من المفترض ان تأخذ وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الاتصال السريع والمجاني بيد المستخدمين الى عالم الصحافة المفتوح بما يسمى اليوم \"سوشيال ميديا\" او الاعلام الجماهيري، لتكون هذه الجماهير قد اغترفت من حرية الرأي والتعبير بعض الشيء في فضاءات سياسية منفتحة...
من المفترض ان تأخذ وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الاتصال السريع والمجاني بيد المستخدمين الى عالم الصحافة المفتوح بما يسمى اليوم "سوشيال ميديا" او الاعلام الجماهيري، لتكون هذه الجماهير قد اغترفت من حرية الرأي والتعبير بعض الشيء في فضاءات سياسية منفتحة – بعض الشيء- لبعض الدول، ونخصّ بالذكر الدول التي تعيش احداثاً متلاحقة ذات تأثير على اقتصاديات الدول الكبرى وايضاً على رؤاها السياسية وغاياتها الاستراتيجية.
بيد أن هذه الفضاءات أعطت شيئاً للجماهير تعجز عن الاستفادة منه لصالحها، وما يفيدها في حاضرها ومستقبلها، من ايجاد حلول لما تعانيه من مشاكل وازمات، وتطلّع الى مستقبل واعد، بينما نلاحظ الآخرين يتعاملون مع هذا النمط من الاعلام بشكل آخر، مما يمكن القول معه؛ باننا نعمل في سوق لا نتقن التعامل فيه، ولا نملك القدرة الذهنية والمالية لمنافسة الآخرين والخروج منه دون خسارة، و ربما يكون الامر تكرار لتجربة العولمة الاقتصادية في تسعينات القرن الماضي التي فطنت لها بعض الشعوب في اوربا وآسيا واميركا الجنوبية فرفضت بشدّة انفتاح اسواقها على المنتجات العالمية وهي ذات امكانات ضئيلة لا تكاد تسد رمقها، فضلاً عن التنافس في الانتاج والتصدير مع بلدان ذات امكانات هائلة في الانتاج والتطوير.
لمن يلاحظ مواقع التواصل الاجتماعي يجد حالة مشابهة لما حصل في ميدان التجارة والاقتصاد، فالجماهير العراقية –مثلاً- وقبل ان تقدم رؤاها وافكارها في مختلف المجالات، بما يمكنها من التأثير على القرار الحكومي، وفي نفس الوقت التأثير على الرأي العام في المحيط الاقليمي والدولي بما لديه من قدرات وفرص للنمو والتطور، فانه يجد نفسه امام سيول من التقارير السرية والمعلومات المخابراتية الصادمة التي تتصف بالدرجة الاولى بانها مقررة للمصير ومؤثرة على حياة المواطن العراقي، وايضاً المواطن الخليجي وأي مواطن آخر في بلادنا المأزومة.
طريقة صياغة هذه المعلومات والتقارير من الحبكة والذكاء أنها توحي بالمصداقية والحقيقة بما يصعب التشكيك فيه، فيما يتعلق بتحركات الولايات المتحدة، وما تخطط له اسرائيل في الحاضر والمستقبل، ومستقبل التحالفات في المنطقة، وصفقات التسلّح الضخمة من الغرب، وحتى من روسيا لدول المنطقة، الى جانب سباق التسلّح بدرجات محمومة للغاية، او الحديث عن احتمالات نشوب مواجهات عسكرية وتراشق بالصواريخ يكون محورها ايران، وتتحالف ضدها اسرائيل والسعودية واميركا، وغيرها من الاثارات الفارغة التي تصنع من أطراف اقليمية ودولية عمالقة عظام يملئون الدنيا رعباً! بينما المتابع الحقيقي في عالم "سوشيال ميديا" لطبيعة الاوضاع في هذه الاطراف الاقليمية او الدولية المتغوّلة عمداً، يجد أن الازمات تنخر في بنيتها الاقتصادية، والمشاكل الاجتماعية المعقدة تعصف بادمغتها وافكارها، فضلاً عن المشاكل السياسية داخلياً وسياسياً والتحديات الامنية وتورطها العسكري الفاشل في معظم بقاع الارض.
ان الفرص الحقيقية للنمو والتطور والابداع موجودة في اوساط الشباب الجامعي في دول مثل العراق والسعودية وايران وحتى باكستان وافغانستان، بيد انها تغيب او تُحجب قسراً امام شخوص متغوّلة ومتكبّرة تسعى لفرض نفسها على الشعوب وعلى العالم، ومن المؤكد، فان متنفس واحد لهؤلاء الشباب من شأنه ان يطيح بكل الهياكل الكارتونية الضخمة وانطلاق مشاريع انتاجية وتجارب علمية لا تُحد، والشواهد على ذلك عديدة من جامعات العراق حيث نسمع بابتكارات علمية جديدة بين فترة واخرى، او نجاحات في الانتاج وإغناء السوق وتحقيق نسبة من الاكتفاء الذاتي، وهو ما يغيب من السوشيال ميديا لدينا، وهو محل تساؤل وأسف في آن.
وربما نجد الاجابة عن هذا التساؤل في اهداف نشر تلكم التقارير والاخبار المفبركة، فاذا يجد الشاب انه في بلد "لا حول له ولا قوة"، وانه يُدار من قبل الآخرين، ما الذي يجعله يضحي ويبذل جهوده الذهنية والعضلية وينفق امواله ووقته، وحتى يضغط على أسرته، من اجل التحصيل الجامعي الذي يصطدم بطريق مسدود، وليس فيه نوافذ للتطبيق العملي وإبراز المهارات والابتكارات؟
ولعل ما نسمعه دائماً من ابنائنا الطلبة بين فترة واخرى من خلال وسائل الاعلام، عن الخطوة اللاحقة بعد التحصيل الجامعي، يأتي الجواب: الذهاب الى الخارج لإكمال دراستي! يكون دليلاً على وجود دفع من وراء الستار نحو الهزيمة النفسية وتنمية مشاعر اليأس والعبثية.
مع كل ذلك بالامكان الاستفادة القصوى من هذا الاعلام الجماهيري الهادر بما يعزز الثقة بالنفس وينشر الأمل بالحاضر والمستقبل من خلال البحث عن النقاط المضيئة والانجازات الحاصلة ومحاولة تطويرها، وتفهيم الرأي العام العالمي بان البلاد المأزومة سياسياً بسبب سوء الادارة وتخلّف العقلية السياسية، ليس بالضرورة ان تكون مأزومة نفسياً ومتراجعة علمياً وثقافياً.
اضف تعليق