هذه ليست المرة الأولى التي تشتري فيها إنتل شركة إسرائيلية تعمل في الذكاء الاصطناعي، فهي استحوذت، سنة 2017، على شركة موبايلي، الرائدة في مجالات التعلّم الآلي وتحليل البيانات والقيادة الذاتية، مقابل 15 مليار دولار، القاسم المشترك بين الشركتين الإسرائيليتين هو أنهما يعملان في مجال الذكاء الاصطناعي...
أعلنت شركة «إنتل» الأميركية استحواذها على شركة «هابانا لابس» الإسرائيلية، التي تعنى بتصنيع رقاقات وخوارزميات للذكاء الاصطناعي بملياري دولار، شركة «هابانا لابس» أنشئت في تل أبيب عام 2016 على يد كل من «ديفيد داهان»، وهو الرئيس التنفيذي للشركة، و«ران حالوتس» الذي يعمل بصفة نائب الرئيس ورئيس قسم البحث والتطوير، وهو ابن «دان حالوتس» رئيس هيئة الأركان العامة السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذي ترك منصبه بعد الفشل والهزيمة التي مُني بها جيش الاحتلال في جنوب لبنان عام 2006.
لماذا اشترت «إنتل» شركة «هابانا لابس»؟
هذه ليست المرة الأولى التي تشتري فيها «إنتل» شركة إسرائيلية تعمل في الذكاء الاصطناعي، فهي استحوذت، سنة 2017، على شركة «موبايلي»، الرائدة في مجالات التعلّم الآلي وتحليل البيانات والقيادة الذاتية، مقابل 15 مليار دولار.
القاسم المشترك بين الشركتين الإسرائيليتين هو أنهما يعملان في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي تعلم «إنتل» أنّه سيشكّل ركيزة في عالم «الديجيتال» في السنوات القادمة، لذا، نجد أن غالببة عمليات البحث والتطوير التي تقوم بها الشركات الكبيرة والناشئة على حدّ سواء، ترتكز على تطوير الذكاء الاصطناعي لما له من أهمية وقدرة تسمح بالسيطرة على المستقبل، بمعنى التفوق العلمي والتجاري.
«إنتل» تطمح إلى تغيير طريقة عمل الحواسيب
رغم تطوّر التكنولوجيا الخاصة بالحواسيب الموجودة في عالمنا اليوم، بقي تطوّر عمل وحدة المعالجة المركزية (cpu) محدوداً. وهنا، تجد «إنتل»، التي تسيطر على 77 في المئة من سوق وحدات المعالجة المركزية، فرصة لتطويرها عبر إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي إليها.
أبسط شرح لمحدودية عمل وحدة المعالجة المركزية اليوم يمكننا إفراده في التالي:
يحتوي كل كومبيوتر على وحدة المعالجة المركزية (cpu)، وهو لا يستطيع أن «يشغّل» أكثر من برنامج واحد في كل لحظة من عمله. مهلاً: ولكنّ جميع المستخدمين قادرون على تشغيل أكثر من برنامج على الكمبيوتر في الوقت نفسه!.
ما يحصل هنا في الواقع هو أنّ أنظمة التشغيل تستخدم خوارزميات (طريقة عمل) مثل طريقة «Round Robin»، الذي يعمل على إدخال البرنامج إلى الـ«cpu»، ومن ثم إيقاف العمل به لأجزاء من الثانية، ريثما يتم إدخال برنامج آخر إلى الـ«cpu»، وهكذا إلى أن يكمل المستخدم عمله.
ما حصل هنا هو أنّ الكومبيوتر «أوهم» المستخدم أنّ باستطاعته تشغيل عدة برامج في وقت واحد، ولكن، في الواقع، كان الكمبيوتر يبدّل بين البرامج بسرعة فائقة، ويعمل، فعلياً، على تشغيل برنامج واحد فقط في الوقت نفسه.
المشكلة هنا أننا نملك كومبيوتر ذا قدرات تقنية كبيرة، لكنه لا يستطيع أن «يركّز» سوى في أمرٍ واحد كل مرة، وهذا الأمر يحدّ من سرعة التحليل والاستنتاج، التي هي من أساسيات عمل الذكاء الاصطناعي.
أسلوب عمل الذكاء الاصطناعي بتقنية التعلم العميق
يعتمد الذكاء الاصطناعي اليوم على خوارزميات تعلّم الآلة والتعلّم العميق، أسلوب العمل أخيراً يمكن تبسيطه بالشكل التالي:
يمكننا أن نتخيّل مبرمجاً ما يريد أن يصنع ذكاءً اصطناعياً يستطيع أن يميّز بنفسه وجود كلب في صورة من عدمه، تؤمّن تكنولوجيا التعلم العميق طريقة عمل لإتمام المهمة:
أولاً، على المبرمج أن يستخدم خوارزمية الـ«Training» حيث يضع المبرمج مثلاً حوالى 6 ملايين صورة تحتوي على كلب ومليوني صورة أخرى لا تحتوي على كلب، في هذه المرحلة يتم استنباط العلاقة بين هذه الصور أو البيانات.
بعدها، ننتقل إلى المرحلة التالية، وهي الـ«Inference»، هنا يمكن القول إنه أصبح لدينا ذكاء اصطناعي قادر على فهم ما يوضع أمامه من صور ليبحث عمّا يريد المستخدم.
للقيام بكل ما سبق، نحتاج إلى قدرة معالجة (Processing Power) هائلة، في حالة الـ«Training» مثلاً، تم إلقاء ملايين الصور على الكومبيوتر ليفهم العلاقة بينها، وفي حالة الـ«Inference»، وبطبيعة الحال، لن يتم استخدامها لتمييز وجود كلب في صورة واحدة، بل سيتم إلقاء آلاف الصور على الذكاء الاصطناعي ليتم تحليلها وبسرعة.
ما هو الحل؟
أتى الحل سريعاً من شركات عديدة، أهمها كان رقاقة T4 من شركة «Nvidia»، حيث تم إلقاء كل عمليات الـ«Inference» على الرقاقة بدلاً من المعالج، إذ إن هذا العدد الهائل من العمليات الحسابية يمكن لرقاقة الـT4 أن تتعامل معه بشكل أفضل، ما يؤمن سرعة في تحليل البيانات، خصوصاً أن الـ«GPU» قادر على عملية الـ«Parallel Processing»، أي إنه قادر على التركيز على العديد من العمليات الحسابية في آن واحد، بعكس الـ«CPU».
التكنولوجيا الإسرائيلية
قامت شركة «هابانا لابس» بتقديم طرح يعدّ الأسرع والأقل استهلاكاً للطاقة الكهربائية، إذ أنشأت الشركة رقاقة لعمليات الـ«Training» تحت اسم «غاودي»، ورقاقة أخرى لعمليات الـ«Inference» تحت اسم «غويا»؛ تستطيع «غاودي» فهم العلاقة بين البيانات بسرعة 1650 صورة في الثانية الواحدة، بينما «غويا» قادرة على تحليل 1527 جملة أو 15453 صورة في الثانية الواحدة، وهذا ما جعل «إنتل» تهرول لشراء هذه الشركة.
سياسة الكيل بمكيالين
بناءً على كل ما سبق، نجد مشكلتين رئيسيتين، باستحواذ «إنتل» على «هابانا لابس»، يجب التطرّق إليهما.
أولاً، يوم أنتجت شركة «هواوي» الصينية أفضل منظومة للاتصالات اللاسلكية من الجيل الخامس، جنّ جنون الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبدأت تصدر عن واشنطن حملات تخوينية ضد «هواوي»، والسبب أنّ مؤسّس الشركة «رن شنغفي»، هو ضابط متقاعد في جيش التحرير الشعبي الصيني، وأنّ لدى واشنطن مخاوف من أن تكون الحكومة الصينية قد أمرت ابنها المتقاعد بأن يضع برمجيات «خبيثة» داخل أجهزة الـ«5G» لتتنصّت الصين على العالم بأسره.
حسناً، ها هنا أمر مشابه؛ «ران حالوتس» ابن «دان حالوتس» رئيس هيئة الأركان العامة السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ألا يثير هذا الأمر مخاوف؟ أليس من الممكن أن يكون الكيان الإسرائيلي قد طلب من حالوتس وضع برمجيات خبيثة، أم أنه في حالة «إسرائيل» تكون مصالح التجسّس مشتركة.
ثانياً، سيتم استخدام هذه التكنولوجيا في كل من الحوسبة السحابية الخاصة أو المختصة بمراكز البيانات، والسيارات الذاتية القيادة، والروبوتات وأجهزة الصراف الآلي. هذا يعني أن التكنولوجيا الإسرائيلية ستهيمن بقرار أميركي على كل قطاعات المستقبل القريب، وهذا الأمر مرعب بحدّ ذاته.
موظفي «إنتل» في إسرائيل
تعدّ شركة «إنتل» من أفضل الشركات المُصنّعة للرقاقات الإلكترونية في العالم، حتى إن أغلب أجهزة الكومبيوتر حولنا سنجد عليها شعار الشركة.
توظف الشركة قرابة اثني عشر ألف شخص في الكيان الإسرائيلي، وهي مسؤولة عن 52 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة أيضاً، كما يتمّ إنتاج جزء كبير من رقاقات الشركة التي توزع حول العالم في مدينة حيفا.
اضف تعليق