لم يبق سوى أيام قلائل ونودع زيارة الأربعين، على أمل أن تعود لنا ونعيشها ونحيي مراسيمها في السنة القادمة بنفس التاريخ واليوم، ولكن علينا أن نخرج بحصيلة جيدة من زيارة هذه السنة، حصيلة أخلاقية حسينية مباركة تجعلنا أناسا صالحين متعاونين مناصرين للحق الذي خرج من أجله الحسين، وأن نسعى لبناء مجتمع نظيف متماسك متكافل وصالح...
(أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يخرج الأمة من المنكر إلى المعروف)
الإمام الشيرازي
يؤكد العلماء الأجلاء دائما وفي كل المناسبات على أهمية التعريف بالإمام الحسين (عليه السلام)، نسبًا، وشخصيةً، وثورةً، وفكرًا، ومبادئا، على أن يستمر هذا التعريف دونما توقف أو انقطاع، وعلى أن يشمل العالم كله، خصوصا العالم البعيد الذي لا يعرف شيء عن قضية خروج الإمام الحسين عليه السلام في واقعة الطف التي دارت رحاها في كربلاء المقدسة.
هنالك نسبة كبيرة من الأمم الأخرى لم تصل إليها تفصيلات النهضة الحسينية، ولا الفكر الحسيني، ولا المبادئ الحسينية، وهم قد لا يعرفون شخص الإمام ولا نسبه ولا أسباب خروجه على يزيد، يحدث هذا على الرغم من أن عصرنا هذا هو عصر الإعلام المفتوح، وعصر المعلومة السريعة، مع انتشار وسائل إعلام إلكترونية هائلة السرعة في الوصول وفي الانتشار السريع إلى أبعد نقطة في الأرض.
فإذا أردنا أن نبين للأمم الأخرى من هذه الإمام الحسين؟، يجيب الإمام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني (رحمه الله) عن هذا السؤال، بأن الإمام الحسين (عليه السلام) هو حجة الله على الأرض.
ويكمل الإمام الشيرازي معلوماته عن الإمام الحسين (عليه السلام) قائلا بأن: (جده نبي الإسلام العظيم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله وسلم)، الطاهر، المجاهد، العابد، الزاهد، التقي، النقي، المعصوم عن كل رجس ونجس، والموصوف بجميع الصفات الإنسانية العالية.
وجدته: أم المؤمنين السيدة الجليلة خديجة (عليها السلام)، التي كانت من سيدات نساء العالمين، وهي أول امرأة اختارت الإسلام وضحت بجميع أموالها في سبيل الدين الإسلامي، حتى أنها لما ماتت لم تكن تملك سوى جلد غنم كفراش تحت رجليها وجرة ماء، وأما تلك الثروة العظيمة فقد أنفقتها في سبيل الله عزوجل.
و والده: الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والذي كان قمة في الفضيلة، والإيمان، والتقوى، والجهاد في سبيل الله، والسخاء والكرم، وبكلمة واحدة كان الشخصية الأولى بعد نبي الإسلام (صلى الله عليه واله وسلم) فلم يكن له مثيل في عالم البشرية ولا يوجد، فإن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) هو أفضل خلق الله ومن بعده الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه نفس النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كما صرح به القرآن الكريم.
أمه فاطمة الزهراء الطاهرة المعصومة
وأمه: الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، سيدة نساء الدنيا والآخرة، العابدة، الزاهدة، القائمة، الصائمة، المجاهدة، الصابرة، الطاهرة، المعصومة، النزيهة، وبكلمة واحدة فهي غير قابلة للوصف والتصور لعظمتها وجلالتها (صلوات الله عليها).
وأخوه: الإمام الحسن المجتبى (صلوات الله عليه) ذلك الإمام الطاهر، ذو الخلق السامي، والحنكة السياسية الرفيعة، الجامع لكافة الفضائل الإنسانية. هذه هي أسرة الإمام الحسين، فمثله (عليه السلام) لا يمكن بأي وجه أن يبايع يزيد، ولا أن يسكت على ظلمه وجوره، حيث إن يزيد اتخذ دين الله لعباً واستخف بالمسلمين وجعلهم تحت الضغط والقهر، ولقد صرح الإمام الحسين (عليه السلام) في إحدى خطبه بأنه لم يخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).
هذه هي شخصية الإمام الحسين بكل وضوح، يذكرها الإمام الشيرازي في كتابه القيّم (موجز عن النهضة الحسينية)، ليظهر البون الشاسع بين الحسين (عليه السلام) الذي هو في الأعالي والقمم وفي المعالي دائما وخالدا، وبين يزيد الذي غطس في وحل الجهل والضحالة والجور والظلم والفسق والانحراف، لهذا يستحق لعنة التاريخ الأبدية، وهذا هو مصير كل من يسيء لقيمة الإنسان وحرمته ومكانته التي صانها الله تعالى.
هذه المعلومات التي ذكرها الإمام الشيرازي بدقة ووضوح بالغ، لابد أن تصل إلى جميع من لا يعرف من هو الإمام الحسين، وعلينا أن لا نستغرب هذا التفصيل والتوضيح والإصرار عليه، فهناك بالفعل من لا يعرف من هو الإمام الحسين (حتى هذه اللحظة)، وهناك من لا يعرف لماذا ثار ضد الظلم، بل هناك من يجهل نسب الإمام الحسين وانتمائه إلى السلالة النبوية الطاهرة، بسبب التعتيم الإعلامي المضاد، بالإضافة إلى تقصير الإعلام المؤيد لأهل البيت.
مثل هذه الشخصية العظيمة، وهذا النسب الأعظم، وهذه الثورة العملاقة، وهذه القيم والمبادئ والفكر والنهضة العملاقة، تستحق الخلود الأبدي وهذا ما حدث بالضبط، عبر الزيارة الأربعينية، زيارة الحسين (عليه السلام) وأهميتها ومكانتها الكبيرة التي وردت في الأحاديث الشريفة للأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام):
يقول الإمام الشيرازي (رحمه الله): "إن المتتبع للأحاديث التي جاءت حول فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يدرك عظمة هذا الشهيد الطاهر، وعلو مكانه، وارتفاع شأنه وشموخه في العالمين ومقامه عند الله (عز وجل)".
إخراج الأمة من المنكر إلى المعروف
ويوضح سماحته جوهر الثورة الحسينية والسبب الأهم والأعظم الذي جعله يخرج ويعلن رفض الجور والظلم، ويضح حدا لانحراف يزيد الذي انحدر بالإسلام في منحدرات خطيرة، فكان لابد من وقفة مشرّفة تضع حدا للانهيار الذي تعرض له الإسلام، لاسيما أن المسلمين صاروا في غفوة وكسل وخنوع للجور والظلم والانحلال في عهد يزيد.
يذكر الإمام الشيرازي قائلا: "أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يخرج الأمة من المنكر إلى المعروف، كان يريد أن يضع حداً للمنكر، وأن ينتشل الأمة من الحضيض الذي أركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، المتمثل بالخمول، والركون إلى الدنيا، والسكوت على الظلم، وتسلط الظالمين من أمثال يزيد وأبيه وأضرابهم، فأراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يبث روح الإيمان والحق فيها لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنه كان يرى أن الدين على وشك أن يُحرف، فأراد أن يعيد الدين غضا طرياً").
وقد أعاد الإسلام إلى ما كان عليه بعد التضحية بدمه ونفسه وأهله وكل ما يملك، كل هذا لكي يعود الإسلام ناصعا جليا محمديا حقيقيا نقيا.
ويخاطب الإمام الشيرازي الزوار الكرام، زوار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) زوار (الأربعين الحسيني) الكرام، يخاطبهم ويوضح لهم المكانة العظيمة لزيارة الأربعين، وكيف عليهم استثمار ما عانوه من تعب وعناء كبير كي يصلوا إلى مرقد سيد الشهداء (عليه السلام)، فعليهم أن يستثمروا جيدا هذه الجهود المباركة المخلصة التي بذلوها، لكي تكون جهودا نقية صادقة مخلصة تخرج من قلوبهم صافية وتعاهد الإمام (عليه السلام) على السير في طريقه ونهضته ومبادئه، من خلال التمسك بقيم عاشوراء العظيمة.
تلك القيم التي يجب أن نراعي فيها أهلنا وأرحامنا ونتعامل بالحسنى مع بعضنا، هذه هي الأعمال والأفعال والأقوال التي ترضي الإمام الحسين وتنتصر لثورته ونهضته وأهدافه الخالدة، فحين خرج الإمام الحسين ضد يزيد كان هدفه الأعظم هو الإصلاح في أمة جده، فحري بمن يشارك بزيارة الأربعين المقدسة أن يستلهم فكر الحسين وأهدافه لكي يقتدي به طالما كان هذا الزائر الكريم على قيد الحياة.
يقول الإمام الشيرازي:
(يجدر بالزوار عندما يزورون الإمام الحسين (سلام الله عليه) أن يحاولوا - إضافة إلی الإلحاح في الطلب والتضرع - أن يصلحوا أنفسهم، وأن يكونوا في وضع تقتضي الحكمة أن يعطيهم الإمام (سلام الله عليه)، ويستجيب لهم. اسعوا حين زيارة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إلى أن تكونوا بخدمة الإمام بقلوبكم، ويجدر بكم عند الحضور في مرقده الطاهر أن تعاهدوا الإمام على أن تتعاملوا بالحسنى مع الأرحام والأقارب والناس جميعاً).
وأخيرا لم يبق سوى أيام قلائل ونودع زيارة الأربعين، على أمل أن تعود لنا ونعيشها ونحيي مراسيمها في السنة القادمة بنفس التاريخ واليوم، ولكن علينا أن نخرج بحصيلة جيدة من زيارة هذه السنة، حصيلة أخلاقية حسينية مباركة تجعلنا أناسا صالحين متعاونين مناصرين للحق الذي خرج من أجله الحسين، وأن نسعى لبناء مجتمع نظيف متماسك متكافل وصالح.
اضف تعليق