أساليب الإرهاب الاقتصادي الضريبي

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

يُثار بين الحين والآخر سؤال مفاده هل يعاني العالم حقًّا من أساليب الإرهاب الاقتصادي، ومن هي الأطراف التي تقف وراء ذلك، وما هي الأسباب والأهداف، ولماذا لا يتم كشف مثل هذه الكوارث الاقتصادية على مستوى العالم، لكي توضع لها المعالجات وتحدّ منها؟...

(إن أعمال الترهيب الاقتصادي هي التي كانت سبباً في إيجاد أكثر من ألف مليون جائع

في العالم) الإمام الشيرازي

 

يُثار بين الحين والآخر سؤال مفاده هل يعاني العالم حقًّا من أساليب الإرهاب الاقتصادي، ومن هي الأطراف التي تقف وراء ذلك، وما هي الأسباب والأهداف، ولماذا لا يتم كشف مثل هذه الكوارث الاقتصادية على مستوى العالم، لكي توضع لها المعالجات وتحدّ منها؟

في إحصائية دقيقة منشورة يوجد نحو 733 مليون شخصا واجهوا الجوع في العام الماضي، أي ما يعادل واحداً من كل أحد عشر شخصاً على مستوى العالم، وواحداً من كل خمسة في أفريقيا، وفقاً لأحدث تقرير عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم نشرته خمس وكالات متخصصة تابعة للأمم المتحدة.

وبحسب المنظمات والجهات المعنية، لا يزال يشكل الجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم تحديات حاسمة تؤثر على ملايين الناس في جميع أنحاء العالم. فقد حذر التقرير السنوي، الذي تم إطلاقه هذا العام في سياق الاجتماع الوزاري لفريق عمل التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر التابع لمجموعة العشرين في البرازيل، من أن العالم يتخلف بشكل كبير عن تحقيق هدف التنمية المستدامة الثاني؛ أي القضاء على الجوع، بحلول عام 2030.

مشيراً إلى أن العالم تراجع 15 عاماً إلى الوراء، مع مستويات من نقص التغذية مماثلة لتلك التي كانت قد حدثت في الفترة 2008 - 2009. وحتما أن مثل هذه الاحصائيات الدقيقة تؤكد النتائج الكارثية للإرهاب الاقتصادي. ويتم توجيه الاتهام بخصوص الترهيب الاقتصادي قديما للاستعمار ودول الغرب، وحديث الدول والشركات الاحتكارية التي لم تدّخر جهدا لنهب ثروات وخيرات البلدان الأكثر ضعفا في العالم ومن بينها إسلامية.

الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يؤكد في كتابه القيّم الموسوم بـ (السلم والسلام في الاقتصاد/ الفصل الثالث) على: (أن الإرهاب الاقتصادي يمثله الغرب والدول الاستعمارية ضد دول العالم وخصوصاً الإسلامية منها وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها).

وتوجد أساليب متعددة للإرهاب الاقتصادي، ومنها عمليات التجسس التي كانت تقوم بها الدول والقوى التي سعت ولا تزال للسيطرة على الاقتصاد العالمي، فقد خططت هذه القوى لعمليات التجسس، ووزعت الأدوار، ورسمتها بشكل دقيق، وحددت النتائج والأهداف، حيث يجب معرفة هذه الثروات بدقة، مصادرها، الدول الموجودة فيها، والظروف التي تحيط بها.

تمويل العجلة الصناعية للغرب

وفي نفس الوقت باشرت بعمليات الترهيب الاقتصادي، حتى يتسنى لها السيطرة على هذه الثروات، وتحتكرها، وتبدأ بابتلاعها كمواد أولية لتمويل عجلتها الصناعية الهائلة، وقد اعتمد على مختلف الوسائل لتحقيق هذا الهدف، مستفيدة من شبكة الإنترنيت، والقيام بأعمال التجسس بالطرق والوسائل الحديثة، معتمدة على عملائها، من الأفراد والأنظمة السياسية.

يقول الإمام الشيرازي:

(من أمثلة الإرهاب الاقتصادي التجسس الذي تقوم به الدول الاستعمارية على ثروات الشعوب المسلمة من أجل نهبها واستغلالها واحتكارها والسيطرة عليها، وعلى معاملاتها التجارية، وذلك من خلال وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت وغيره من الوسائل المتطورة، كما يتم التجسس عبر عملائهم في الحكم).

ومن أساليب الترهيب الاقتصادي أيضا، اتخاذ قرارات ذات طابع سياسي ضد بعض الدول التي توجد فيها تلك الثروات، مثل مصادر الطاقة، النفط، والغاز، فتتخذ القرارات السياسية الضاغطة على الحكومات، ومنها محاصرة الدول والشعوب وعزلها عن الحركة التجارية، ومنع الاستيراد والتصدير والتحكم حتى بالسلع والمواد الغذائية.

وتشن هذه القوى حربا على الشركات الموجودة في تلك الدول التي تريد أن تنهب خيراتها وثرواتها، فتدمر تلك الشركات، وتحارب الصناعة والزراعة والاقتصاد، وتدمر البنية التحتية والخدمات الأساسية، كالماء والكهرباء والغاز وكل مصادر الطاقة كما يحدث اليوم في العراق، كذلك تقوم بوضع الخطط اللازمة لتهجير العقول الذكية المتعلمة حتى لا تستفيد منها بلدانها، وتمنعها من تطوير اقتصاداتها.

حيث يقول الإمام الشيرازي: من أساليب الإرهاب الاقتصادي أيضا (القيام بالأعمال السياسية التي يراد بها الإرهاب الاقتصادي، كحصار الشعوب والتحكم في ثرواتها ومنعها من استثمار خيرات بلادها، وكالقضاء على الشركات الكبيرة ومنع تأسيسها أو استمرارها، وتخريب البنية التحتية للبلاد، والبرمجة الدقيقة لهجرة رأس المال إلى الغرب).

وهنالك أيضا قضية القروض التي يتم منحها للدول التي يُراد نهب وسلب خيراتها وثرواتها، حيث تقوم الدول الكبرى بإعطاء الدول الفقيرة قروض طويلة الأجل، وفي نفس الوقت تضع معادلة ضريبية (ربوية خبيثة) تستنزف موارد وأموال وثروات الدول المتخلفة، حيث تتضاعف الفائدة مع مرور الوقت، فيصبح القرض أكثر وأكثر.

وبهذه الطريقة يتم تكبيل الدول والحكومات بهذه القروض التي لا تستفيد منها هذه الدول، لأن حكوماتها تصرفها في غير مكانها الصحيح، أو تتعرض للسرقة والاختلاس، ويتم هدرها، لكنها تبقى بذمة الشعب، وتزداد وتتضاعف، ويتم تكبيل الدولة والحكومة والشعب بمثل هذه القروض التي لا فائدة منها للأسباب المعروفة.

حيث يؤكد الإمام الشيرازي على أن: (الفوائد التي تفرضها الدول الكبرى لقاء إعطاء قرض طويل الأجل أو لمدة معينة مما يثقل كاهل الدولة والشعب بزيادة الفائدة المرتفعة عبر مرور الوقت).

اختلال الاقتصاد العالمي

وهذه القوى الدولية والشركات الكبرى، حاولت أن تؤسس وتبني منظمات داعمة لها، تساعدها في مهمة السيطرة على الاقتصاد العالمي، ومن بينها على سبيل المثال منظمة التجارة العالمية، حيث تعد واجهة لاستنزاف الدول الأضعف، وفي نفس الوقت تضع الخطوات التي تسهل للدول والقوى الكبرى السيطرة على التجارة العالمية.

فهذه المنظمة معروفة بأساليبها وأهدافها، ومعروف عنها أنها تقدم الخدمة المطلوبة للولايات المتحدة حتى تبقى في حالة سيطرة وتحكم مستمر بالاقتصاد العالمي.

كما يشير إلى ذلك الإمام الشيرازي في قوله:

(من أساليب الإرهاب الاقتصادي ما عرف عالميا بمنظمة التجارة العالمية وهي مؤسسة وُضعت من أجل خدمة الاستعمار الغربي والأمريكي وذلك لأجل السيطرة على الاقتصاد العالمي وجعله مسيراً من قبل دول محدودة).

ونتيجة لمثل هذه الخطوات التي استخدمتها الدول الكبرى والقوى العالمية والشركات الاحتكارية، ونتيجة لغياب العدالة في توزيع الثروات، وفرص التقدم الاقتصادي بين دول العالم، فإن الجوع سوف يكون من نصيب الشعوب الأفقر، حيث الفقير يزداد فقرا والغني يزداد غنى في ظل نظام اقتصادي عالمي قائم على أساليب الترهيب الاقتصادي وتخويف الدول الأخرى لكي تنتهي الأمور إلى السيطرة على الاقتصاد العالمي كما يحدث اليوم.

إن ظاهرة انتشار الجوع في عالم اليوم، يؤكد وجود سياسة الإرهاب الاقتصادي، وما هذه الإحصائيات والنسب الكبيرة من الجوع إلا دليل على غياب العدالة في النظام الاقتصادي العالمي، وإثبات حالات الضغط والتخويف التي تمارسها الدول الكبرة حتى تحكم قبضتها أكثر فأكثر على ثروات وخيرات واقتصادات الدول الأخرى. 

يقول الإمام الشيرازي: (إن أعمال الترهيب الاقتصادي وغيرها من النهب والسلب واحتكار الثروة، هي التي كانت سبباً في إيجاد أكثر من ألف مليون جائع في عالم اليوم، وموت مليون طفل جوعاً بسبب عدم العناية الصحية في كل عام، وكذلك هي السبب في بث الرعب والقلق والخوف في النفوس).

هذا ما يجري بالضبط في عالم اليوم، على الرغم من أن الإمام الشيرازي تناول هذا الواقع الاقتصادي، وهذه الخطوات والاساليب الترهيبية قبل عقود من الآن، لكن هذه الرؤية تتحقق الآن، ونحن نرى ونلمس ونعيش هذا الواقع الاقتصادي العالمي الذي يقوم على سيطرة القطب الأقوى وربما الأوحد على الاقتصاد العالمي، وما قرارات ترامب الأخيرة في فرض الضرائب على جميع دول العالم، سوى دليل على اختلال العدالة الاقتصادية عالميا.  

 

 


اضف تعليق