لا يتصالح الانسان مع نفسه الا اذا عاد اليها، ولا يعود منها مرة أخرى الا اذا تطابق قوله مع فعله. لا يمكن ان يكون ثمة تناقض بين الاثنين (القول –الفعل) لان المسافة سوف تتسع حينها بين الاختلاف والتطابق.
انها وحدة الانسجام، او هكذا تسمى في علوم النفس، او هي النفس المطمئنة كما في التسمية القرآنية، لكن ذلك (وحدة الانسجام) يتطلب إرادة من نوع خاص يمكن للجميع ان يمتلكها اذا حاول بمشقة وليس باستخفاف، قد يفشل لمرات لكنه مؤكد سينجح في المرة الأخيرة التي تؤسس لمرات قادمة جديدة لاوجود لفشل فيها، ولا يمكن النكوص بعدها الى ما كان عليه قبل المحاولة الأولى. انها ستصبح عادة يومية، يكون الاتيان بها سهلا، طبيعيا، لا مكابدة فيها.
ماذا عن إرادة أقرب ان تكون الى الفطرة؟
اتحدث هنا عن الحرية التي نحتويها، لكننا نأخذ بالتدريج بالتعرف عليها.
ماذا عن البيئة؟
هل يمكن ان تصنع / تشكل مثل هذا الانسجام مع النفس، تلك الامارة بكل شيء (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها).
كيف يمكن لهذا الانسجام / التصالح مع النفس ان يتحول / يتمظهر على سلوك الانسان ويجعله قدوة للاخرين؟
محظوظ من امتلك هذا التحول / التمظهر، وقلة من امتلكوه.
ما الذي نفتقد اليه على مستوى الاجتماع والسياسة؟
غياب القدوة التي من شروط تحققها توفر عدة اركان في الانسان الذي يجب الاقتداء به، وهذه الاركان هي:
1 - الصلاح: ويتحقق بثلاثة أركان:
الإيمان، والعبادة، والإخلاص.
2- حسن الخلق.
3 - موافقة العمل للقول قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }.
والاقتداء هو طلب موافقة الغير في فعله، واتّباع شخصية تنتمي إلى نفس القيم التي يؤمن بها المقتدي، وعادة ما يمثل شخص المقتدَى به قدراً من المثالية والرقي والسمو عند أتباعه ومحبيه، والقدوة تنطوي في داخلها على نوع من الحب والإعجاب الذي يجعل المقتدِي يحاول أن يطبق كل ما يستطيع من أقوال وأفعال.
في النصوص الدينية تحدثت آيات القرآن الكريم والروايات الواردة عن أهل البيت حول القدوة وأهميتها ودورها ومن جملة ذلك:
قال الله تعالى : ﴿أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه﴾ .
وحث الله سبحانه الأمة على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيراً﴾ .
وقد تناولت العديد من الروايات مسألة القدوة لناحية أهميتها ودورها، عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: " من سنّ سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شئ" . وروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه قال أيضا: " في القلوب نور لا يضيء إلا من اتبع الحق وقصد السبيل وهو نور من المرسلين الأنبياء مودع في قلوب المؤمنينً).
وعن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: " لا طريق للأكياس من المؤمنين اسلم من الاقتداء لأنه المنهج الأوضح والمقصد الأصح. قال الله عز وجل لأعز خلقه محمد﴿ أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهً) فلو كان لدين الله تعالى عز وجل مسلك أقوم من الاقتداء لندب أنبياءه وأولياءه إليهً﴾.
اقف الان على بعض من سلوك وتمظهرات القدوة في النفوس المطمئن، والتي قرأت عنها او سمعتها مباشرة من اشخاص قريبين على سماحة الامام الراحل السيد محمد الشيرازي (قدس سره).
وهذه السلوكات لم يقصد منها صاحبها وهو يقوم بها، ان تتسلط الأضواء عليه، وتجلب له شهرة زائفة، وقسم منها تتصادم فيها رسالته التي حمل ايصالها على عاتقه وتحمل الكثير من التضحيات لاجلها، أقول تتصادم مع الكثير من الاعتبارات الاجتماعية التي يفرضها موقعه المرجعي داخل المجتمع، الذي لم يألف مثل تلك السلوكات، من رجل دين او انسان اخر، فما بالك بمرجعية دينية لها اتباعها ومقلديها.
قسم من تلك السلوكات اثر صاحبها الا يتحدث عنها، وهي عرفنا بها عن طريق الصدفة التي تضعه احيانا امام الاخرين في موضع الانكشاف وهو يقوم بها، وقسم اخر يحث عليها ويطالب بها، وهو قبل هذا وذلك يكون سباقا الى جعلها سلوكا يوميا في حياته.
وهو في كل هذا وذاك جعل من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قدوته الأولى والسامقة لاتباع تعاليمها، كيف لا وهو الذي كان يذوب حبا وعشقا لهذا النبي العظيم، وهو الذي (الامام الشيرازي) حملت اكثر مؤسساته تسمية تعود الى النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم).. وهو أيضا يقتدي بأئمة اهل البيت عليهم السلام، الذي كان قريبا من تعاليمهم واخلاقهم، وكأنه لا تفصله كل تلك الفاصلة لقرون عنهم.
توزيع المواد الغذائية على الفقراء
في مدينته كربلاء، مستفيدا من ظلمة الليل، حيث لا يحرج من يزورهم، يدفع هو واخيه الشهيد (السيد حسن الشيرازي) عربة مليئة بالمواد الغذائية، لتوزيعها على فقراء مدينته، التي احبها، وذاب حبا في من يرقد على ارضها بقبابه الشامخة.. وهو يقتدي بزين اهل البيت، سجادهم وبكّاؤهم) الامام علي ابن الحسين، ابن الراقد بمدينته.. والذي عرف عنه بانه أبو اليتامى والارامل، ولم تعرف ابوته لهم الا بعد موته، حين افتقد عطاياه من كان يعطيهم مما فضل الله به عليه.
الصدفة وحدها، جعلت أحد مقلدي الامام الراحل، يبصر بهما وهما يسيران في عتمة الليل يوزعان ما استطاعا جمعه من اهل الخير لفقراء تلك المدينة.
الذهب يليق بالزوجات
في التبليغ والإرشاد وتوجيه النصح، ينهج رجل الدين مناهج شتى لإيصال رسالته، ليس اقلها اللين والرحمة وعدم التجريح في رفض سلوك معين.
كان الشاب الذي يخدم الضيوف يرتدي بيمناه خاتما ذهبيا، ومن المعروف ان ذلك محرم في الإسلام، حين وصل الى الامام الشيرازي الراحل وقدم له الشاي نهض واقفا على قدميه واخذ منه قدح الشاي، وهو تصرف غير معهود او متعارف عليه بالنسبة لمن يقدم الخدمة للضيوف، وحين عاد لرفع الاقداح الفارغة، كرر الامام الراحل وقوفه أيضا، وهو يهمس في اذنه قائلا: هذا الخاتم يليق ان تهديه لزوجتك.. مثل هذا السلوك الذي حافظ على احترام الطرف المقابل جعله ينتبه الى تلك الحرمة في ارتداء الذهب بالنسبة للرجل، واسر قلبه لمثل هذا المرجع الكبير.
للشاتم قدح شاي وتوديع بمحبة
كم منا من يبقى هادئا حين يوجه له أحدهم شتيمة قاسية؟ قليل، بل نادر جدا، لان ذلك يحتاج الى إرادة قصوى للسيطرة على الغضب الجارف الذي يعتري المشتوم. وكم منا يتصرف خارج المألوف امام تلك المواقف، يستمع الى شتائم المقابل ويكون رده بتقديم الشاي له، وتوصيله الى الباب مودعا بعد انتهاء زيارة الشتم والتجريح؟ أيضا قليلة جدا ان لم تكن نادرة.
فعلها الامام الراحل (قدس سره) مع أحد الزائرين له، وكان يفعلها مرات كثيرة مع مثل تلك النماذج التي تكون مدفوعة بالحسد او من قبل جهات.
اضف تعليق