في وسط مليء بالتناقضات والتخادم المصلحي، تبرز ظاهرة التعاضد بين السياسيين وعدم التعارض فيما يخص تلكؤ المشروعات ورداءة المنفذ منها، فلم نر أي محاسبة او توجه لمعاقبة المقصرين في الحكومات المحلية من قبل المجالس الرقابية، وهو ما يثبت مقولة الوحوش لا تأكل بعضها...
في وسط مليء بالتناقضات والتخادم المصلحي، تبرز ظاهرة التعاضد بين السياسيين وعدم التعارض فيما يخص تلكؤ المشروعات ورداءة المنفذ منها، فلم نر أي محاسبة او توجه لمعاقبة المقصرين في الحكومات المحلية من قبل المجالس الرقابية، وهو ما يثبت مقولة الوحوش لا تأكل بعضها.
ثَبُتَ بالدليل ان الحكومات المحلية المسؤولة بشكل مباشر عن المشروعات المنفذة في المحافظات، اهدرت ملايين الدولارات في مشروعات وهمية او عن طريق صرف مبالغ خيالية على صيانة طريق او صبغ رصيف، او تشجير وهكذا من المشاريع التي اطلعنا على تخصيصها المالي الذي يتجاوز المليارات من الدنانير.
أكاد اجزم ان جميع أعضاء مجالس المحافظات يعرفون وعلى دراية تامة بما يجري خلف الكواليس من آليات إحالة المشروعات وتنفيذها والنسب المفروضة على المنفذين، لكنهم يغضون النظر لعدة أسباب:
اهمها هو العلاقات التي يتمتع بها اغلب المقاولين وأصحاب الشركات مع النخب السياسية، وأصحاب النفوذ، مما يؤخر عملية المحاسبة، وفي أحيانا كثيرة انعدامها، هذه إذا ما كانت الشركات عائدة لجهات سياسية.
الوضع الحالي يكشف عن ازدواجية في المعايير بشكل صارخ، إذ فضحت تلك التخندقات ابتعاد الجهات الرقابية عن القيم والمبادئ التي كانت تروج لها وتنادي بها وتدعي التمسك بتطبيقها، خلال الحملات الانتخابية التي اقنعتنا بأن المدن العراقية مقبلة على مرحلة جديدة من الاعمار والرخاء على مستوى المشروعات التي تصب بخدمة المواطن.
والسؤال الأبرز هنا، ما الذي جعل مجالس المحافظات تعيش بحالة من التجانس وعدم التضاد في العمل مع الحكومات المحلية خلال فترة ما بعد الانتخابات؟
التجانس يأتي من الاتفاق المسبق بين المحافظين والأعضاء على آلية إدارة الحكم وتوزيع المناصب بين الأحزاب المرشحة لأعضاء المجلس، فكل حزب خوّل مرشحه بان يكون محاميا عنه ومطالبا للحصول على منصب او نفوذ معين في المحافظة، والمحصلة النهائية سادت حالة من الصمت وعدم التفتيش والبحث عن الأخطاء والاشكالات القانونية والمالية التي وقع فيها المحافظ خلال التنفيذ.
اقتضت الحكمة ان تتفق جميع الأطراف على السير بهدوء تجاه تحقيق الغايات والمنفعة الشخصية، بغض النظر عن اختلاف رؤى هذه الأحزاب ومشاربها، طالما مجتمعة ومتفقة على مسار معلوم ونسب توزيع المشروعات حسب التمثيل او الثقل السياسي في المجلس.
واستمرار هذا التحالف والتوافق بين الجهتين التشريعية والتنفيذية يضع المواطنين امام تحد كبير يتطلب التفكير بطريقة لمواجهة الخلل في عمل الحكومات، خلافا للطرق التقليدية المتمثلة بالتظاهر والنزول الى الشارع، بعد ان لمس المواطن عدم رحمة السلطات الحاكمة والتي افضت الى استشهاد مئات الشباب على ايدي القوات الأمنية.
ما يثير الدهشة هو ان أعداء الامس هم نفسهم أصدقاء اليوم، وان استمرار التفاهم بهذه الحالة يعني ان دائرة الخطر ستتسع وان خدمة المواطن تبقى مرهونة بمصير هذه التوافقات، فأن طال امد الاتفاق انخفضت نسبة الخدمات وكشف حالات هدر المال العام، وان قل الأمد انكشفت الأوراق المخفية، وفي كلتا الحالتين هنالك ضرر سيحلق بالجماهير التي ستعض النواجذ على اختياراتها غير الصحيحة.
اضف تعليق