الجماعة هي الاثنية، الاسرة، العشيرة، الطائفة، الجمعية الرياضية.. وهي تشير بالمعنى العريض الى مجموعة ممتدة من اشخاص يرتبطون فيما بينهم برياط اجتماعي دقيق، ان الانتماء الى ثقافة مشتركة هو الشعور بالانتماء الى المجموعة نفسها.
والجماعة (مجموعة من الأفراد يشتركون في علاقات متبادلة تجعلهم يعتمدون بعضهم على بعض. وقد يكون هذا الاعتماد إيجابياً، عندما يؤدي تحرك الفرد لتحقيق أهدافه إلى تحقيق أهداف الآخرين (التعاون). وقد يكون هذا الاعتماد سلبياً، عندما يؤدي تحقيق الفرد هدفه إلى إعاقة وصول الآخرين إلى الهدف نفسه (التنافس).
استعملت الجماعة لاول مرة في القرن الرابع عشر للاشارة الى (هيئة ممثلي الشعب) او كيان اجتماعي او سياسي. ومنذ ذلك الحين صارت الكلمة تستخدم استخدامات متنوعة لتدل على الرفقة او الملكية المشتركة، او الدولة او المجتمع المنظم، او الهوية المشتركة، او المصالح المتداخلة. واستنادا الى هذا يتحدث الناس عن جماعة علمية، او اكاديمية، او قانونية، او دينية، او جماعات عمل.
في كل اجتماع بشري يولد مبدأ سلطة، مبدأ امرة او قيادة، وتكون سياسة او سياسات للجماعات. بكلام اخر، اساس الجماعة الفرد، الانسان المضاعف اجتماعيا باخوانه وبني جلدته، المتكون اجتماعيا للاستقواء بالجماعة على مصاعب الوجود في البيئة الاجتماعية والبيئة الطبيعية، ومتاعب الوجود في العالم.
وهو حين يتقوى بالسياسة او التدبير، انما يصطنع اطارا مرجعيا لواقعة الجماعة، للوقائع الاجتماعية، ولاسباب استمرارها وتواصلها في التاريخ.
الجماعات اصناف شتى، لامجال لحصرها وتصنيفها الا بالاعتماد على المعايير المرجعية المعمول بها في تعريف الجماعة وتحديدها. ابرز هذه المعايير:
(حجم الجماعة ونوعية الروابط بين افرادها – مدى الانصهار الداخلي او مدى التباعد بينهم – ديمومة الجماعة).
الخصائص السيكولوجية للجماعة
يشير موشييللي إلى أن الجماعة تنبني على مجموعة من الخاصيات السيكولوجية الأساسية ويجملها في:
التفاعلات.
وجود أهداف مشتركة.
بروز مقاييس أو قواعد التصرف.
بروز بنية غير شكلية لنظام العواطف والود والنفور.
وجود انفعالات ومشاعر جماعية مشتركة .
وجود لاشعور جماعي.
إقامة توازن داخلي ونظام للعلاقات المستقرة مع محيطها
في كتاب "السياسة" من موسوعة الفقه، يتحدث الامام الشيرازي الراحل (قدس سره) عن الافراد والجماعات، والشروط او المؤهلات كما يسميها لتطوير نفسها، ف (الفرد في ضمن الجماعة، وإلى الجماعة المشتملة على الأفراد، من جهة تبادل القدرات، واستفادة كل منهما من الآخر امتداد قدرته نحو الأهداف التي يتوخاها كل منهما، فإن الجماعة إنما تتركب من الأفراد، كما أن المجتمع الكبير إنما يتركب من الجماعات، فإن صلح الفرد وكان بالمستوى اللائق في الإطار الفكري المناسب، صلحت الجماعة، لأنها ليست إلاّ أفراداً، وإذا صلحت الجماعات صلح المجتمع الكبير، والعكس بالعكس).
والمؤهلات التي تؤهل الإنسان لأن يكون عضواً صالحاً في الجماعة، سواء كان رئيساً أو غيره، يجملها على الشكل التالي:
الهدوء والتوازن
(الهدوء والصفاء والتوازن الفكري والعملي، فإن القلق والهياج والخلط فيهما خليقة بأن تجعل من الإنسان عضواً فاسداً مفسداً، فهو لا يبتعد عن القدرة فقط، بل يسقط قدراته أيضاً في الوصول).
الصبر في المشاكل
(الصبر على المشاكل وعلى السير إلى الهدف، فإنه من أقوى سمات القدرة، والصبر ضمان لحفظ النظام ولحفظ الهدوء، ولتبصر العواقب ولمعرفة ارتباط الأشياء بعضها ببعض).
معرفة الناس
والعضوية في الجماعة (تتطلب أول ما تتطلب معرفة الناس، حتى يتمكن الإنسان أن يضع كل أحد موضعه، ويعامل كل فرد وكل جماعة المعاملة اللائقة به وبها).
مستويات مختلفة
(تختلف درجة العضو في الجماعة باختلاف فهمه وحزمه وهمته، بالنسبة إلى الهدف، فقد يكون عضو فاتر الهمة لا يؤمن بالهدف إيماناً كاملاً، وقد لا يفهم الهدف حق فهمه، وقد لا يكون حازماً عند سيره إلى الهدف، وكل ذلك مما يقلل قيمة العضو، ويجعله سياسياً فاشلاً).
القدرة
(والقدرة أمانة في ذمة الإنسان، لا يحق له تبذيرها ولا تجميدها. واللازم على ذي القدرة أن ينمي قدرته، فإن القدرة أيضاً قابلة للنمو، فالقدرة السياسية والاقتصادية والعلمية وغيرها كلها قابلة للنمو، وإنما نمو كل قدرة حسب موازين تلك القدرة).
الفكر المتكامل
(الفكر المتكامل والجرأة والمبادرة واتخاذ القرار من الأمور الضرورية للإنسان ذي القدرة، وعليه فاللازم على القدير أن لا يقدم بدون تفكر في جوانب الأمر، وإلاّ كان ما يفسده أكثر مما يصلحه، ثم إذا فكر لكنه تجبجب وتردد لم ينفعه تفكره، والسابقون هم الفائزون فاللازم المبادرة).
الإرادة الفولاذية
(ليتذكر صاحب القدرة دائماً أن إرادة التنفيذ عامل من عوامل النجاح، والمريد للتنفيذ إذا أوصد أمامه ألف باب دخل من الباب الواحد والألف، فليس الجو مهما كان خانقاً بدون فرج، كما أن الجو لمن لا يريد التنفيذ لا يوجد فيه ولا كوة، فالأعذار تلبد الأجواء).
الانضباط
و(مهما كان الانضباط رائد الإنسان القدير في كل شأنه، ازداد قدرة على قدرة، وهو عبارة عن وضع العمل المناسب في المكان المناسب وفي الزمان المناسب، وكذلك بالنسبة إلى وضع الأفراد في أماكنهم، فالشجرة قد تعطی ألف برتقالة إذا كانت في مكان مناسب، بينما لا تعطى حتى مائة في المكان غير المناسب.
والانضباط لا يأتي إلاّ بعد رؤية مستقبلية وحالية، ليعرف مقادير الأشياء ومواضعها، فهو العمل ضمن فكرة مدروسة بإتقان، بعد أن يفهم القدير بسبب الدراسة المشاكل ويضع الحلول وكيفية رد الفعل لها، والانضباط يجب أن ينفذ في جو مرح، ولا يكون قاسياً، وإلاّ حطم الروح مما يوجب قلة التقدم، فإن الروح والجسم يشتركان في تقديم الأمور، فإذا انسحب أحدهما من الميدان لم يقدر الآخر على أمر).
رفع المستحيل
(وليعلم السياسي القدير أن لا مستحيل إلاّ ما ينتهي إلى النقيضين، جمعاً أو رفعاً، فكل شيء ممكن حتى ما إذا أراد توحيد ألف مليون إنسان تحت حكومة واحدة.
وكلما قوّى العضو نفسه كان أجدر بالوصول إلى الأهداف، فمهما قويت النفس قل ضغط الانفعالات والاضطرابات عليها).
التخطيط السليم
(الأماني بضائع الحمقى، والقدرة لا تأتي بالأماني، وإنما بالتخطيط السليم، ووضوح الرؤية المستقبلية، وتحري الوسيلة التي تنتج الهدف، بأيسر الطرق وأقربها).
اغتنام الفرص
(ومن أهم ما ينتج القدرة اغتنام الفرصة. والفرصة لا تطرق أبواب كل أحد، كما لا تستمر في طرق باب أحد، فاللازم أن يكون السياسي ذكياً، ينتهزها أينما وجدها).
التواضع
(والقدرة تلازم التواضع، والسياسي القدير هو الذي يعلم أن الأراضي المرتفعة محرومة من مياه الأنهار، فالمتواضع مصب القدرات. ومن طرق التواضع أن يحترم الإنسان آراء الآخرين ويستشيرهم.
فإذا فكر السياسي القدير أنه إنسان، وكل إنسان ـ باستثناء المعصوم عليه السلام ـ معرض للخطأ، لم يمتنع أن يتحرى الرأي الأصوب في أموره، كما لم يمتنع أن يعترف بالخطأ إذا ظهر له ذلك، وفي المثل، وهذان الأمران، الشورى والاعتراف بالخطأ، يزيدان الإنسان قدرة، كما يزيدان الناس به ثقة).
البحث عن النقد
(وعلى الإنسان الذي يتطلب القدرة لإنجاح المهمات، أن لا يتطلب المديح ولا يقبله من أحد، بل بالعكس يجب عليه أن يفحص عن النقد، ويتطلب النقد البناء عن أصدقائه وعن الآخرين.
أما إذا انتظر الإنسان مدح الآخرين له بما هو كذب وهش لمدحهم إياه بما ليس فيه، فهو أخذ في السقوط، والقدرة تنحدر عنه انحدار الماء من الشلال).
الإنسان الواقعي
(وليعلم الذي يريد تحصيل القدرة أن حل الأمور لا يمكن بالأقوال المجردة والتأفف، وإظهار النفس بمظهر الجد مع الفراغ عن العمل، بل القدير هو الإنسان الواقعي الذي يلاحظ الأمور بكل واقعية، وبدون أن ينظر إليها بمنظار غير صحيح.
فإن عدم الانسجام مع الواقع في الفكر والعمل أول خطوة للعجز، فالتشاؤم والتفاؤل ورؤية الأمور صغاراً أو كباراً بما ليس بواقع، كل بدوره ينقص القدرة).
اضف تعليق