في هذا اليوم من شهر محرم، نحن نقترب من ملحمة الطف العملاقة، ونستعيد المجد الحسيني الخالد مجددا، ونعيشه لحظة بلحظة، ونسعى (أو يجب علينا ذلك) أن نستنبط من سيرة وشخصية الإمام الحسين عليه السلام، ومناقبه ومعارفه وعلومه وأخلاقه الدروس الكبيرة التي تساعدنا على العيش في حياة آمنة، كريمة، وصحيحة...

(يكفي أن يطلع الإنسان على خُلق الإمام الحسين عليه السلام في قصة كربلاء

ليعرف عظمة أخلاقه) الإمام الشيرازي

في هذا اليوم من شهر محرم، نحن نقترب من ملحمة الطف العملاقة، ونستعيد المجد الحسيني الخالد مجددا، ونعيشه لحظة بلحظة، ونسعى (أو يجب علينا ذلك) أن نستنبط من سيرة وشخصية الإمام الحسين عليه السلام، ومناقبه ومعارفه وعلومه وأخلاقه الدروس الكبيرة التي تساعدنا على العيش في حياة آمنة، كريمة، وصحيحة، نبني فيها منطلقات رصينة للفوز في اختبار الدنيا، وضمان المكانة السعيدة في الآخرة.

الإمام أبو عبد الله الحسين ينتمي إلى الأئمة المعصومين عليهم السلام، وهو من سلالة الغرس النبوي العظيم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يرى في سبطه الإمام الحسين أنه من أقرب الخلق إليه، وأحبهم إلى قلبه ونفسه، فيلاعبه ويقبله في نحره وجبينه ويردد: (حسين مني وأنا من حسين) على مسمعٍ من الناس جميعا.

والإمام الحسين عليه السلام هو من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، كما في الآية الكريمة: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (سورة الأحزاب: الآية 33)، لهذا وغيره، نحن كمسلمين وكشيعة، بل وحتى بصفتنا الإنسانية توجب علينا فهم مناقب الإمام الحسين، والاطلاع على سيرته وشخصيته، واستثمارها في حياتنا. 

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (المعصومون الأربعة عشر الجزء الخامس):

(إن الإمام الحسين كبقية المعصومين عليهم السلام في قمة الفضائل والمناقب، فهو من آل بيت الوحي ومعدن الرسالة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).

وكما هو معلوم أن الأسس المهمة في بناء شخصية الإنسان، تستند على ركائز عديدة، أهمها العلم، فلا يجوز أن نقول عن الإنسان غير المتعلم على أنه صاحب مكانة مهمة بين أفراد مجتمعه، أو محيط عمله، أو حتى بين أهله، على خلاف الإنسان المتعلم فهو يحصل على توقير كبير ومكانة عالية، ويلقى الاحترام من الجميع.

الإمام الحسين عالم ومعلم

من هنا نجد أن أهم صفة في الإمام الحسين هي أنه عالم أو متعلم وفي نفس الوقت هو معلم، لأن أهل البيت عليهم السلام، حرصوا كثيرا على نقل علومهم وتجارهم إلى الناس، سواء عن طريق الوعظ أو الخطب، أو الكتابات والأقوال، وحتى عبر الآداب، وحين نبحث في خطب الإمام الحسين فإننا سوف نلمس تلك القدرة العلمية الكبيرة التي تتجلى في كلماته وأقواله وأفكاره عليه السلام.

يقول الإمام الشيرازي: 

(من أبرز مناقبيات الإمام الحسين عليه السلام العلم، ومن أهم ما بلغنا من علوم الإمام الحسين عليه السلام هي خطبه البليغة والمليئة بالمعارف والحكم والمواعظ، وكذا أدعيته ومنها دعاؤه المعروف بدعاء عرفة وهو بحر من العلوم والمعارف. فممّا ورد في هذا الدعاء: إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري. إلهي أنا الجاهل في علمي، فكيف لا أكون جهولاً في جهلي. إلهي إنّ اختلاف تدبيرك وسرعة طواء مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلى عطاء واليأس منك في بلاء. إلهي مني ما يليق بلؤمي، ومنك ما يليق بكرمك).

ومن الأسس والمرتكزات المهمة في سيرة وشخصية الإمام الحسين عليه السلام، تلك الحصانة الأخلاقية العالية التي يتحلى بها، فهي أخلاق وُصفتْ بأنها (سماوية) تمثلا وتقربا من السماء، نظر لطبيعة هه الأخلاق التي تتجلى في تصرفات الإمام، وفي أقواله، وفي كيفية تعاملاته حتى مع أعداءه، وهو التعامل الذي حير الأعداء قبل الأصدقاء.

ويمكن أن نطرق أبواب التاريخ الصحيحة، لنطلع على وقائع ما جرى بين الإمام الحسين وأصحابه من جهة، وبين الأعداء (من مناصري المعسكر الأموي) من جهة أخرى، حيث جاءوا لمحاربة الإمام والتصدي لثورته على الظلم والجور والفساد، لكن الإمام عليه السلام سقى أعداءه الماء وتعامل معهم من مبدأ المسؤولية الأخلاقية والإنسانية وقدم لهم الماء وأنقذهم من هذه المحنة وهم في أقصى درجات الظمأ. 

نقرأ ما قاله الإمام الشيرازي عن هذه الصفة الحسينية: (من مناقبه عليه السلام أيضا الخلق السماوي حيث يقول الإمام الشيرازي عن ذلك: (يكفي أن يطلع الإنسان على خُلق الإمام الحسين عليه السلام في قصة كربلاء ليعرف مدى عظمة أخلاقه السماوية التي حيرت العقول وأدهشت العقلاء على مر العصور). 

ويؤكد الإمام الشيرازي قائلا:

(من مناقب الإمام الحسين عليه السلام انه بادر وسقى عسكر أعدائه الذين قدموا لقتله وقتل عياله، وهو لا يقبل أن يبدأ بمقاتلة الأعداء قبل أن يبدؤوه بالقتال، وهو الذي لا يحمل على فار ولا جريح).

يبكي على الأعداء ويدعو لهم

ومن أخلاق الإمام الحسين عليه السلام، تعامله العاطفي الكبير مع الآخرين، وما يدعو للتعجب الكبير تلك الأخلاق العالية المدعومة بعاطفة إنسانية نبيلة، حيث يصل الأمر إلى درجة تقديم النصح لمن يعادي الإمام، ويبكي من أجلهم وإن كانوا متحاملين عليه، وهم ممن يحمل العداوة لأبيه عليه السلام، تلك هي أخلاق الحسين عليه السلام التي علينا جميعا أن نقتدي بها كأسوة حسنة تجعل أخلاقنا بمصاف الأخلاق الكريمة تجاه الآخرين.

فيقول الإمام الشيرازي: 

(كذلك هو عليه السلام الذي يحن على أعدائه ويبالغ في نصيحتهم ويبكي عليهم رغم تحاملهم عليه وشدة بغضهم له ولأبيه).

ليس بغريب على الإمام الحسين عليه السلام أخلاقه العالية هذه، وتعامله الإنساني الكبير، وعاطفته الكبيرة الصادقة، ولهذا، يعج تاريخ المعصومين عليهم السلام، بمثل هذه المواقف التي تفصح عن سيرة لا مثيل لها، ومن الأمور التي يجب أن لا يغفلها المسلمون، والمؤمنون الـذين يسيرون في خط الإمام وثورته أن يتمثلوا بأخلاقه جيدا.

المطلوب أن يجسد الحسينيون أخلاقيات الإمام عليه السلام في الواقع، وأن يتعلموا من علمه ومعارفه، وأن ينقلوها إلى الآخرين، غير القادرين على الوصول إليها لأي سبب كان، لأن جودة الحياة مرهون بحتمية السير في سيرة الحسين عليه السلام، وأن ننهل من علمه، وأخلاقه وسيرته المعطرة بخير والصلاح.

ولم تكن أخلاق الإمام وتعاملاته محصورة بأحداث الطف، وما دار في الصراع التاريخي الكبير، وما جرى من تعاملات إنسانية مع معسكر الأعداء، وإنما تتعلق هذه المنظومة الأخلاقية بمجمل سلوكيات الحسين عليه السلام مع الآخرين.

وهو ما أكده الإمام الشيرازي في قوله:

(وكذلك فعل في غير واقعة كربلاء فقد نقل عن خلقه العظيم الكثير منها: روي أنّ غلاماً له جنى جناية توجب العقوبة. فقال الغلام: يا مولاي [وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ]. فقال عليه السلام: خلّوا عنه. فقال: يا مولاي وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ. فقال عليه السلام: قد عفوت عنك. قال: يا مولاي وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ. قال عليه السلام: أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك).

وأخيرا ونحن نقف على بعد أيام قليلة من أحداث الطف العظيمة، واستشهاد سيد الشهداء عليه السلام، لابد أن نقرأ سيرته، وعلمه، وأخلاقه، ببصيرة ثاقبة، ونتعلم منها ما يجعل حياتنا أكثر جودة واستقرارا وعدالة ومحبة، وأحسن من حيث التعامل الصحيح المدعوم بالاستقامة والإنصاف والقيم الأصيلة، والتمسك بأخلاقيات الإمام الحسين عليه السلام والتأسي بسيرته المعطرة بالأخلاق السماوية العظيمة.

اضف تعليق