خسر المسلمون الحكم الإسلامي الرشيد، وضيعوا منهج الحكم بالاستشارة عبر نظام الشورى الذي يحقق لهم نظاما رشيدا للحكم، ولكن هذه الحكومة لم تتحقق كنتيجة لأسلوب القوة واعتماد السيف وحز الرقاب، واعتماد الإعلام المضلل، والإغواء، والترهيب والترغيب، فكانت النتيجة فقدان المسلمين لفرصة سياسية تاريخية وهي الفوز بالحكم الرشيد...

(كان هدف حكومة يزيد ظلم العباد وطمس آثار النبوة) الإمام الشيرازي

لم تكن مهمة إقصاء الإمام الحسين عليه السلام قضية سهلة، أو في متناوَل اليد بالنسبة ليزيد، فقد واجه صعوبات كبيرة، كما أنه أعدّ العدة الكاملة لتحقيق هذا الهدف، من خلال أسلوب الاستبداد والقمع والترهيب الذي مارسه ضد المسلمين، واستمر ذلك سنوات طويلة، لدرجة أن المسلمين واجهوا موجات التعذيب والقمع لسنوات طويلة.

وقد أشاعت حكومة يزيد أجواء الخوف بين الناس، واعتمد أساليب متناقضة منها الترغيب والتخويف والخداع والتزييف، وقلب الحقائق وإخفائها عن الناس، فهنالك الكثير من المسلمين كانوا لا يعرفون حقيقة نهضة الحسين عليه السلام، ولماذا رفع لواء المعارضة ضد يزيد، فقد لعب الإعلام دورا كبيرا في قلب الأمور رأسا على عقب لدرجة أن كثيرا من الناس لم يعرفوا من هو الثائر على يزيد، ولم يعرفوا أنه سبط الرسول صلى الله عليه وآله.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيّم (موجز عن النهضة الحسينية) عن هذه القضية:

(كان المسلمون في عهد يزيد يعيشون في جو من الإرهاب والضغط السياسي والعقائدي، فإن معاوية ويزيد وبني أمية بصورة عامة كانوا قد حبسوا الأنفاس في الصدور، وخنقوا الأصوات المنادية بالحرية وكموا الأفواه، فكانت سياستهم السجن والقتل والضرب والتعذيب وكم الأفواه وتصفيد الأيادي بالقيود).

لم يكن يزيد معنيا بحقوق المسلمين، ولا تعنيه مفردة الحقوق، وما كان يعنيه هو السلطة وحماية العرش فقط لا غير، كما أنه اعتمد ذات الأسلوب الذي اعتمده أبوه في تثبيت أركان حكمه، حيث القمع في أقصاه، والمخاتلة والكذب وأساليب الزيف، بالإضافة إلى ترغيب الناس بالعطايا والأموال والمناصب، وهو أسلوب معروف به الطغاة. 

حيث يقول الإمام الشيرازي: لقد (استمرت مسيرة الظلم والجور بحكومة يزيد، وكان الهدف ظلم العباد وطمس آثار النبوة ومن هنا فقد نهض الإمام الحسين (عليه السلام) ضد هذه الأعمال الشنيعة وهذه الحكومة الجائرة. هكذا بهذا الأسلوب حارب يزيد الإمام الحسين (عليه السلام).

ومن الأدوات التي اعتمدها يزيد في تمرير وترويج مخططاته وأفكاره، هو الإعلام المضلل، وأسليب التخويف والقهر، بالإضافة إلى أسلوب التقريب والترحيب لكسب التأييد حتى لو كان هذا الموقف باطلا، فهناك إغراء دائم ومستمر لمن يؤيد معوية ويعاضد حكمه ويؤيده، بالمقابل هنالك أساليب القمع المختلفة التي تشيع الاضطهاد، وتكمم أفواه الناس حتى لو تم سلب حقوقهم، وفي كل الأحوال تجد القمع والاستبداد هو الأسلوب الأوحد ليزيد.

لهذا يقول الإمام الشيرازي: (لقد تمكن يزيد بن معاوية من محاربة الإمام الحسين (عليه السلام) وتهيئة جيش كبير ضده عبر الإعلام المضلل والإغراء بالجهل ونشر جو الإرهاب والخوف).

موجة هائلة من عمليات التضليل 

 وهكذا استمرت أساليب الدعاية المأجورة المضللة الكاذبة، وتعرض المسلمون حينئذ إلى موجة هائلة من المعلومات المضللة، ومن الأكاذيب التي تم نشرها وكأنها هي الحقائق الصحيحة التي لا يجوز تكذيبها، بينما هي كانت مجموعة أكاذيب مختلقة روج لها إعلام كاذب مضلل مأجور ومدعوم بالقوة المفرطة والاستبداد المطلق.

يقول الإمام الشيرازي:

لقد (استولى يزيد على المسلمين بالقوة والقهر، مضافاً إلى ما أوجده من جو الإرهاب والخوف فكان من لا يخرج إلى محاربة الإمام الحسين (عليه السلام) يُقتل أو يُسجن، وكان كثير من الناس لا يعرفون الهدف من نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، وكانت مجموعة كبيرة منهم تقبع في السجون).

 وهكذا تم التمهيد لمحاربة الإمام الحسين عليه السلام عندما امتنع عن مبايعة يزيد وأطلق كلمته الشهيرة (مثلي لا يبايع مثلك)، وفي ذلك الوقت شرعت مجاميع وجلاوزة يزيد تعيث فسادا وقتلا بالمسلمين، فانتشر الخوف والظلم يرافقه حملات من الرياء والتدليس والأقاويل المضللة التي تم نشرها بين الناس على أنها المواقف والمعلومات الحقيقية.

وهكذا استطاع يزيد أن يجمع الناس لمحاربة الحسين عليه السلام، عبر التضليل، وعبر التخويف، والترهيب، ومن جهة أخرى استخدامه لأسلوب الإغواء والإغراء ويوجد هناك من يرغب بالدنيا فاصطف إلى جانب يزيد في جريمته لمحاربة سيد الشهداء عليه السلام.

الإمام الشيرازي يؤكد على: (إن الإمام الحسين (عليه السلام) عندما امتنع من بيعة يزيد وصمم على الشهادة، كانت هناك مجموعة كبيرة من شيعته قد قُتلت بأيدي جلادي بني أمية، ومجموعة أخرى كانت تقبع في السجون، فخرج الإمام الحسين (عليه السلام) بأصحابه المعروفين. أما الذين جاءوا لمحاربة الإمام الحسين (عليه السلام) فقد جاءوا إما من باب الخوف والإكراه وإما من باب الجهل والإغواء).

أكبر عملية لغسيل العقول 

لقد أجريت عمليات غسيل جماعية هائلة للناس في العهد الأموي، وتم تحريف جميع المعلومات والعقائد والقيم التي بدأت بها البعثة النبوية، وأرست دعائم دولة المسلمين، وحققت بناء الأمة التي جاء فيها (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولكن كل تلك الأسس تم نسفها في عهد يزيد وأبيه من قبله.

هكذا جرت عمليات غسيل مخ متواصلة للناس، مما جعلهم يميلون إلى معسكر الباطل، معسكر التضليل، ويصطفون إلى جانب الآلة العسكرية الظالمة ضد سبط رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو الثائر على موجة الظلم، حيث أعلن بقو الحق استعادة الإسلام من قبضة الحاكم الفاسد، حتى لو كان الثمن دماء الحسين عليه السلام وذويه وأصحابه الأطهار.

يقول الإمام الشيرازي: إن كثيراً من الناس في كم يزيد (كانوا من أهل الدنيا الذين خدعهم بنو أمية، بإعطائهم الأموال والمناصب، ووعدوهم بذلك إن خرجوا لمحاربة الإمام الحسين(عليه السلام)، فهؤلاء خلال أربعين سنة ـ لا يوم واحد ولا شهر واحد ولا سنة واحدة ـ وعن طريق إعلام معاوية قد تم تغيير أفكارهم وإجراء عملية غسيل المخ عليهم فتغيروا).

 بهذه الأساليب تمكن يزيد من محاربة الحسين عليه السلام، واستطاع أن يخدع الناس من خلال غسيل أدمغتهم، وإسقاطهم في موجات الإعلام المضلل، فأقدموا على اتخاذ الموقف المضاد للحسين عليه السلام والمؤيد للحاكم الفاسد يزيد.

حيث يقول الإمام الشيرازي: (من هنا يتضح كيف تمكن بنو أمية من الإقدام على مثل هذه الجريمة النكراء بقتلهم الإمام الحسين (عليه السلام).

وهكذا خسر المسلمون الحكم الإسلامي الرشيد، وضيعوا منهج الحكم بالاستشارة عبر نظام الشورى الذي يحقق لهم نظاما رشيدا للحكم، ولكن هذه الحكومة لم تتحقق كنتيجة لأسلوب القوة واعتماد السيف وحز الرقاب، واعتماد الإعلام المضلل، والإغواء، والترهيب والترغيب، فكانت النتيجة فقدان المسلمين لفرصة سياسية تاريخية وهي الفوز بالحكم الرشيد.

يقول الإمام الشيرازي:

(خلاصة الأمر أن الخلافة والولاية حرّفت عن مواضعها فلم يستلمها الإمام المعصوم (عليه السلام) ، ولم تتحقق حتى حكومة الأكثرية والاستشارة، بل كانت حكومة الحراب والسيوف وهؤلاء الطغاة هم الذين تولوا قيادة المسلمين، لأن الحكومة الوراثية من دون مراعاة الموازين الشرعية هي نفسها حكومة السيف فالحاكم هو الذي يعين وارثه لتصدي الحكم بالقهر والاستبداد، وكل من لا يقبل ذلك ويخالف فإنه يضرب عنقه بالسيف).

هكذا يقدم الإمام الحسين عليه السلام، هذا الدرس الأخلاقي السياسي الحقوقي لجميع المسلمين، بل لجميع البشر في العالم كله، كي يأخذوا الدروس الصحيحة، ويصلوا إلى بناء الحكم الرشيد الذي يقيهم من شرور الظلم والطغيان، والتمييز، وأكل الحقوق، ومصادرة الحريات بالقمع والاضطهاد، نعم لقد ضيّع المسلمون فرصة الحكم الرشيد، لكن درس عاشوراء العظيم لا يزال قادرا على منحهم إمكانية استرجاع هذا النوع من الحكم شرط مناصرة الحسين عليه السلام. 

اضف تعليق