أخبار مشروع ستارلينك تتصدّر العناوين هذه الأيام. فالمقاتلون الأوكران يتحدّثون عن فعالية الاتصالات والدرونز في ظلّه، والصحف الغربية تشير إلى تفعيله في إيران سرّاً. عملياً هذا المشروع أنشأته شركة سبايس إكس الأميركية التي تهدف منه السيطرة على الاتصالات حول العالم بعد نقل البنية التحتية من الكوابل الأرضية إلى الفضاء...
أخبار مشروع «ستارلينك» تتصدّر العناوين هذه الأيام. فالمقاتلون الأوكران يتحدّثون عن فعالية الاتصالات والدرونز في ظلّه، والصحف الغربية تشير إلى تفعيله في إيران سرّاً. عملياً هذا المشروع أنشأته شركة «سبايس إكس» الأميركية التي تهدف منه السيطرة على الاتصالات حول العالم بعد نقل البنية التحتية من الكوابل الأرضية إلى الفضاء حيث سترتبط بنحو 42 ألف قمر صناعي ستحتكر القسم الأكبر من الاتصالات بما فيها حركة البيانات على كوكب الأرض
في عالم الديجيتال الحالي، هناك نحو أكثر من 800 ألف ميل من الكابلات البحرية، لنحو 450 كابلاً تحت الماء، تنقل البيانات أو الإنترنت بسرعة الضوء بين القارات والبلدان. باستخدام هذه الشبكة يتاح لأي مستخدم للإنترنت في آسيا مثلاً، أن يضع صورة على حسابه الشخصي المنشأ على خوادم منصّة تواصل اجتماعي في كاليفورنيا، خلال أجزاء من الثانية. هذه البنية التحتية الأرضية من الكابلات، تمثّل 99% من الحركة العالمية اليومية للبيانات والإنترنت. إذ إن نحو 5 مليارات شخص حول العالم يستخدمون الإنترنت يومياً وينتجون نحو 1000 بيتابايت (مليون تيرابايت)، بحسب إحصاءات «ستاتيستا».
لكن مقابل الكابلات البحرية، ظهرت تقنية نقل البيانات بواسطة البثّ الفضائي في أيلول 2003 مع إطلاق صاروخ «آريان 5» الأوروبي من منطقة غيانا الفرنسية، حاملاً أول قمر صناعي مخصص لبثّ الإنترنت نحو الأرض «e-BIRD» والذي صنعته شركة «بوينغ» لأجل شركة «Eutelsat» الفرنسية. ثم توالى الأمر وأصبح لدى شركات مثل «HughesNet» و«Iridium» و«Telesat» أقماراً اصطناعية في الفضاء تبثّ الإنترنت إلى المناطق التي لا تصلها خدمة الإنترنت. ويستطيع شعاع بثّ الإنترنت الفضائي، إيصال الخدمة إلى الغابات الشاسعة والأماكن النائية بما في ذلك المحيطات، إلا أن هذا الأمر يتطلب ما بين 4 و5 أقمار اصطناعية موضوعة في المدار الثابت الذي يبعد عن الأرض 36 ألف كيلو متر. هذه المسافة بين الأقمار الاصطناعية والأرض، تسمح لشعاع البثّ بتغطية مساحة أكبر من الكرة الأرضية بخدمة الإنترنت، إنما تعاني هذه التقنية من مشكلة انقطاع الخدمة بسبب الظروف الجوية، بالإضافة إلى أن تأخر وصولها «Latency». فعلى سبيل المثال، إن تأخر وصول البيانات إلى المستخدم في الزمن الحقيقي لحدوثها، يمكن أن يعني فشل عملية جراحية عن بُعد، أو حادث سير لمركبة يقودها ذكاء اصطناعي، أو إغلاق عملية بورصة على سعر قديم اعتقاداً أنه السعر الحالي الحقيقي.
لم يدم الأمر طويلاً حتى تمكنّت شركة «سابيس إكس» المملوكة من إيلون ماسك، من إصلاح مشكلات البث الفضائي. أسمت المشروع «ستارلينك» الذي يقترح إطلاق عدد كبير من الأقمار الاصطناعية يصل إلى 12 ألفاً، نحو مدار أرضي منخفض ما يسرّع الاتصال بين الأقمار الاصطناعية والأرض ويخفض الـLatency، ويقلّل التأثيرات السلبية الناتجة من تقلبات الطقس. أما العدد الكبير فالهدف منه توسيع رقعة التغطية. ففي التقنية السابقة كان البُعد عن الأرض عاملاً مهماً في توسيع نطاق التغطية، إنما كان استقرار الخدمة منخفضاً مقارنة مع مشروع «سابيس إكس» الذي يمنح التغطية استقراراً أعلى من خلال القرب أكثر من الأرض. منذ عام 2018 ولغاية الآن، وضعت «سابيس إكس» أكثر من 3 آلاف قمر صناعي في المدار الفضائي المنخفض، علماً بأنها ترسلها إلى الفضاء بشكل جماعي يشمل نحو 60 قمراً داخل كل صاروخ «فالكون 9».
عندما انطلق المشروع في عام 2015، كان الهدف بأن تستحوذ الشركة على حصّة سوقية وازنة تقدّر بتريليون دولار، فاستحصلت على تصريحٍ من الاتصالات الفيدرالية الأميركية (FCC) يسمح لها بنشر 12 ألف قمر صناعي من «ستارلينك». إلا أن الشركة قدمت لاحقاً طلباً بنشر نحو 30 ألف قمر إضافي، وهي تأمل بأن يكون لديها 42 ألف قمر اصطناعي لخلق شبكة تسميها «كوكبة الأقمار الضخمة». علماً أنه بحسب موقع «وكالة الفضاء الأوروبية» الإلكتروني، بلغ عدد الأقمار الاصطناعية المنتشرة حول الأرض، حتى بداية العام الحالي 12480 قمراً اصطناعياً، يعمل منها 4900 قمر فقط.
تكلّف خدمة الإنترنت من «ستارلينك»، نحو 600 دولار تُدفع مرة واحدة، وهي عبارة عن ثمن الصحن اللاقط الذي يحوّل بث إشارة الأقمار إلى إنترنت بشكل سلكي أو لاسلكي. أما كلفة الاشتراك الشهري فتبلغ 110 دولارات. ومقارنة بالخيارات الأخرى المتاحة، فإن سرعات الإنترنت من «ستارلينك» تُراوح بين 100 ميغا بت/ثانية و200 ميغا بت/ثانية للتنزيل، و«Latency» تصل إلى 20 ملّي ثانية في معظم المواقع. وتقول الشركة أن لديها 400 ألف مشترك في 36 دولة تغطيها حالياً (معظمهم في أميركا الشمالية وأوروبا وأستراليا). وتخطّط «ستارلينك» لتوسيع تغطيتها بشكل أكبر عبر أفريقيا وأميركا الجنوبية، وآسيا العام المقبل.
عملياً، يريد إيلون ماسك نقل البنية التحتية للإنترنت من الأرض إلى الفضاء. لا بل يريد السيطرة الاحتكارية عليها من خلال شبكة فضائية هائلة تبثّ خدمة الإنترنت بشكل سريع وبمشكلات تقنية أقلّ. وانطلاقاً من هذه الرغبة، دخلت أقمار «ستارلينك» على خط النزاعات العسكرية بعد يومين من دخول روسيا الأراضي الأوكرانية. ففي غضون 10 ساعات، على طلب نائب رئيس الوزراء الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، المساعدة من إيلون ماسك، جرى تفعيل هذه الخدمة فوق أوكرانيا. عملت «سبايس إكس» على هذه «المبادرة» بالتنسيق مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). وتم شحن نحو 25300 صحن لاقط إلى أوكرانيا وفقاً لـماسك. وكشفت صحيفة «بوليتيكو»، أنّ البنتاغون يدرس دفع تكاليف شبكة «ستارلينك» الفضائية في أوكرانيا، بعدما قال ماسك في تغريدة له إنه يتلقى مدفوعات مقابل خدمة الإنترنت لـ 10630 صحناً لاقطاً فقط. أما اللافت في حديثه، هو أن نوع تكنولوجيا خدمة الإنترنت التي يقدمها إلى أوكرانيا، «خاص» و«أكثر كلفة»، ومختلفة عن الخدمة العادية. إذ أصبح مشروع «ستارلينك» حاجة أساسية إلى المقاتلين الأوكران، لتصبح خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، أداة عسكرية أساسية. وهذه التكنولوجيا أثبتت فعالية متقدّمة لأنها أتاحت توجيه ضربات بواسطة طائرات مسيّرة أوكرانية على الدبابات والمواقع الروسية. وبحسب باحثة الدراسات الدفاعية في «كينغز كوليدج لندن»، مارينا ميرون، فإن القوات الأوكرانية تستخدم الإنترنت الفضائي للتواصل بين المقرّات والقوات في الميدان لأنه «لا يمكن تشويش إشاراتها مثل إشارات الراديو العادية، ويستغرق إعداد المجموعة 15 دقيقة فقط».
نهم «ستارلينك» للتوسع لا يهدأ، إذ انخرطت «سبايس إكس» في شراكة مع مجموعة الاتصالات «T-Mobile» لتمكين الهواتف المحمولة من الاتصال بالأقمار الاصطناعية.
ليست «ستارلينك» مزود الإنترنت الوحيد الذي لديه أقمار اصطناعية في مدار أرضي منخفض (LEO). إذ تخطط شركة «أمازون» لوضع الآلاف من أقمارها الاصطناعية «Kuiper» هناك، كما تقوم شركة «Oneweb» أيضاً بوضع الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض. هذا السباق للتوسع في الفضاء عالي الخطورة. إذ يمكن للأقمار الاصطناعية أن تصطدم بأقمار أو مركبات فضائية أخرى، وبالتالي تتسبب في تناثر شظايا من الحطام وهو ما يسمى بالنفايات الفضائية والتي باتت تعج في مدار الأرض. كما أنه في الآونة الأخيرة، كان هناك عدد من الأخطاء التي أوشكت أن تحدث في أقمار «ستارلينك» خصوصاً مع محطة الفضاء الصينية. إضافة إلى ذلك، تخلق أقمار «ستارلينك» مشكلات لعلماء الفلك. إذ تكون مرئية للعين المجردة لأن الشمس تلمع من أجنحتها. ويمكن أن يتسبب هذا في ظهور الأقمار على شكل قطار في صور التلسكوب، ما يحجب رؤية الكواكب والنجوم.
نهم «ستارلينك» للتوسع لا يهدأ، إذ انخرطت «سبايس إكس» في شراكة مع مجموعة الاتصالات «T-Mobile» لتمكين الهواتف المحمولة من الاتصال بالأقمار الاصطناعية خصوصاً في الأماكن التي لا تصلها الإشارة، ما يوفّر التغطية للمناطق النائية التي لا توجد بها خدمة خلوية موجودة. وبمجرد إطلاق الخدمة، ستتمكن الأقمار الاصطناعية من الجيل الثاني من «ستارلينك»، من البث مباشرة إلى الهواتف المحمولة من دون الحاجة إلى صحون لاقطة. وعندما يحدث هذا الأمر، ستتجه «ستارلينك» لتكون أكبر مزود خدمة اتصالات حول العالم.
من يملك كابلات الإنترنت البحرية؟
كابلات الإنترنت البحرية هي كابلات ألياف ضوئية تربط القارات والبلدان ببعضها البعض، وهي تنمو باستمرار لتغطية الطلب على نقل البيانات في ظل قفزات التطوّر التكنولوجي المدفوع باستخدام الأجهزة المحمولة والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء. ويقوم مزوّدو خدمة الشبكات العالمية مثل «AT&T» و«Lumen Technologies» و«Zayo» بتشغيل شبكات الكابلات للربط بين أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وأوروبا وآسيا وأفريقيا وأستراليا.
يتم تنفيذ غالبية تصميم وتصنيع ونشر هذه الكابلات بواسطة مجموعة صغيرة من الشركات من أبرزها: «Alcatel Submarine Networks»، و«HMN Technologies» (المعروفة سابقاً بشبكات هواوي البحرية)، و«NEC» و«SubCom». أما أبرز الشركات التي تركّب أنظمة الكابلات البحرية على مستوى العالم، شركة «SubCom» و«Alcatel Submarine Networks» و«Orange Marine» و«Global Marine Systems».
تاريخياً، كان هناك نوعان مختلفان من نماذج ملكية أنظمة الكابلات البحرية: اتحاد أو ائتلاف شركات، وشركات إفرادية. نشأ الائتلاف بعد اتحاد شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي كانت تملك الكابلات البحرية، من أجل تقليص أكلاف التصنيع والمدّ والتشغيل، ثم أصبح مقدمو الخدمات السحابية وشركات خدمات الوسائط الفائقة (OTT) والمعروفة مجتمعة باسم «hyperscalers»، منخرطون في هذه الاتحادات. واعتباراً من منتصف عام 2010، انخرط عمالقة التكنولوجيا في الاستثمار في شبكات كابلات بحرية بشكل مستقلّ أو مع عدد قليل جداً من المالكين. وبذلك، حوَّل هؤلاء استراتيجيتهم من كونهم مجرّد مشترين لسعة إنترنت من الاتحاد، إلى كونهم مالكين لجزء من الشبكات. هكذا أصبحت الشركات الكبرى مثل «أمازون» و«ميتا» و«غوغل» و«مايكروسوفت»، مستثمرين رئيسيين في شبكات الكابلات البحرية الجديدة. فعلى سبيل المثال، استثمرت «غوغل» عائدات منصّتها السحابية لشراء الكابلات البحرية التي تشكل العمود الفقري للإنترنت، وهي تستحوذ على ملكية جزئية بنسبة 8.5% من كل الكابلات البحرية في جميع أنحاء العالم، وعلى مُلكية كاملة بنسبة 1.4%.
مدّ الكابلات يتطلب استثمارات بملايين الدولارات. فعلى سبيل المثال، إن مدّ كابل بحري جديد عبر المحيط الأطلسي، يكلّف ما بين 200 مليون دولار و250 مليون دولار، بمعدل 25 ألف دولار لكل كيلومتر.
اضف تعليق