ما بدأ كهواية لبعض الأشخاص الذين ينشرون مقاطع فيديو أو صور عن حياتهم أو اهتماماتهم على الإنترنت، أصبح الآن مصدر دخل رئيسي للكثيرين منهم. هؤلاء المبدعون، الذين يعرفون أيضًا بيوتيوبرز أو مؤثري إنستغرام، يشكلون جزءًا مما يسمى اقتصاد المبدعين...
بقلم: محمد الأشول
المؤثرون…. ما بدأ كهواية لبعض الأشخاص الذين ينشرون مقاطع فيديو أو صور عن حياتهم أو اهتماماتهم على الإنترنت، أصبح الآن مصدر دخل رئيسي للكثيرين منهم. هؤلاء المبدعون، الذين يعرفون أيضًا بيوتيوبرز أو مؤثري إنستغرام، يشكلون جزءًا مما يسمى «اقتصاد المبدعين»، وهو مصطلح يطلق على النظام البيئي الذي يربط بينهم وبين جمهورهم والعلامات التجارية والمنصات التي تستضيف محتواهم.
وفقًا للصحفية التقنية تايلور لورينز في كتابها الجديد «Extremely Online»، فإن اقتصاد المبدعين بدأ مع ظهور نجوم وسائل التواصل الاجتماعي في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والذين كانوا يستخدمون منصات مثل يوتيوب وإنستغرام للترويج للمنتجات أو الخدمات في مجالات مثل الموضة ونمط الحياة. ومنذ ذلك الحين، توسعت الصناعة لتشمل مبدعين في مجالات أخرى مثل التمويل الشخصي والألعاب والسفر، والذين يستطيعون تحقيق أرباح كبيرة من خلال الإعلانات أو الاشتراكات أو التبرعات أو المحتوى المميز.
250 مليار دولار قيمة اقتصاد المبدعين
ولكن المبدعون ليسوا الوحيدين الذين يكسبون المال من هذا الاقتصاد. هناك أيضًا فريق من الخبراء والمحترفين الذين يقدمون خدماتهم للمبدعين، مثل الوكلاء والمديرين والمساعدين ومحرري الفيديو، الذين يساعدونهم في إدارة أعمالهم وتحسين جودة محتواهم. وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من رواد الأعمال والمديرين التنفيذيين الذين أنشأوا شركات ومنصات جديدة لتمكين المبدعين من بناء جمهورهم وزيادة دخلهم.
في دراسة أجراها غولدمان ساكس في وقت سابق من هذا العام، تم تقدير قيمة اقتصاد المبدعين بـ 250 مليار دولار، ومن المتوقع أن ينمو إلى 480 مليار دولار بحلول عام 2027. ويعزى هذا النمو إلى زيادة الطلب على التسويق من خلال المؤثرين من قبل العلامات التجارية، وتحسين نماذج تقاسم الإيرادات من الإعلانات، وخاصة في مجال الفيديوهات القصيرة على منصات مثل إنستغرام وتيك توك ويوتيوب.
6 مليارات دولار في عام 2024
من أين يأتي المال في اقتصاد المبدعين؟ الجواب الأكثر شيوعًا هو التسويق من خلال المؤثرين. هذا يعني أن العلامات التجارية تدفع للمبدعين مقابل الترويج لمنتجاتهم أو خدماتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ليس بالأمر الهين، فقد توقعت شركة الأبحاث إنسايدر إنتليغينس (Insider Intelligence) أن ينمو سوق التسويق من خلال المؤثرين في أمريكا إلى نحو 6 مليارات دولار في عام 2024، وأن يواصل التوسع بمعدل سنوي مرتفع.
ومن الأمثلة على الشركات التي تستفيد من هذا النوع من التسويق، شركة رير بيوتي (Rare Beauty) لمستحضرات التجميل التي أسستها المغنية والممثلة سيلينا غوميز، والتي تعتمد على مؤثري إنستغرام لنشر صور وفيديوهات تستعرض منتجاتها. وكذلك شركة أمازون العملاقة، التي تمنح المبدعين عمولة عندما يشتري المتابعون منتجات من موقعها الإلكتروني عبر روابطهم.
82 مليون دولار في عام واحد
لكن هل يعني هذا أن جميع المبدعين يحصلون على أموال طائلة؟ للأسف، الإجابة هي لا. ففي دراسة أجريت مؤخرًا على 689 مبدعًا من قبل منصة Mavrck للتسويق من خلال المؤثرين، كشفت أن أكثر من نصفهم يكسبون أقل من 500 دولار شهريًا. وفي نفس الدراسة، أبلغ حوالي ربع المبدعين أن دخلهم يتجاوز 2000 دولار، بينما قال 4٪ فقط إنهم يحققون أكثر من 10,000 دولار شهريًا. ومن بين هؤلاء الأخيرين، هناك بعض المبدعين النجوم الذين يحققون ملايين الدولارات سنويًا، ويوظفون فرقًا كبيرة لمساعدتهم في إنتاج محتواهم. أحد أشهر الأمثلة هو مستربيست، وهو يوتيوبر يشتهر بتقديم مبالغ ضخمة من المال والهدايا للأشخاص العاديين في مقاطع فيديوهاته. يقول مستربيست إنه يعمل مع حوالي 250 شخص، بينهم موظفون ومتعاونون، لإنجاز مشاريعه الضخمة. وقد حصل على 82 مليون دولار في عام واحد، وفقًا لمجلة فوربس.
يوتيوب يخلق 390 ألف وظيفة
ويوتيوب بشكل عام هو مصدر هام للوظائف في اقتصاد المبدعين. فقد أظهرت دراسة أجرتها شركة أكسفورد إيكونوميكس أن يوتيوب ساهم في خلق ما يعادل 390,000 وظيفة بدوام كامل في الولايات المتحدة في عام 2022. وهناك أيضًا موقع اسمه «YT Jobs» يعرض العديد من الفرص الوظيفية المتعلقة بيوتيوب، برواتب تصل إلى 130,000 دولار.
الذكاء الاصطناعي قادم
ما هي أحدث التقنيات التي تساعد المبدعين على تحسين محتواهم؟ الإجابة هي الذكاء الاصطناعي. هذا العام، أطلقت يوتيوب مجموعة من الأدوات والميزات الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتسهيل عملية إنشاء الفيديوهات. ولكن الذكاء الاصطناعي لا يهدف إلى استبدال الإبداع البشري، بل إلى دعمه وتعزيزه. فهناك العديد من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التي تقدم حلولًا مبتكرة للمبدعين في اقتصاد المبدعين، مثل كيرايت (Crate)، وهي منصة تستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة المبدعين على توليد الأفكار والعناوين والمحتوى، وميدجورني (Midjourney)، وهي نموذج للذكاء الاصطناعي قادر على توليد الصور من النصوص أو الصوت. وهذه الشركات تجذب اهتمام المستثمرين والمستخدمين على حد سواء.
ومن الفوائد التي يمكن أن يحصل عليها المبدعون من استخدام الذكاء الاصطناعي هي زيادة الإنتاجية. ففي استطلاع أجرته منصة كريتور ناو (Creator Now) للمبدعين، أفاد 90٪ من المشاركين أنهم يستخدمون تشات جي بي تي (ChatGPT)، وهو نموذج للذكاء الاصطناعي قادر على إجراء محادثات طبيعية، في عملية إنشاء المحتوى. وقال 31٪ منهم إنهم يستخدمون ميدجورني (Midjourney) لتوليد الصور. وأوضح المبدعون أن السبب الرئيسي لاستخدام الذكاء الاصطناعي هو تقصير وقت إنشاء المحتوى.
يوتيوب يتفوق على نيتفليكس
يُعَدُّ يوتيوب المنصة الأولى للمراهقين في الاستهلاك اليومي، ويتفوق على نيتفليكس. تم تعزيز اقتصاد المبدعين بتحول العديد من المستخدمين بعيدًا عن التواصل الاجتماعي ونحو استهلاك الترفيه على منصات مثل تيك توك، يوتيوب، وحتى إنستغرام.
لقد أصبحت تجربة الترفيه التي تعتمد على الهواتف المحمولة والتي يقدمها المبدعون تنافس وسائط الإعلام التقليدية وشبكات البث. قالت كارمن سوغنونفي، مبدعة في مجال السفر تحت اسم المستخدم Top Flight Family: «هناك بالفعل تلاشٍ أكثر بين خطوط محتوى وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الإعلام التقليدية».
للمرة الأولى، يشاهد المزيد من المراهقين مقاطع فيديو يوتيوب يوميًا بالمقارنة مع محتوى البث من نيتفليكس، وفقًا لاستطلاع أجرته البنك الاستثماري بيبر ساندلر في الشهر الماضي. وأفاد 29.1٪ من المراهقين الذين شملهم الاستطلاع بأنهم يستخدمون يوتيوب يوميًا، مقارنة بنسبة 28.7٪ لنيتفليكس (أعلى أداء في الاستطلاع). ولم يكن التلفزيون الكابلي حتى في المنافسة، حيث كانت النسبة أقل من 5٪.
اضف تعليق