الإنسان الحركي هو الذي يمكنه مواكبة ما يجري في العالم، فليس هناك إنسان اليوم بلا هدف أو بلا حركة، لهذا نحتاج جميعا أن نكون أناسا حركيين، فاعلين وليس خاملين، ماهرين في أعمالنا ودقيقين في رؤيتنا، لأننا بالنتيجة نهدف من وراء الحركة، التغيّر دائما وعدم الثبات في حالة واحدة، بل في حركة دائمة...
(المتحركون الهادفون، يقصدون الهدف مباشرة ولا يصرفوا وقتهم إلاّ فيه)
الإمام الشيرازي
الحركة بمعناها اللغوي تعني عدم الثبات على شكل واحد وفي مكان واحد، وهي نقيض الجمود والركود والكسل واللا تغيير، لهذا أُطلق على التنظيمات الثورية على وجه الخصوص بأنها حركات الهدف منها التغيير قبل كل شيء، وهناك قول يتردد فوق ألسن الناس يؤكد أن الحركة هي أساس التغيّر، لهذا يُقال (البركة في الحركة).
ينطبق هذا على الفرد، فهناك شخص حركي فاعل، وآخر نقيض له، محاط بالركود والكسل، والحياة الجيدة لا تُبنى إلا من خلال الإنسان الحركي، ولذلك يُطلَق على الأشخاص الذين يسعون لتغيير المحيط الذي يتواجدون فيه كـ (العائلة مثلا، أو صف مدرسي، أو مجموعة شباب، أو حتى المجتمع الأوسع، بأنهم أشخاص حركيّون، لا يلوذون بالكسل والخمول وتحاشي التغيير من حال إلى حال، فتجده حبيس المكان والزمان معًا.
وغالبا ما يكون الإنسان الحركي ذا هدف محدد، واضح المعالم مخطَّط له، وفي الغالب أيضا أن هذا الإنسان الحركي يركز جميع قدراته وخبراته وطاقاته باتجاه هذا الهدف المحدّد سابقا، ولن ينشغل بالأهداف الصغيرة الجانبية والانشغالات التي تؤخره عن الوصول إلى هدفه، فيكون هدفه الأساس هو الذي يتم التركيز عليه بصورة فاعلة وهائلة.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه المتميز بمضمونه وبعنوانه وهو (إلى العالَم):
(إذا كان على الإنسان أن يواصل السير نحو الهدف المحدّد، وفي هذا نجاة البشر من معاطب الدنيا ومهالك الآخرة، فلابد أن تُصبّ كل النشاطات في هذا الهدف والطريق الموصل إليه، ولا يلتفت الإنسان إلى اليمين أو للشمال إطلاقاً، لأن الالتفات يؤدي إلى صرف بعض النشاط في قضايا لا تخدم الهدف)
الفرد الحركي في الغالب يحمل عقلية تميل نحو التفوق، والانطلاق نحو تجميع الطاقات وتفعليها، وعم السماح في هدرها أو تضييعها لأي سبب من الأسباب، وكما هي العادة هناك تفضيلات عديدة في مجال التنفيذ والإنجاز أثناء السير نحو الهدف، فعلى سبيل المثال توجد خطوات مهمة يجب اتخاذها، وفي نفس الوقت هناك خطوات أهم.
الفرد الحركي لا يهدر طاقته
ماذا يختار الإنسان الحركي المنتِج، هل نجده سيفضّل المهم على الأهم، هذا الأمر غير وارد، فالأهم يتقدم دائما، والإداريون والقادة الحركيون يحسمون الأمر دائما لصالح الأهم حتى يكون إنجاز الهدف قضية محسومة، ولكن قد تكون هناك بعض الالتباسات والظروف التي تفرض نفسها على المنجز الحركي فيكون تقديم المهم على الأهم بحسب ظروف العمل والانتاج، ولكن عادة الفرد الحركي لا يهدر طاقته على المهم ويترك الأهم.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي قائلا:
(إن الهدف يحتاج إلى تكتّل جميع الطاقات لا تشتّتها، وعلى الأقل يكون الأمر من باب (الأهم والمهم)، ومن المعلوم أن العاقل لا يصرف طاقته في المهم إذا دار الأمر بينه وبين الأهم، نعم أحياناً لا يمكن صرف مثل هذه الطاقة إلاّ في المهم، ولكن الأهم يتقدم على المهم لبلوغ الهدف).
ومما يتميز به الأشخاص الحركيون أنهم أناس جادون في عملهم، لا يساومون أحدا في قضية الأولويات، وفي المقدمة من ذلك تركيزهم على البرنامج العملي وما يتمخض عنه، وهنا يتساوى في هذه القضية الأنبياء والأوصياء وكل إنسان حركي دينين فيكون الهدف قبل كل شيء رسم الخط المستقيم (الأقصر) لبلوغ الهدف.
فلا يمكن هدر الوقت هنا أو هناك، ولا يمكن ان ينشغل الإنسان أو القائد الحركي بأمور وقضايا تشغله وتسلبه الانتباه والتركيز على هدفه الأكبر والأهم، كذلك مطلوب من كل إنسان يتحرك نحو هدفه، أن يضع في حساباته، هذا النوع من التركيز، كما فعل القادة الحركيون المتميزون في سجلات التاريخ.
لذا من غير المسموح مطلقا التهاون في قضية هدر الوقت أو التفريط بالطاقة، هذان الأمران يرتكز عليهما الحركي لكي يحقق التغيير نحو الأفضل، وينتقل فيهما الإنسان من حالة البلادة واللامبالاة والخمول، إلى تقييم الوقت وفق الشعور العالي بالمسؤولية، لذا لو أراد الحركي أن يحسم الأمور لصالحه، عليه أن لا يتردد قيد أنملة في مسألة السعي نحو الهدف مباشرة.
هذا الأمر يؤكده الإمام الشيرازي في قوله:
(المتحركون الهادفون، سواءً كان هدفهم دينيا كالأنبياء والأوصياء عليهم السلام، أو زمنيًّا (دنيويا) كأصحاب السلطة والحكّام، فهؤلاء يقصدون الهدف مباشرة ولم يصرفوا وقتهم إلاّ فيه، مثلاً كان النبي صلى الله عليه وآله لا يصرف شيئاً من نشاطه بمكة المكرمة إلاّ في هدف تركيز لواء الإسلام).
هل يمكن لكل إنسان حركي لاسيما إذا كان مديرا أو مسؤولا أن يحقق الهدف المطلوب منه، أو الهدف الذي يخطط للوصول إليه؟، بالطبع الأشخاص الحركيون مختلفون في طبيعة الذكاء والخبرة والجرأة والتروي والحكمة، هذه صفات في شخصية الإنسان تختلف من شخص إلى آخر، وتجعل من هذا شخصا جيدا ومن ذاك شخصا فاشلا.
الاحتماء بالنظرة الثاقبة
أولا الشيء الأهم الذي يجب أن يتوفر في الإنسان الحركي هي (الأخلاق)، فحتى لو احتفظ بجميع الصفات والإمكانات والخبرات، إلا إذا كانت تعوزه الأخلاق، فإن الفشل سوف يكون بانتظاره بلا أدنى شك، ولذلك نجد أن الناس الذين ينجحون في مساعيهم وتطلعاتهم هم يحتفظون بأخلاق عالية تساعدهم على النجاح في العمل.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن الإنسان الحركي يجب أن يكون ذا أخلاق رفيعة في العلم والحلم والصبر والعفو والاستقامة والهدفية وسائر الأخلاق الحسنة).
على العكس من ذلك عندما يكون الحركي غير مهتم بالجانب الأخلاقي، بل يركّز في شخصيته على الصفات المجافية للأخلاق، في هذه الحالة سوف يكون الفشل مصيره شاء أم أبى، فمن يفقد الأخلاق سوف يُصاب بأمراض كثيرة في المقدمة منها الغرور، والتعالي والأنانية المفرطة، وهذه صفات لا تصلح للقيادة والحركة مطلقا.
بل هي صفات تدمر شخصية الإنسان، وإن كان يظن بأن التكبر والغرور والتعالي على الآخرين سوف يقوده إلى التقدم إلى أمام دائما، ولكن هذا الشيء لن يتحقق في نهاية المطاف، لذلك على الحركي أن يتجنب جميع الصفات التي تتناقض مع الأخلاق.
من المهم جدا كما يقول الإمام الشيرازي:
(أن لا يكون الحركي متصفاً بالأخلاق السيئة، كالكبر والغرور والكسل والضجر، وسوء الأخلاق والشقاق، وكونه ذا وجهين وذا لسانين، فهذه الصفات لا تقرّب الحركّيين من أهدافهم).
التعقّل والحكمة والتأني والاحتماء بالنظرة الثاقبة، يحتاجها الحركي ويجب أن يحققها في ذاته وشخصيته، لذا عليه دائما أن يهمّش القضايا الجانبية، ويركز على المصيرية أو الأساسية منها، أو ما يسمّى بالأهداف الكلية وليست الجزئية، فربما تعرض الحركي الجانبيات والقضايا الصغيرة المغرية أحيانا، عليه ان يعبرها إلى الكلّي والأهم.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(لا يخفى على العارفين الحكماء، بأن التخلص من الأمور الجزئية أو الوقتية لصالح الاهتمام بالأمور الكلية والهدفية، يحتاج إلى تعقلٍ كافٍ وإلى نفس كبيرة قادرة على تجاوز الجانبيّات).
في خلاصة الكلام الإنسان الحركي هو الذي يمكنه مواكبة ما يجري في العالم، فليس هناك إنسان اليوم بلا هدف أو بلا حركة، لهذا نحتاج جميعا أن نكون أناسا حركيين، فاعلين وليس خاملين، ماهرين في أعمالنا ودقيقين في رؤيتنا، لأننا بالنتيجة نهدف من وراء الحركة، التغيّر دائما وعدم الثبات في حالة واحدة، بل في حركة دائمة بالمسير إلى أمام.
اضف تعليق