هناك وشائج عميقة تربط بين الفقر والجهل، وهناك تنافر شديد وحاد بين العلم و الفقر، هذه الفرضية واقع ثابت، ونتائج ملموسة لا سبيل لنكرانها، كونها تم إثباتها تطبيقيا وعمليا من خلال مراقبة الناس وحياتهم ونشاطاتهم، ومن ثم ما توصّلوا إليه من درجات عالية من النجاح، أو علامات واطئة من الإخفاق والفشل...
(من يصحب الجهال لابد أن يكون جاهلًا) الإمام الشيرازي
هناك وشائج عميقة تربط بين الفقر والجهل، وهناك تنافر شديد وحاد بين العلم و الفقر، هذه الفرضية واقع ثابت، ونتائج ملموسة لا سبيل لنكرانها، كونها تم إثباتها تطبيقيا وعمليا من خلال مراقبة الناس وحياتهم ونشاطاتهم، ومن ثم ما توصّلوا إليه من درجات عالية من النجاح، أو علامات واطئة من الإخفاق والفشل.
في الغالب يرتبط الجهل بالظلم والعنف، فالمظلوم يمكن أن يكون ضحية لظالم عنيف بسبب جهل الظالم، لهذا نلاحظ أن الظالمين يعتدون على من دونهم أو أضعف منهم أو أقل شأنا أو درجة في المجتمع أو في العمل أو حتى في الشارع أو السوق، ولهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الجاهل يظلم من خالطه، ويعتدي على من هو دونه، ويتطاول على من هو فوقه، ويتكلم بغير تمييز. وعن رأى كريمة أعرض عنها، وإن عرضت فتنة أردته وتهور فيها).
ولهذا السبب فإن نبذ الجهل صار مطلبا جوهريا في حياة الإنسان كي لا يكون ظالما، ولكي يتخلص من الجهل عليه أن يبحث عن العلم ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وآله: (أطلبوا العلم ولو في الصين)، ويوجد ارتباط حاسم بين العلم والعقل، لهذا قال الإمام علي (عليه السلام): (لا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل ولا ميراث كالأدب ولا ظهير كالمشاورة).
إذًا يحتاج الإنسان إلى العقل الذكي، كي يبتعد عن الغباء، وكي يتخلص من مشكلة الجهل، والنتيجة هي تخلّصه من الفقر، فلكي تكون في منأى عن الفقر عليك أن تكون متعلّما عالِما، ولكي تكون ذا علم عليك أن تمتلك عقلا سليما ذكيا، وهذا يعني عدم ركونك إلى السائد الرتيب المتكرر الساكن والجامد، عليك بالجديد المتجدّد.
حيث يقول الشاعر أبو لعلاء المعري:
(وما في الناسِ أجهلُ من غبيٍّ ….. يدومُ له إِلى الدنيا ركونُ).
فالجهل والغباء صنوان متلازمان، فأينما تجد الجهل تجد معه الغباء، والنتيجة هي حالة الركون والسكون، وعدم حث العقل والنفس على التطور والتعلّم للتخلص من أغلال الجهل وسلاسل الفقر، مع أن العلم ينتمي إلى الخير حتما، بينما نجد أن الجهل هو الشرّ بعينه.
حيث يؤكّد الفيلسوف المعروف سقراط قائلا: (العلم هو الخير والجهل هو الشر).
ثلاثية العقل، العلم، الخير
وهكذا نلاحظ ذلك الارتباط الوثيق بين ثلاثية العقل، العلم، الخير، تقابلها ثلاثية الجهل، الظلم، الشرّ، وهذا ما جعل من العالِم إنسانا متميزا، وله مكانته الكبيرة بين الناس، لأنه تعلّم وصار عالما وعارفا، وفي نفس الوقت نقل علمه إلى الآخرين، وجعل معرفته ببواطن الأمور متاحة للناس ومنقولة للآخرين فاستحق أن يكون متميزا بينهم، وبعض العلماء صار عظيما، واستحق هذا اللقب نتيجة لعلمه ولدوره في تعليم الآخرين.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في أحد مؤلَّفاته المهمة وهو تحت عنوان: (من اقوال الامام الشيرازي حول العلم والمال والحرية) يقول:
(العالِم عظمته بقدر علمه وأخلاقه).
وهذا يعني بأن مكانة العالِم تأخذ حجمها وتميزها من قيمة وقدر العلم الذي يحمله العالِم، وبقدر الأخلاق التي يتحلى بها، وغالبا ما تكون أخلاق العلماء رفيعة المستوى وعالية في مراتبها، كونها محصّلة لرحلة طويلة وشاقة في تحصيل العلم، وكلما كان الإنسان معرّضا للظلم، كان ذلك دافعا له نحو الخلاص، فيكون العلم والتخلص من الجهل سبيله إلى ذلك.
حيث يقول مصطفى نور الدين: (من ذاق ظلمة الجهل أدرك أن العلم نور).
وشتان بين إنسان يغوص في ظلام الجهل، وآخر يتسامى في ربوع العلم، ويغتسل في نوره، ويتخلص بالعلم من جهله، ويغادر فقره المعنوي والفكري والديني، وبالتالي فإن هذا التخلص من الفقر المعنوي يكون طريقه الواضح للخلاص من الفقر الواقعي في الحياة.
وما أن يعرف الإنسان طريقه للخلاص من الجهل، سوف يسعى بكل ما أوتي من قدرات كي يتعلّم، ويغوص في بحار العلم، كي يلتقط لآلئ المعرفة، ويحتفظ بها في أعماق عقله، ويتدرب عليها ويهضمها، ويزيدها يوما بعد آخر، ليس احتكارا ولا تضخما ذاتيا، بل ينفتح بها على الآخرين، فيعلّم أهلهُ وأصدقاءه، والمقربين منه، ثم ينفتح على كل من يحتاج إلى أن يتعلم، فالعالِم الحق الذي حصد علمه بجهوده، لن يتردد في نقل علومه إلى الناس.
استثمار الإنسان لقدراته الذهنية
وبالتالي تتكون له القيمة الاعتبارية الكبيرة في المجتمع، وسوف ينمو يوما بعد آخر، حتى لو كان في يوم ما غير عالم ولا عارف، لكنه سعى وأصرّ على الخوض في بحار العالم وخاضها بنجاح وتميز بها، فأسكت بذلك تلك الأصوات التي حاولت في يوم ما أن تنتقص منه، أو تنعته بأوصاف لا تليق بكل إنسان يسعى لاستثمار عقله وقدراته الذهنية والمعرفية بالطرق الصحيحة، فيكون من خيرة العلماء، وله مكانته التي تُسكِت منتقديه.
حيث يقول الإمام الشيرازي عن هذا النوع من العلماء: (من علَّمَ نفسه أسكتَ منتقديه).
على العكس منذ لك، الإنسان الذي يتعلّم ويحتكر العلم لذاته، ولا تخرج منه إلى عقول الآخرين، هذا النوع من البشر يعدُّ من الجاهلين، وبالتالي فإنه سيبقى فقيرا معنويا و واقعيا، فما فائدة أن تتعلم ويبقى علمك حكرا عليك، محصورا في ذاتك، لا يخرج ضوؤه إلى عقول الآخرين كي يستفيدوا منه، أو أنه ينهل من المعارف ولا يعمل بها.
فالحقيقة حين يعرف الإنسان ولا يعمل بهذا الذي يعرفه، فإنه والجاهل سواء، لأن الجاهل لا يعمل الأشياء الجيدة لأنه لا يعرفها، كذلك من يعرف ولا يعمل بما يعرف فإنه جاهل كونه يكف عن العمل بما عرفه وتعلّمه، وبذا فهو كي يتخلص من الفقر عليه العلمل بما يعرف، لأن القضاء على الجهل يقود الإنسان إلى القضاء على الفقر.
لذا يصف الإمام الشيرازي العارف ولم يعمل بما يعرف فهو جاهل ويقول نصا حول ذلك: (من عرف ولم يعمل فهو جاهل).
هل يمكن أن نقول الآن بأن العلم عدوّ الفقر؟، لابد أن يكون الجواب بالإيجاب، لأن العلم يعني طرد الجهل، وهذا يعني تحييد الفقر طالما أن الإنسان تخلّص من الجهل، لذا فإن أولى خطوات التخلص من الفقر، هي التخلّص من الجهل، وهذا يعني التعلّم والبحث المستمر والدؤوب عن العلم.
وعندما يكون العلم برفقتك، وقريبا منك، عليك أن تطمئن إلى أنك في مأمن من الجهل، وبالتالي أنت في مأمن من الفقر، لأنك تستطيع أن تستثمر علمك ومعرفتك في استثمار قدراتك المختلفة التي تساعدك على تخفيف وطأة الفقر، ومن ثم القضاء عليه، ولهذا يوصَف العلم بأنهُ: (صديق لا يخون) كما يقول الإمام الشيرازي.
بهذه الخطوات الواضحة، يستطيع الإنسان أن يتخلص من فقره المعنوي أولا وفقره الفكري والثقافي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، وهذا كله يقوده حتما إلى التخلص من الفقر المادي الساحق، ولكن لابد أن يكون هناك رصيد علمي للإنسان يتكّئ عليه، ويتعلم منه، ويحمي نفسه به من الجهل والفقر معا، فهناك مثل معروف يقول: (رأس مالك علمك، و عدوك جهلك).
اضف تعليق