عندما نذكر مصطلح الذكاء الاصطناعي، غالباً ما يتّجه حديثنا تلقائياً أو ربما علينا القول، ميكانيكياً إلى طرح أسئلة تتعلّق بمستقبل ما، ولكل منا الحرية بأن يتخيّل هذا المستقبل، ففي أفضل الأحوال، هو مستقبل واعد ينعم فيه الإنسان برفاهية لا محدودة تؤمّنها الآلات والبرامج. وفي السيناريو المُظلم...
عندما نذكر مصطلح «الذكاء الاصطناعي»، غالباً ما يتّجه حديثنا تلقائياً (أو، ربما علينا القول، «ميكانيكياً») إلى طرح أسئلة تتعلّق بـ«مستقبل» ما، ولكل منا الحرية بأن يتخيّل هذا «المستقبل».
ففي أفضل الأحوال، هو مستقبل واعد ينعم فيه الإنسان برفاهية لا محدودة تؤمّنها الآلات والبرامج. وفي السيناريو المُظلم، تكوّن الروبوتات وعياً فردياً وإدراكاً جماعياً يوصلها إلى أن ترفض «خدمة» مصالح البشر، فتخرج عن سيطرة مصمّميها، وتنقلب عليهم.
الحقيقة هي أنّنا، وبسبب التطور الهائل الذي شهده مجال الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة الماضية، بتنا نعيش في هذا «المستقبل» - وأدركنا أنّ تأثير الذكاء الاصطناعي في حياة البشر بات خليطاً من السيناريوهين المذكورين: الذكاء الاصطناعي هو نعمة للشركات والمستهلكين، ونقمة على العمّال.
خذ تجربة الذكاء الاصطناعي في شركة «أمازون»، على سبيل المثال.
لقد كانت الشركة رائدة في اختراع محرّك يستنتج عادات وتفضيلات المستهلكين بناءً على سلوكياتهم السابقة وبياناتهم عمليات الشراء التي قاموا بها لتحقيق هدفين: التسهيل على مستخدمي الموقع إيجاد المنتجات التي يبحثون عنها، وبذلك، دفع المستخدمين إلى شراء عدد أكبر من المنتجات المعروضة، لزيادة أرباح الشركة.
وهذا ما حصل، بالفعل، إذ تشير شركة الاستشارات ماكنزي إلى أنّ خوارزمية التوصيات التي تُظهر لمستخدمي «أمازون» منتجات تهمّهم هي مسؤولة عن 35% من عائدات «أمازون» في منتصف عام 2018.
ولكن، في «أمازون» أيضاً، يظهر الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي.
فمنذ أسابيع قليلة، نشر موقع The Verge تقريراً يكشف استخدام شركة «أمازون» ذكاء اصطناعياً، يعمل من تلقاء نفسه من دون أن يشرف عليه أي موظف أو عامل، ويطرد عمّال التوضيب عندما تقلّ نسبة «إنتاجيتهم».
وتؤكد الوثائق أنّ الشركة طردت، بين آب 2017 وأيلول 2018، 300 موظف من مستودعات التخزين من منشأة واحدة! وقد وصل الحال في بعض عمّال «أمازون» إلى أن يتجنّبوا الدخول إلى الحمّام خوفاً من أن يتلقوا إنذاراً!
وهنا، نجد المفارقة: النظام الذي يؤنسن المستهلك، ويمنحه شخصية افتراضية، ويدرس سلوكياته الفردية، واهتماماته الخاصة، هو نفسه الذي يعتبر العامل رقماً في سلسلة الإنتاج، يُنذر تلقائياً من دون النظر إلى حاجاته الصحية أو النفسية، ويُطرد لانخفاض «إنتاجيّته» من دون أن تُتاح إليه فرصة تقديم أي عُذرٍ أو اعتذار، ويُستبدل بهدف رفع «الإنتاج»، مجرّداً بذلك العامل من إنسانيته.
اختبار القيادة بلا قائد
على قسوة أي نظام تقييم تلقائي يقيس إنتاجية العمّال ويطردهم من وظائفهم، إلا أنه ليس أسوأ ما يتعرض إليه العمّال من تبعات تطوّر برمجيات الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي سيستحوذ على العمل في مجالات عديدة، دافعاً بمئات ملايين الأشخاص إلى خسارة وظائفهم في السنوات القليلة المقبلة.
في حالات معيّنة، يستطيع العامل أن يحافظ على وظيفته إذا أظهر المرونة الكافية للتأقلم مع التغيّرات.
فينقل موقع «بلومبيرغ» المتخصّص في تقرير نشرته أرقاماً من استطلاع أجرته شركة IBM تشير فيه إلى أنّ أكثر من 120 مليون عامل في العالم سيخسرون وظائفهم، ويضطرون إلى أن يتدربوا على مهن جديدة.
ولكن ماذا عن الوظائف التي ستنقرض تماماً في السنوات القليلة القادمة؟
يُلقي تقرير في موقع Tech Crunch الضوء على مبادرة قامت بها الهند بالتعاون مع شركة «مايكروسوفت»، لاعتماد الذكاء الاصطناعي في فحص قيادة السيارات، إذ استُعيض عن المراقبة البشرية بهاتف مثبت داخل السيارة مشغّلاً تطبيق (HAMS).
هذا التطبيق مجهّز ببرمجيات تسمح له بتحديد سرعة السيارة ونسبة نجاح السائق في عملية الركن وصولاً إلى التحقق إن كان السائق قد التفت إلى المرايا أثناء القيادة.
تخيّل أننا نتحدث الآن عن تطبيق يستبدل العنصر البشري في فحص القيادة، وفي الوقت نفسه، تستعد السيارات ذاتية القيادة أن تستبدل، من جهة، العنصر البشري في قيادة السيارات، ومن جهة أخرى، هذا التطبيق نفسه!
نعم، لقد بتنا نعيش «المستقبل»!
اضف تعليق