الذي نريده هنا هو ان الدروس التي تقرر في المناهج الدراسية، يجب أن تبحث في دنيا المسلم وفي آخرته معاً، لتفي بمتطلبات الإنسان والمجتمع وتسد كلا حاجتيه المادية والمعنوية، وتبعده عن طريق الانحراف وحتى يأخذ الشاب المسلم الدور اللائق به في المجتمع...
(الدروس التي تقرر في المناهج الدراسية، يجب أن تبحث في دنيا المسلم وفي آخرته معاً)
الإمام الشيرازي
في ظل التناقضات الهائلة التي تحملها حياة الإنسان بين طياتها، ومع وجود سلسلة من الاحتياجات الجسدية والنفسية للإنسان، سوف تحدث نزاعات وتصارع إرادات كبيرة ومستمرة بين بني البشر لإنجاز هذه الاحتياجات التي تتطلب حركة مستمرة، في تأمين المصالح والأرزاق حتى يمكن للإنسان الفرد ورب العائلة ضمان قوته وأفراد عائلته، بالإضافة إلى الحاجات الغريزية والنفسية، فهذه كلها تتطلب حركة ومثابرة وتخطيط وأحيانا تصادمات.
ما هو دور الدين في حياتنا، ولماذا يحتاجه الإنسان أكثر من أية حاجة أخرى، ففي ظل التناقضات البشرية، وتضارب المصالح، والركض وراء الرزق اليومي، وتأمين الاحتياجات المختلفة، يحدث نوع من الفوضى، لدرجة أنه حتى القوانين الوضعية تعجز عن تحقيق العدالة، وهي نصوص قضائية ملزمة، فما بالك بدور الأحكام الشرعية (الدينية) التي في الغالب تكون غير ملزمة كالقوانين الوضعية التي يتم تطبيقها بالقوة كالاعتقال والحجز والسجن.
إذن فإن دور الدين يكون مركزيا في ضبط العلاقات المختلفة بين الناس، والأحكام الشرعية تنظم حركة الناس ومسيرة المصالح المختلفة فيما بينها من دون أن يحدث تجاوز على الحدود والحقوق، لذلك نطمح أن يفهم الناس دينهم، وكيف يمكنهم الاستفادة منه في زيادة وعيهم وثقافتهم حتى نضمن تحقيق الإشباع النفسي والجسدي وهذا يمكن أن يتحقق في حال تدريس الدين وإدخاله ضمن المناهج الدراسية بشكل أكثر تفصيلا.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيم، الموسوم بـ (وصايا الى الشباب المسلم):
(الذي نطمح إليه هو أن تدخل الدروس الدينية ضمن الدروس المنهجية في مختلف المستويات الدراسية، حتى يكون أبناؤنا وإخواننا على اتصال دائم بمعالم دينهم، وأن تكون مستوياتهم في ثقافتهم الدينية لا تقل شأناً عن مستواهم العلمي إن لم تكن أكثر، وبذلك سنضمن حصانتهم الروحية والفكرية وإشباع الجانب الفطري الذي يدفع الإنسان إلى الدين).
يشعر الإنسان غالبا بحاجته النفسية للعقيدة وللأفكار والمبادئ الدينية، حيث يوجد فراغ نفسي وفكري كبير داخل كل إنسان، وترك هذا الفراغ مفتوحا لكل التيارات والثقافات والأفكار الوافدة، تجعل من الإنسان وخصوصا الشباب، عرضة للأفكار الغريبة المنحرفة، مما يعني أننا نغامر بوضع شبابنا أمام محرقة الأفكار الضالة، وهذا يدعونا إلى ان نسهّل وضع القضايا الدينية المختلفة بين أيدهم وطوع عقولهم ومساعيهم.
الميول الفطرية للدين والعقيدة
بمعنى عندما يجد الشاب دروس الدين المختلفة متاحة له ضمن المناهج الدراسية، فهذا يعني أننا نسهّل على الناس مهمة مكافحة الانحراف الفكري، ولن يبقى الفراغ الثقافي والفكري مصدر تهديد لعقول الشباب بالدرجة الأولى، لاسيما أن الميول نحو العقيدة والدين تبدو ذات دوافع فطرية، لهذا لابد من ملء الفراغ الثقافي عند الناس بالدروس والمضامين الدينية، حتى يتحرك في الإطار الصحيح والمستقيم للحفاظ على حقوقه وحقوق الآخرين، بعيدا عن حالات الانحراف والشذوذ الذي غالبا ما تكون مصادره الثقافات الوافدة.
لذا يقول الإمام الشيرازي:
(إن دافع الإنسان إلى الدين والعقيدة هو دافع فطري غريزي وقد سلم به حتى الذين لا يؤمنون بالدين. فإننا إذا لم نغذ إخواننا وأبنائنا من ثقافتنا الإسلامية الصحيحة فسوف نترك فراغاً كبيراً في حياتهم، يفسح المجال للمنحرفين للقيام بإشباعه بما يسوغ لهم من أفكار وأعمال منحرفة).
وهكذا فنحن في حاجة إلى السير في مسارين عندما نريد أن نواجه الأفكار غير السليمة، لاسيما أننا نبحث عن الحسنات في دنيانا لضمان آخرتنا، أما المسارين المطلوبين فهما كالتالي:
أولا: أن نتجه نحو الأعمال الصالحة كونها تضمن لنا مواكبة التطورات والمستجدات المستمرة التي تساعدنا على مواكبة التطورات اليومية السريعة في العالم كله، فنحن يجب ان لا نبقى متأخرين، ولا يصح لنا عدم مجاراة الأمم الأخرى في التطور، وهذا لن يتحقق ما لم نصلح أنفسنا وأفكارنا و وعينا وعقيدتنا، ونتمسك بديننا ونطّلع عليه ضمن المناهج الدراسية المنتظمة في جميع المراحل الدراسية بدءا بالابتدائية حتى المراحل الجامعية العليا.
ثانيا: أن نفوز برضوان الله تعالى، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق تحصيل الدين بصورته العميقة والصحيحة التي تمنحنا المعرفة بالأحكام الشرعية، وتزيد من وعينا وثقافتنا، وتجعلنا قادرين على مواجه أساليب وموجات الانحراف التي يتم بثها عبر وسائل الإنترنيت المختلفة لتلويث أفكارنا وإضعاف إيماننا، وهذا لن يحدث إذا تمسكنا بالدين وفهمناه واستوعبنا مضامينه ومبادئه جيدا في مناهجنا الدراسية.
يقول الإمام الشيرازي:
(حتى نجابه هذه الأفكار ولأننا نقول: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَة) لابد لنا أن نعمل باتجاهين: اتجاه لصلاح دنيانا في كافة المجالات ولمواكبة تطور الأمم المتقدمة، واتجاه آخر للفوز برضوان الله تعالى).
الفهم السليم للعقائد والأحكام
ولابد أن يكون هدفنا قبل كل شيء ضمان الآخرة، وهذا لن يتم إلا إذا جعلنا من الدنيا محطة لتحقيق هذا الهدف العملاق، أي أن يكون عملنا وحركتنا ونشاطاتنا المختلفة في الدنيا ضمن الإطار الشرعي الصحيح، لأننا متمسكون بالدين وهذا لن يتحقق إلا عبر الفهم والاستيعاب السليم للأحكام والعقائد والمضامين الدينية المختلفة.
هناك من يعمل لدنياه فقط، وهذا ليس صحيحا، وهو دليل على جهل بالدين، وعدم الاستفادة من الأفكار السليمة، لأن العمل الدنيوي الصرف لن يقود الإنسان إلى ضمان الآخرة، فحري بالإنسان أن يطبق المعنى الحرفي للحديث الذي يقول (الدنيا مزرعة الآخرة)، وكما يقول الإمام علي عليه السلام (بالدنيا تُحرَز الآخرة)، أي أننا يمكن أن نحرز الآخرة بالاستقامة في الدنيا.
لهذا يؤكد الإمام الشيرازي هذا الهدف فيقول:
(ولكن أن نعمل للدنيا فقط ثم نطلب من الله عز وجل الدار الآخرة الحسنة فهكذا تصرف ليس صحيحاً، بل الفوز بالآخرة يتأتى من خلال عملنا وما نقدمه في الدنيا، من أعمال الخير يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: بالدنيا تحرز الآخرة).
بالطبع ليس المطلوب التركيز على الآخرة وحدها في دنيانا، لأن حيتنا المادية والعائلية تستوجب منا الحركة والنشاط وكسب الرزق، وهناك الطيبات الكثيرة المسموح بها شرعيا، وهي ليس ممنوعة بل متاحة كونها ذات حاجة ماسة للإنسان إضافة إلى أنها غير محرمة، فتوجد وسائل وأساليب كثيرة وخيارات عديدة أيضا لخلق التوازن بين كسب الآخرة والعيش في حياة جيدة أيضا ضمن الأحكام الشرعية المعروفة.
المهم أن يدخل الدين ويتم تدريسه وإفهامه للطلبة وللمحتاجين للفهم، حتى لا تبقى هناك ثغرات يتسلل منها الانحراف إلى عقل المسلم، والمناهج الدراسية يمكن أن يكون لها دور كبير في هذا المجال. لتخليص الشباب من شوائب الانحراف الكثيرة.
يلخص الإمام الشيرازي رؤيته التطبيقية بالقول:
(الذي نريده هنا هو ان الدروس التي تقرر في المناهج الدراسية، يجب أن تبحث في دنيا المسلم وفي آخرته معاً، لتفي بمتطلبات الإنسان والمجتمع وتسد كلا حاجتيه المادية والمعنوية، وتبعده عن طريق الانحراف وحتى يأخذ الشاب المسلم الدور اللائق به في المجتمع).
في الحقيقة هناك دروس للدين تدخل ضمن المراحل الدراسية، وهي معمول بها منذ وقت طويل، ولكن المطلوب هو تفصيل الدين بطريقة أوضح واكبر، وزيادة وعي الناس أكثر، حتى لا يكونوا فريسة للثقافات الأخرى، لاسيما ان الأفكار والثقافات والميول المنحرفة باتت متاحة من دون موانع، وهذا ما يجعلنا ننادي بحماية عقول الشباب أكثر فأكثر من موجات الانحراف.
اضف تعليق