تقول كتب الاستراتيجية أن الانتشار العالمي غالباً ما يقابله عقبات، إلا أن واتساب وRovio تعطينا أمثلة معاكسة. فهل يعني ذلك أن العقبات التقليدية التي تواجه النمو والتوسع في أسواق خارجية تقلصت بشكل جذري في العالم الرقمي؟ للإجابة على ذلك السؤال، دعونا نلقي نظرة على تجربة...
آندرو شيبيلوف
لماذا تنجح بعض الشركات الرقمية باكتساح العالم في حين تفشل الشركات الأخرى
يبدو أن العديد من المنتجات الرقمية قد حققت نجاحاً عالمياً. بدأ واتساب في 2009 كمنصة لإرسال الرسائل النصية عبر الانترنت عوضاً عن مشغلي الاتصالات. ووصل عدد مستخدمي واتساب حول العالم 400 مليون نسمة بنهاية 2013. اشترى فيسبوك الشركة بمبلغ 19 مليار دولار في السنة التي تلتها. وبالمثل، طورت الشركة الفنلندية Rovio لعبة "انجري بيرد" في 2009. وتم تحميل اللعبة 2 مليار مرة، لتحقق الشركة إيرادات بلغت 300 مليون يورو.
نمت تلك الشركات عالمياً دون أن تقوم بتكييف منتجاتها مع الأسواق المتواجدة فيها. على سبيل المثال، تجربة المستخدمين لتطبيق واتساب هي نفسها في الولايات المتحدة وفرنسا. وينطبق الأمر على لعبة "أنجري بيرد". في حين تقول كتب الاستراتيجية أن الانتشار العالمي غالباً ما يقابله عقبات، إلا أن واتساب وRovio تعطينا أمثلة معاكسة. فهل يعني ذلك أن العقبات التقليدية التي تواجه النمو والتوسع في أسواق خارجية تقلصت بشكل جذري في العالم الرقمي؟
للإجابة على ذلك السؤال، دعونا نلقي نظرة على تجربة ثلاثة من الشركات: توم توم (شركة أجهزة ملاحة)، وشركة بلابلاكار (منصة الكترونية للنقل المشترك)، وماستركارد (منصة للدفع عن طريق بطاقة الائتمان). بحسب كبار التنفيذيين بتلك الشركات، كورين فيغروكس، نيكولاس بروسون، وكارلوس مينينديز، فإن القصة خلف تدويل نماذج الأعمال الرقمية ليست ببسيطة.
الثقافة المحلية مهمة
قد يبدو تصميم خرائط عالمية بالأمر اليسير على شركة توم توم. ففي النهاية أليست جميع العناوين مكتوبة بذات الطريقة في جميع أنحاء العالم؟ لا يبدو الأمر كذلك. ففي الهند على سبيل المثال، لا يوجد أسماء لمعظم الشوارع. وعوضاً عن ذلك بإمكانك البحث عن مكان بعينه. فإذا ما كنت تبحث عن مكان في المدينة، عليك أن تعرف رقم المبنى. مما دفع المسؤولين في توم توم إلى تكييف خرائطهم وواجهة الملاحة لمساعدة العملاء على توجيه أنفسهم بشكل أكثر سهولة في الهند.
حلت منصة بلابلاكار مشكلة تواجه العديد من الدول – فهي تصل المسافرين الراغبين بوسيلة نقل بسائقين يتخذون نفس الوجهة لمشاركتهم الرحلة بحيث يتقاسم كلاهما تكلفة الرحلة. اكتشفت بلابلاكار في وقت مبكر أن الاختلافات الثقافية بين الدول أثرت على مدى تبني الخدمة. على سبيل المثال، كون مشاركة السيارة أمر شائع في روسيا أكثر منه في المملكة المتحدة، تقبل المسافرون خدمات الشركة بشكل أكثر منه في بريطانيا. بناء على ذلك، طورت الشركة من سلوك دخول الدول من خلال "استقطاب المواهب": قامت الفرق كلما سنحت الفرصة بتطوير منصة تشارك السيارات. ساعدت سياسة استقطاب المواهب الشركة على النمو ودخول أسواق جديدة بفضل فريق عمل ملم بخصائص الثقافة المحلية، التي تعتبر مفتاحاً لإحداث تغيير في السلوك على نطاق واسع. كان ذلك سبباً أيضاً بإعطاء نوعاً من الاستقلالية للفرق المحلية عندما يتعلق الأمر بالتسويق واستراتيجية التواصل. تضم بلابلاكار اليوم 65 مليون عضو في أكثر من عشرين سوقاً.
الشراكات
تعتبر الشراكات حجر الأساس عند دخول أسواق جديدة، وينطبق ذلك على المنتجات الرقمية. على سبيل المثال، استفادت مبادرة ماستركارد للمدن الذكية من حلول الدفع الافتراضية للمستهلكين مثل المواصلات في لندن. تقوم ماستركارد بتأمين البنية التحتية، في حين يقوم شركاؤها (مثل شركة كوبيك لأنظمة النقل) بتوريد أجهزة الدفع المحلية. فمن خلال تركيزها على الجانب التقني والسماح لشركائها بالتركيز على الجانب المادي، استطاعت ماستركارد من تحقيق استقرار لشبكتها على الصعيد العالمي في الوقت الذي تسهل فيه التعاملات المحلية.
عملت بلابلاكار أيضاً مع أكسا، شركة التأمين التي تؤمن التغطية للسائقين الراغبين بالعمل بأسلوب مشاركة الرحلات. بدأ هذا التعاون في فرنسا ومن ثم في الأسواق العالمية. أدركت بلابلاكار أنه بالإضافة إلى العوائق الثقافية التي ذكرناها (بالنسبة إلى باقي دول أوروبا، أو الأسواق الناشئة كما في البرازيل وروسيا)، يحتاج المسافرون في المملكة المتحدة إلى مستوى أكبر من الثقة من أجل القيام بتلك الخطوة وتبني هكذا نموذج جديد للتنقل. وفي الوقت الذي أبدى فيه المسافرون في فرنسا الرغبة بتجربة بلابلاكار وافترضوا أن شركات التأمين تغطي الرحلات المشتركة، اعتقد المسافرون في الولايات المتحدة أن شركات التأمين لن تغطي الرحلات المشتركة. التعاون مع ألكسا الذي يوفر بدوره تغطية للنفقات الإضافية مجاناً، نجح في تبديد شكوك المسافرين.
التنبه من الآثار المحتملة للشراكات المحلية
غالباً ما تعتمد نماذج الأعمال الرقمية على فائز يسيطر على السوق: تتمتع واحدة أو اثنتين من الشركات بقاعدة عملاء واسعة إلى حد كبير، في حين يتنافس باقي اللاعبين على الجزء الصغير المتبقي من المستخدمين. لذا، بالنسبة لبلد أجنبي يمتلك مسبقاً لاعباً يستفيد من شبكته- تزداد الفائدة مع زيادة عدد الأشخاص المستخدمين للمنتج في الدولة، وقد يكون من الصعب على لاعب جديد دخول ذلك السوق.
يتوافق هذا الحل مع الشركات التي تبيع منتجات مادية. تستطيع الشركة تحقيق وفورات في التصنيع حتى وإن بدأت من قاعدة صغيرة. فعندما باعت توم توم (الشركة الهولندية) أجهزة الملاحة في سوق الولايات المتحدة، لم يكن من الضروري أن تكون الشركة الرائدة في السوق الأمريكية لتخفيض تكلفتها مع كل وحدة مباعة. علاوة على ذلك، فإن عدم وجود قاعدة للعملاء بشكل مسبق لم يحول دون شراء المستهلكين للأجهزة. بنهاية المطاف، يمكن لصانعي المنتجات المادية العثور على طرق مربحة في الأسواق الجديدة، كون أعمالهم لم تتأثر بديناميات الفائز الواحد.
الانتشار عالمياً يتطلب شرطين
ما هي العوامل التي تفسر الانتشار العالمي لكل من لعبة أنجري بيرد، وواتساب؟ يبدو أن العوائق للتوسع عالمياً ستكون أقل في حالة المنتجات الرقمية لكن بشرطين: أولاً، ينبغي أن يظهر المنتج كاستجابة لحاجة شائعة بين مختلف الثقافات (مثل الحاجة إلى الرسائل النصية المجانية بحالة واتساب). وثانياً، ينبغي أن ينطبق المنتج مع منصة الشريك. يبدو من النادر تحقيق المنتج لكلا المعيارين، وذلك يفسر كون الشركات العالمية الناجحة هي الاستثناء وليس القاعدة.
فإذا ما أرتأيت التوسع عالمياً بشكل رقمي، لا تفترض مسبقاً أن الرحلة ستكون يسيرة وخالية من المصاعب. كن مدركاً للاختلافات الثقافية، وابحث عن شركاء محليين، واكتشف الطريقة التي ستساعدك على محاربة تأثيرات الشبكة.
اضف تعليق