اعتقل قرابة 800 شاب فلسطيني في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، بتهمة التخطيط لتنفيذ هجمات ضد الإسرائيليين، باستخدام برنامج إلكتروني يقوم بتحليل البيانات والمعلومات والتعليقات المنشورة على مواقع التواصل الإجتماعي، وخاصة موقع فيسبوك، فما هي خلفيات وملابسات هذا الخبر؟
ذكرت تقارير صحفية إسرائيلية، أن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي شين بت اعتقل في شهر مارس/ آذار 400 فلسطيني، اعتبروا بمثابة "الذئاب المنفردة" التي تريد أن ترتكب هجمات ضد الإسرائيليين، وأنه جرى توقيفهم قبل أن يقدموا على تنفيذ تلك الهجمات الإرهابية" حسب المصادر الإسرائيلية.
ويقول جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي إنه يستطيع التنبؤ بالمهاجمين "قبل تنفيذهم هجمات، من خلال تعليقاتهم ومنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي"، ومن جهة أخرى، تتهم أيضا أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية بأنها اعتقلت 400 شاب فلسطيني، من خلال استخدام الأسلوب ذاته بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي.
جاء الاتهام في مقال لجون براون الكاتب في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، نشر هذا الأسبوع، قال فيه إن 400 فلسطيني أيضا اعتقلوا في الفترة ذاتها من طرف الشرطة الفلسطينية، تم تحديد هويتهم من خلال مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن أجهزة الأمن الفلسطينية تنفي مزاعم من هذا النوع، وفي تصريحات لبي بي سي، قال اللواء عدنان ضميري، المفوض السياسي العام والناطق الرسمي لقوات الأمن الفلسطينية: "إن أجهزة الأمن الفلسطينية تتابع صفحات فايسبوك وما ينشر فيها، لكن في ما يتعلق فقط بالشق الأمني داخل الأراضي الفلسطينية"، واعتبر الضميري أن أي اعتقالات من هذا النوع تعتمد على معلومات حقيقية، ولا يشكل محتوى مواقع التواصل الاجتماعي فيها إلا مؤشرا على الأشخاص المعنيين.
كيف تتم المراقبة؟
حسب المصادر الإسرائيلية تتم المراقبة باستخدام برنامج إلكتروني، يقوم بمسح المعلومات الموجودة في المصادر المفتوحة بشكل كلي أو بشكل جزئي (مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تحليل تلك البيانات، بالاعتماد على كلمات مفتاحية معينة، مثل كلمة شهيد مثلا، ومن خلال تلك الكلمات يقوم النظام الإلكتروني بتحليل كم هائل للمعلومات التي ينشرها الشخص على صفحته في موقع فيسبوك أو تويتر مثلا.
وكان رونن بيرغمان، الصحفي في القناة الإسرائيلية العاشرة أول من حقق في موضوع الرقابة الإلكترونية هذه، لكنه ذكر أنه على الرغم من استخدام هذه الوسائل الإلكترونية الجديدة لتحديد منفذي الهجمات المحتملين قبل وقوعها، فإنه كان من الصعب الكشف عن هويتهم بشكل دقيق.
لكن مراسل القناة للشؤون العسكرية أور هايلر، أسند الانخفاض الملحوظ في العلميات الانتحارية، والهجمات التي ينفذها الفلسطينيون في إسرائيل، إلى برنامج إلكتروني، لم يذكر إسمه أو خصائصه أو الشركة المصنعة له.
وكانت موجة من أعمال العنف وعمليات طعن ودهس شهدتها إسرائيل بين 2015 و2016، تقول مصادر في الجيش الإسرائيلي إنها انخفضت لأسباب عدة، كالانتشار الجيد، والمراقبة المكثفة لنشاط الفلسطينيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كيف تعمل هذه البرامج؟
سادت عمليات طعن متكررة في إسرائيل، أدت إلى تشديد الحكومة الإسرائيلية للرقابة على ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، من محتوى يحث على العنف أو كراهية اليهود
يعتمد البرنامج على دالات رياضية محددة لجمع البيانات والمعلومات، بناء على كلمات مفتاحية، ويقوم أيضا على التحليل اللغوي للمحتوى.
وعلى سبيل المثال، توضع قوائم بالكلمات ذات المصلحة عن قريب أو بعيد بالهجمات الدامية، والتي يحددها خبراء نفسانيون ومختصون في تحليل الخطاب، ويتوقعون أن اللغة التي تستخدمها أي جماعة تريد تنفيذ هجوم مسلح، أو شخص يخطط لعملية انتحارية أو هجوم على الإسرائيليين، ربما تحتوي على نوع معين من الكلمات، مثل "شهيد" أو كيمياوي، أو عبارة الله أكبر، إلخ...
لكن عدنان الضميري المتحدث باسم قوات الأمن الفلسطينية، يقول: "إن كلمة شهيد بالنسبة للاسرائيليين لا تحمل ذات المعنى الذي تحمله في لغة الفلسطينيين.
فالفهم الإسرائيلي- حسب الضميري- فيه مبالغة كبيرة جدا، والفلسطينيون يقولون شهيدا إن كان على المتدين أو غير المتدين من الشباب الفلسطيني.
لكن المشكلة المطروحة والتي تشدد عليها منظمة الخصوصية الدولية، أن هذا النوع من المعلومات لا يمكن أن يبنى عليه أي أساس قانوني لاعتقال الأشخاص، لمجرد أنهم استخدموا هذا النوع من المحتوى في تعليقاتهم أو منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول جون براون الكاتب في صحيفة هاآرتس الإسرائيلية: "ما ينقص هذه التقارير بشأن استخدام هذا النوع من البرامج لاعتقال الفلسطينيين قبل تنفيذهم هجمات، هو السؤال الملح: كيف يمكن لأجهزة الأمن الإسرائيلية أن تعتقل شبابا فلسطينيين لمجرد الاشتباه في أشياء لم يقترفوها؟" منتقدا تقرير القناة العاشرة الإسرائيلية التي بثت التقرير، مستغربا أن يمر ذلك دون انتقادات تذكر.
الذئاب المنفردة
وتعتقد أجهزة الأمن الإسرائيلية أن العامل المشترك بين أغلب منفذي الهجمات الذين يخططون بمفردهم، هو كتاباتهم على تلك المواقع مثل فيسبوك ، وأنهم في الغالب يفتقرون للانتماء لجهة بعينها، لكنهم يستلهمون المبادرة لتنفيذ هجمات بمفردهم، من خلال مشاهدتهم لتغطية العمليات المشابهة والتعليقات المصاحبة لها، أو من خلال تشجيع أحد أفراد عائلتهم لهم.
بالنسبة لإسرائيل، التي شهدت موجة من عمليات طعن متكررة، فإن تلك الأعمال أدت إلى تشديد الرقابة على ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، من محتوى يحث على العنف أو كراهية اليهود.
وقدمت مشروع قانون يخول للمحاكم الإسرائيلية، إجبار شركات الإنترنت على حذف محتوى بعينه، ترى فيه المحكمة أنه يحث على الكراهية أو العنف ضد الإسرائيليين.
لكن منظمات حقوقية فلسطينية تقول إن ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الفلسطينيين، من محتوى عنصري وتحريض ضد العرب، تضاعف مرتين في 2016، دون أن تتحرك الحكومة الإسرائيلية لمراقبته.
واستنادا إلى تحقيقات أجرتها منظمة الخصوصية الدولية بشأن البرامج الإلكترونية المستخدمة للرقابة على محتوى مواقع التواصل الاجتماعي والتجسس الإلكتروني، يوجد في إسرائيل 27 شركة متخصصة في تصميم هذا النوع من البرامج.
وأشار التقرير الذي نشر في أكتوبر/ تشرين الثاني 2016 إلى برنامج إسرائيلي صممته شركة ماير سيكيوريتي، التي توصف بالعقل المطور لأساليب الرقابة والتجسس الإسرائيلية، واسمه SAIP، التي تعني منصات المعلومات الاستراتيجية المؤكدة (Strategic Actionable Intelligence Platform) ويعمل بالطريقة ذاتها، التي أشار إليها تقريرالقناة التلفزيونية العاشرة في إسرائيل.
وتشير المنظمة إلى أن البرنامج المذكور يقوم بغربلة دقيقة لكل الكلمات المفتاحية، والعبارات التي تهم أجهزة الأمن والمخابرات، وأن هذا النوع من البرامج أصبح يتمتع بشهرة على المستوى الدولي بين أجهزة الاستخبارات، التي تريد القيام بإجراءات استباقية، لأي خطر محتمل يتعلق بتنفيذ هجمات.
وكانت مسالة مراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، بلغت ذروتها مع بداية أحداث ما يسمى بالربيع العربي، إذ استخدم هذا النوع من البرامج الإلكترونية لمراقبة المحتوى، الذي ينشره السياسيون والناشطون الحقوقيون على مواقع الانترنت، وخاصة موقع فيسبوك، في دول مثل تونس والبحرين ومصر.
أما في إسرائيل، فتقول الحكومة إنها تمكنت من اختراق "الذئاب المنفردة" وتحديد نواياهم بتنفيذ هجمات قبل ان يقدموا عليها، من خلال التجربة التي خاضتها أجهزة الأمن الإسرائيلية خلال موجة الطعن بالسكاكين بين 2015 و2016.
بعض المحللين الإسرائيليين يقول إن هجمات الذئاب المنفردة في إسرائيل باتت أمرا من الماضي، في مقارنة مع ما يقع الآن في أوروبا، التي تشهد هجمات متكررة لأشخاص منفردين، ينفذونها باسم تنظيم الدولة الإسلامية، ولا تزال تحير أجهزة الأمن الأوروبية.
اضف تعليق