد الفساد هو يوم الاصلاح الذي سيستفاد منه جميع الاجيال وعلى مر العصور هو يوم بذل الغالي والنفيس لأجل الحق واحقاقه ومواجهة الباطل والتصدي لحرب فكرية شرسة .

مسيرة إصلاح شاملة

الأكاديمية (مآثر طالب) تدريسية في جامعة الزهراء: تعتبر النهضة الحسينية حدثًا بارزًا يتعامل مع ملف شديد الأهمية. فمثل هذا الملف لا يمكن تناوله بكلمات قليلة أو حتى من خلال تحليلات موضوعية محدودة. فالنهضة الحسينية تجسد مفهوم الإصلاح بشمولية، حيث تمتد منظومته لتشمل جميع جوانب الحياة. إننا نستفيد من تطوير الذات وإصلاحها من خلال السلوكيات اليومية الحقيقية التي يعيشها الإنسان، وذلك بربط الأسباب بالنتائج، كما كان يفعل الإمام الحسين (عليه السلام) عندما تحدث عن رفض الظلم والاستبعاد، وعن الإصلاح وإيجاد منظومة الإصلاح في عمق المجتمعات العربية التي تسيطر عليها السلطات الظالمة.

استمرارية النهضة الحسينية في رفض الظلم وتحقيق الإصلاح ظهرت بشكل واضح حتى بعد واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث قامت السيدة زينب (عليها السلام) بمهمة تأمين مسيرة الإصلاح واستمرارها. لقد كان هدفها تهذيب الذات وتصحيح السلوكيات الخاطئة التي يعيشها الإنسان.

من جانب آخر، تُعد النهضة الحسينية عنصراً مهماً في تذكر واستحضار العديد من القضايا المفصلية التي تعيشها الأمة الإسلامية. فالإمام الحسين (عليه السلام) هو سيد المقاومة والممانعة، وفي ظل التغيرات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة، يجب على الأمة الإسلامية أن تنهض وتقوم ضد الظلم والطغيان. كربلاء تحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في ما يشبه مؤتمرًا عفويًا إسلاميًا، يحضره الجميع من الدول العربية والإسلامية. في واقعة كربلاء، أكّد الإمام على مبدأ "هل من ناصر ينصرنا" وربطها بكلمة "هيهات منا الذلة"، مما يجسد شجاعته ورفضه للذل.

يجب علينا أن نسير على نهج الإمام الحسين (عليه السلام) من حيث السياسات، الحنان، والعطف، تحت رايته، ومع مشاركة جميع الطوائف الأخرى في إحياء الشعائر الحسينية. كان الحسين (عليه السلام) أباً معطياً لا يفرق بين أبنائه، وتبقى رسالته المحمدية مصدر إلهام لنا في العديد من جوانب الحياة الأكاديمية، العلمية، العملية، والأخلاقية.

دروس في الدين والسياسة

ختامًا مع الصحفية (كواكب علي حمود): إن النهضة الحسينيّة تأسست على مبادئ دينية وأخلاقية وسياسية، عالجت الواقع المتدني الذي كانت تعاني منه المجتمعات جراء تسلط السلطة على الشعب. لقد كانت صرخة تمرد ضد أفعال من اغتروا بالدنيا وظنوا أنفسهم آلهة متسلطين على العباد. إن واقعة الطف تمثل معركة فريدة بين الحق والباطل، حيث تجسدت فيها المطالبة بالحقوق المسلوبة عبر إحدى أهم المدارس في التاريخ.

من خلال ثورة الحسين عليه السلام، تم إظهار حقيقة الإسلام وإعادته إلى نور الله بعدما أعادته بعض السلطات إلى ظلمات الجاهلية. ما فعله يزيد في الماضي يعكس واقعاً مؤلماً يتكرر اليوم في تصرفات العديد من الحكام. علينا أن نتعلم من ثورة الحسين ونحولها إلى دروس لتغيير الواقع الحالي، فنحن بحاجة إلى الشباب من مختلف الأطياف ليقفوا موقف رجل واحد، ويستفيدوا من مفاهيم كربلاء لتوجيه الأجيال الجديدة نحو دينهم، والابتعاد عن المؤثرات التي تشتت

عقولهم. كما قال الله تعالى: "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى"، فقد انعدمت الأخلاق والرحمة بين الناس، وأصبحت الإنسانية شبه مفقودة.

أغلب الناس يرون الخطأ ولا يعبرون عن استيائهم ولا يحاولون إيقاف الأفعال الخاطئة، خوفاً من المشاكل، بينما يمكنهم على الأقل تقديم النصيحة. كما قال الحديث الشريف: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". فالكلام والنصح يمكن أن يؤثر على العقول ويزيد الوعي بين الناس.

لقد رسم لنا الحسين عليه السلام وأصحابه صورة عن أهمية الدين والإيمان، حيث كانوا يؤدون الفرائض الدينية حتى في أشد المواقف كالحرب. ونرى الحسين عليه السلام يحرص على صلة الرحم والعلاقة الطيبة بين الإخوة والأهل، حتى لو كانوا غير أشقاء. كما جسدوا بطولات وتضحيات كبيرة من أجل بعضهم البعض حتى النفس الأخير.

تعلّمنا من الحسين عليه السلام احترام الكبير، كما نرى في تعامل العباس عليه السلام مع أخيه الأكبر، حيث يناديه بـ"سيدي" رغم قوته وهيبته. كما أعطتنا واقعة الطف دروساً في أهمية دور المرأة وحمايتها، ودورها القيادي في نقل الرسالة إلى بقية الناس والمدن. فكانت النساء بعد الواقعة سفراء للإسلام ولقضية الحسين عليه السلام.

أخيراً، تعلمنا من الحسين عليه السلام عدم الخيانة للوطن والقائد، والتمسك بالقيم والأخلاق حتى في أصعب الظروف. هناك دروس كثيرة من ثورة الحسين لا يسعنا ذكرها جميعها، لكنها تبقى مصدر إلهام لنا في تحسين واقعنا ومواجهة التحديات.

اضف تعليق